ليبراسيون: نظام الأسد يترنح وفي حالة ذعر

هالة كدماني

بسبب تضاؤل موارده، وخضوعه للتدخل الإيراني المتزايد، بدأ النظام السوري يفقد زمام الأمور على الميدان بوتيرة متسارعة أمام تكثف هجمات المعارضة، وأصبح يكافح للمحافظة على الانضباط داخل صفوف جيشه.

رغم الإنهاك والخسائر التي تكبدها هو ورجاله، كان الضابط سهيل الحسن، الذي يعتبر بطلاً داخل صفوف الجيش السوري، يتكلم عبر الهاتف ويلح على مخاطبه قائلاً: “عندي 800 رجل جاهزون للتحرك على الميدان، ولكننا نحتاج فقط للذخيرة”، وصاح الجنود المحيطون به محاولين تأكيد كلامه: “بالروح والدم نفديك يا بشار”.

ظهرت هذه الأحداث في تسجيل مرئي انتشر على شبكة الإنترنت بعد فترة قصيرة من سيطرة المعارضة السورية، في نهاية شهر أبريل، على المدينة الإستراتيجية جسر الشغور في شمال شرق البلاد، وهي تعطي صورة قاتمة عن الأوضاع التي يعيشها جنود النظام السوري، فالانتكاسات العسكرية المهمة التي تكبدها الجيش في الأسابيع الأخيرة في الشمال، بخسارة مدينة إدلب وعدة نقاط محورية أخرى، وفي الجنوب أيضاً قرب الحدود الأردنية، كشفت حجم الأزمة التي يعيشها هذا النظام على مختلف الأصعدة؛ السياسية والاقتصادية والأمنية.

ويبدو أن الغيوم تلبدت في سماء دمشق وتكاثفت، لدرجة أن السؤال لم يعد يتمحور حول إمكانية سقوط النظام من عدمها، بل أصبح: “متى وكيف سيسقط هذا النظام؟”، وهذه التخمينات لم تعد تأتي فقط من أوساط مقاتلي المعارضة، المنتشين بتقدمهم على الميدان، بل أيضاً من سكان العاصمة، لأنهم يتعاملون بشكل مباشر مع الجهاز الأمني لبشار الأسد، ويستطيعون تقييم الوضع من الداخل، بعد أن شاهدوا حالة التخبط التي يعيشها النظام السوري حتى قبل الخسائر التي تكبدها مؤخراً.

حالة ذعر

ويؤكد أبو جميل، وهو موظف سوري متقاعد جاء لباريس لزيارة ابنته، أن الخزينة السورية فارغة، حيث يقول: “عندما يصبح النظام عاجزاً عن دفع أجور أربعة أشهر، لجنود وزارة الدفاع الذين يخوضون المعارك على الميدان، ولعناصر الشبيحة التابعين لجهاز الرئاسة الذين يمسكون بالأمن في المدن، فهذا يعني أن الوضع خطير جداً”، كما أن السقوط الحر الذي عرفته الليرة السورية في شهر أبريل، حتى أصبح الدولار الأمريكي يساوي 300 ليرة، بعد أن كان يساوي 200 ليرة في شهر مارس؛ زاد من مخاوف الشعب، ويقول هذا الرجل الذي يؤكد أنه يقف على الحياد في الصراع السوري: “بينما كانت إدلب تسقط بيد المعارضة، كان الناس يتحدثون عن سقوط الليرة وارتفاع أسعار الغذاء والمواد الأساسية”.

يمر النظام السوري بأزمة مالية خانقة؛ مما دفع بالسوريين للتساؤل حول تضاءل الدعم الإيراني، بما أن إيران لم تتوقف عن إمداده بالرجال والعتاد والأموال منذ اندلاع الثورة، حيث بلغ حجم هذا الدعم حوالي 35 مليار دولار سنوياً، حسب تقديرات صرح بها ستيفان ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسورية، أثناء لقاء خاص في واشنطن، ولكن إيران وروسيا يعانيان من انخفاض أسعار النفط؛ ما دفع بهما لخفض الدعم المقدم لبشار الأسد منذ نهاية عام 2014م.

نهاية عهد

بالتزامن مع هذه التطورات، أصبحت إيران تطلب المزيد من التنازلات في مقابل الدعم الذي تقدمه، لدرجة أنها أصبحت تقوم بإزاحة بعض أبرز الشخصيات المقربة من هذا النظام، حتى أصبحت الاتهامات الموجهة للأسد حول “بيع الوطن لإيران” تأتي من المعارضة ومن الموالاة على حد السواء.

وقد أعادت مصادر مقربة من النظام هذه الأقاويل في الأيام الأخيرة، بعد أن كانت قد أطلقتها عدة صحف عربية في شهر فبراير، حول قبول النظام السوري ببيع أو رهن مباني وممتلكات الدولة للحصول على الدعم المالي من طهران، وتضاف هذه الضمانات التي يرى الشعب السوري أنها تناقض مبدأ السيادة الوطنية، إلى السيطرة المطلقة التي يمارسها الحرس الثوري الإيراني على القوات المقاتلة سواء كانت من الجيش السوري أو المليشيات الشيعية، وقد تسببت هذه التدخلات الإيرانية، بما فيها فرض أشخاص معينين في الأجهزة العسكرية والمخابراتية وإقصاء آخرين، بحدوث صدمة مسّت قلب النظام السوري.

وقد انطلقت عمليات “الإخفاء القسري” خلال السنة الماضية مع حافظ مخلوف، ابن عم بشار الأسد ورئيس جهاز الأمن العام في دمشق، ثم تتالت هذه العمليات خلال الأسابيع الأخيرة، وكان أبرزها اختفاء مدير الأمن السياسي وأحد أهم رجال المخابرات رستم غزالة؛ مما يدلل على حجم الأزمة الداخلية التي يعيشها هذا النظام، وقد جاء إعلان وفاته في نهاية شهر أبريل الماضي، بعد أكثر من شهر على اختفائه بعد خلاف حصل بينه وبين رجل آخر من رجال المخابرات الأقوياء، شفيق شحادة، الذي اختفى بدوره منذ ذلك الوقت، فيما يبقى خروج الجنرال علي مملوك، رئيس جهاز الأمن الوطني والمستشار الخاص لبشار الأسد، مسألة غامضة حتى بعد ظهوره المفاجئ يوم الأربعاء الماضي إلى جانب الرئيس أثناء استقباله مسؤولاً إيرانياً رفيع المستوى، وقد سعت الأجهزة الإعلامية الموالية للنظام لنشر صور هذا اللقاء لتكذيب الأحاديث الدائرة حول التخلي عن علي المملوك.

ويقول خالد خوجة، رئيس التحالف الوطني السوري: إن النظام بصدد التفكك من الداخل، وهو أمر تؤكده الكثير من الوجوه المعارضة، ولكن يمكن أن تكون عمليات الإقصاء هذه جزءاً من مخططات بشار الأسد للتخلص من الوجوه البارزة في نظامه، لأنها يمكن أن تشكل بديلاً عنه يتم اقتراحه في مفاوضات “جينيف 3” مع ستيفان دي ميستورا، وعلى كل حال فإن الأجواء في دمشق توحي بقرب انتهاء العهد الحالي وبداية عهد جديد، وهو أمر يشعر به الجميع بمن فيهم أنصار النظام.

الممتلكات

في حي المالكي الذي يعد من الأحياء الراقية في دمشق، والذي يقع في قلب المربع الأمني في العاصمة، يبدو القلق واضحاً في وجوه الناس، ويؤكد أحد التجار أن المحادثات أصبحت مقتضبة في الشارع، وغالباً ما تنتهي بكلمة “الله يستر”، كما أن الكثيرين بدؤوا بحزم أمتعتهم.

وقد أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية في الأسبوع الماضي أنها تستعد لاستقبال عدد كبير من سكان دمشق المساندين للنظام، وأنها ترجح أن تكون إقامتهم في لبنان مؤقتة إلى حين ذهابهم إلى بلدان أخرى؛ لأن لبنان يعاني أصلاً من عبء استقبال مليون ونصف مليون لاجئ سوري.

كما أن الفوضى في صفوف أجهزة الأمن أصبحت واضحة، ما دفع بسكان بعض الأحياء القديمة بدمشق بتكوين لجان محلية لحماية ممتلكاتهم وعائلاتهم، وتقول إحدى ساكنات حي الشاغور في جنوب العاصمة: إن تأثير هذه التحولات ليس بالضرورة سلبياً، فقد تخلص هؤلاء السكان من مضايقات الشبيحة الذين يسمون أنفسهم بقوات الدفاع الوطني، وبعد سنتين من ممارستهم لكافة أشكال الظلم والابتزاز تحت كافة الذرائع، أصبحوا الآن يقومون بتوزيع الغذاء على الفقراء ويحاولون التودد للناس؛ لأنهم يشعرون باقتراب حدوث تحول كبير في الأوضاع، ويريدون التقرب من السكان ليضمنوا دعمهم عندما يصبحون في موقف ضعف.

 يعتبر سقوط النظام السوري أمراً حتمياً لدى خصومه الخليجيين، الذين دعوا مسبقاً القوى السورية المعارضة إلى عقد “مؤتمر ما بعد الأسد” في الرياض، كما أن واشنطن بدأت تنظر بقلق لهذا الأمر، فالانقسامات الداخلية والهزائم العسكرية الأخيرة توحي ببداية النهاية، كما يقول روبرت فورد، السفير السابق للولايات المتحدة في دمشق، ولكن واشنطن تخشى من الفوضى التي ستتلو ذلك في ظل غياب بديل واضح.

 كما يشعر السوريون بالتخوف من قدرة النظام على العودة من البعيد واستعادة أنفاسه، ويقول أبو جميل الذي ينوي تمديد فترة إقامته في باريس: إن رجال النظام السوري يملكون حيلاً شيطانية، وهم قادرون على فعل أي شيء، بما في ذلك تصنّع هجوم على دمشق ينسب لتنظيم الدولة، أو القيام بمجزرة ضد العلويين، لكسب التأييد والظهور بمظهر المحارب للإرهاب.

المصدر: صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية

الرابط: http://www.liberation.fr/monde/2015/05/14/le-regime-al-assad-sent-le-vent-tourner_1309630

 

 

 

 

Exit mobile version