تقرير خاص يفتح نافذة معاناة الروهينجيا مع تجارة البشر

يعاني مسلمو الروهينجيا في بورما من أزمة حقيقية منذ ما يزيد على 70 عاماً، في ظل الحكم العسكري الذي يسيطر على الدولة في بورما بعد استقلالها عن المملكة المتحدة، وما تبع ذلك من ممارسات لأشكال الاضطهاد والقمع والحرمان ضد الروهينجيا، وسط صمت دولي مطبق، وقد تعددت النكسات التي تعرضت لها هذه العرقية ذات الأقلية في بورما على مر التاريخ من قتل جماعي وإحراق وتشريد واعتقال، مما أدى إلى تقلص أعدادهم وضعف مقدرتهم على استعادة حقوقهم وهروبهم بشكل جماعي إلى بلدان أخرى كانوا يظنون أنها أكثر أماناً، وهو ما أوقعهم في مشكلات أخرى لم تكن في الحسبان، مثل الغرق أثناء الإبحار في المحيطات والمياه الدولية، حيث لا مهرب أمامهم سواها، أو الوقوع في براثن تجار البشر، أو العيش في أوضاع إنسانية صعبة، والافتقار إلى أدنى مقومات الحياة.

من تلك الدول التي فر إليها الروهينجيا بأعداد كبيرة دولة تايلاند التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من بورما والتي يعتنق حوالي 94.6% من السكان الديانة البوذية، وفقاً لآخر إحصاء في عام 2000م، فيما يشكل المسلمون ما نسبته 4.6% فقطـ، أي أنهم فروا من الاضطهاد البوذي في بورما إلى دولة بوذية أخرى.

الهجرة

حين يفر اللاجئون الروهينجيا متجهين إلى تايلاند، فإنه ليس أمامهم سوى خيارين اثنين للوصول إليها، وهو الإبحار عبر قوارب متهالكة من خليج البنغال وبحر أندامان، مروراً بالجزء الجنوبي من ولاية آراكان التابعة لبورما حتى الوصول إلى السواحل التايلاندية، أو السير عبر المنافذ البرية التي يتكون غالبها من أدغال كثيفة يتعذر وصول الجهات الحكومية إليها، أو طرق برية سرية بواسطة المهربين الذين يكون غالبهم من تجار البشر.

وبحسب إحصاءات غير رسمية، فإن مئات من الفارين لقوا حتفهم من سوء التغذية أو التعرض للتعذيب على أيدي تجار البشر، أو غرق المركب أثناء السفر، حيث يقطعون ما يقرب من 1500 ميل، ثم يقطع عدد منهم براً إلى ماليزيا للحصول على وظيفة جيدة أو معيشة أفضل.

يقول أحد الفارين الروهينجيين لـ”وكالة أنباء آراكان”: إنه ركب مع آخرين من ولاية آراكان على متن سفينة تابعة للسماسرة بـ100 ألف كيات بورمي للذهاب إلى ماليزيا مروراً بتايلاند، وإن ربان السفينة كانوا يمنحون اللاجئ وجبة واحدة في اليوم الواحد وكأساً من الماء، مضيفاً أن أعداد اللاجئين كانوا يفوقون السعة الاستيعابية للسفينة بمرتين أو ثلاث مرات.

ويؤكد ناشط روهينجي يدعى عبدالله كلامه في حديث لقناة “الجزيرة” أن السماسرة في مخيمات اللاجئين في ولاية آراكان يغرون الروهينجيا ويحاولون إقناعهم بالخروج من الولاية إلى الدول المجاورة للحصول على مصدر عمل، ثم يتخلون عنهم في منتصف الطريق أو يسلمونهم لتجار البشر.

كما تقول لاجئة روهينجية فرت مع زوجها من ولاية آراكان: إن القارب الذي كانوا على متنه فيه ما بين 300 – 400 شخص، وهو ما يفوق قدرة القارب الاستيعابية، ثم لما وصلوا إلى تايلاند اختطفتهم عصابات من تجار البشر وفرقوا بينها وبين زوجها.

الاتجار بالبشر:

وبحسب إحصائيات، فإن ما لا يقل عن 700 شخص احتجزوا لدى تجار البشر في عام 2015م يتم نقلهم من مكان لآخر هرباً من أنظار الحكومة التايلاندية، إضافة إلى 400 شخص على الأقل هم في معتقلات السلطات التايلاندية ممن ألقت القبض عليهم خلال العام نفسه أثناء محاولتهم العبور إلى أراضيها.

كما أن البحرية البورمية سلمت  في ديسمبر 2013م مجموعة من الروهينجيا ممن لا يقل عددهم عن 150 شخصاً إلى مهربي البشر كانوا على متن سفينة مكونة من رجال ونساء وأطفال، وقتل تجار البشر منهم 12 شخصاً وضربوا العديد منهم بوحشية، وذلك كما كشف الباقون من الناجين في وقت لاحق عندما وجدوا في مزارع المطاط شمال جزيرة فوكيت في تايلاند، وقد ظهر على أجسادهم ندوب وجروح نتيجة الضرب الوحشي.

وقد أعلنت السلطات التايلاندية في مارس 2015م أنها عثرت على 76 مهاجراً من بورما بينهم ستة يشتبه أنهم من مسلمي الروهينجيا، وذلك بعد العثور في يناير يناير 2015م على 98 من ضحايا تهريب البشر في جنوب تايلاند من الروهينجيا بينهم عشرات الأطفال.

 ونقلت مصادر لـ”وكالة الأنباء الإسلامية”، أن مجموعة من تجار البشر ساعدوا في فبراير 2015م مجموعة من الروهينجيا للفرار من مركز إيواء في محافظة رانونج التايلاندية، مما يؤكد احتمالية نقلهم إلى مكان مجهول للاختباء فيه قبل أن يبدؤوا في بيعهم أو ابتزاز أقاربهم لدفع الفدية مرة أخرى.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في بانكوك فيفيان تان: إن السلطات التايلاندية لا تحرك ساكناً لمنع أنشطة الاتجار بالبشر وبيع اللاجئين الروهينجيا، إضافة إلى أن المعارضة المحلية في تايلاند تحول دون إجراء المزيد من الجهود بسبب وجود عصابات كبيرة من تجار البشر.

ويؤكد كلام فيفان تان ما حدث في أبريل 2014م عندما وجهت السلطات التايلاندية الاتهام لاثنين من الصحفيين لقيامهما بالتشهير بالقوات البحرية في تقرير إخباري نشر على شبكة الإنترنت، وتناول قضية تهريب اللاجئين الوافدين من بورما.

وبحسب صحيفة “بانكوك بوست”، فقد قال الأمين العام لمكتب مكافحة غسيل الأموال العقيد سيهانات برايوترات: إن ما مجموعه 89 أصلاً من الأصول المالية بقيمة 12 مليون باهت قد تم تجميدها لمدة 90 يوماً، تتعلق بقضية اثنين تايلانديين مشتبه بهما بالاتجار بالبشر.

كما أظهر فيلم وثائقي أنتجته “الجزيرة” رجلين روهينجيين يحكيان مشاهد رأوها لفتاتين روهينجتين إحداهما في سن 13 والأخرى  في 18 وهن يغتصبن على أيدي تجار البشر في معتقلات وسط الغابات الكثيفة، ثم أرسلوهما إلى ماليزيا عبر تجار آخرين بعدما حملت الفتاتان من اغتصابهما.

الأوضاع الإنسانية:

قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته في سبتمبر 2014م: إن تايلاند تحتجز آلاف الأطفال المهاجرين كل عام بمن في ذلك أطفال مسلمي الروهينجيا، الذين فرت عائلاتهم بسبب العنف الممارس ضدهم في ولاية آراكان قائلة: إن الاحتجاز يسبب لهم الأذى الجسدي والعاطفي.

وأكدت “هيومن رايتس ووتش” أن الأطفال المهاجرين وطالبي اللجوء يتعرضون إلى الاحتجاز من دون داعٍ في مرافق هجرة قذرة ومحابس الشرطة؛ بسبب وضعهم كمهاجرين أو وضع آبائهم.

وقالت باحثة حقوق الطفل في “هيومن رايتس ووتش” وكاتبة التقرير أليس فارمر: يعاني الأطفال المهاجرون المحتجزون في تايلاند بغير داعٍ داخل زنازين مكتظة وقذرة دون تغذية كافية، أو تعليم، أو فضاء للرياضة.

وفي زيارة لمدير مؤسسة حياة الإنسانية عبدالعزيز بن مرضاح للاجئين الروهينجيين في تايلاند؛ بهدف تفقد أحوالهم والاطلاع على أوضاعهم عن كثب وتقديم المعونات الإغاثية لهم؛ صرح لـ”وكالة أنباء آراكان” أن عددهم في تايلاند يبلغ حوالي 4000 ﻻجئ ما بين نساء وأطفال وكبار في السن يتوزعون في أقسام الشرطة في جنوب تايلاند في حال وأوضاع سيئة، وأن معنوياتهم النفسية متدنية ويشكون من الإصابة بأمراض عديدة في ظل انعدام الخدمة الصحية وعدم توفر الدواء، موضحاً أن مؤسسة حياة الإنسانية قدمت لهم خلال الزيارة بعض المساعدات الإغاثية.

وقال مفوض اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في تايلاند نيران بيتاكواتشارا: إنه يشعر بالقلق لما يجري للروهينجيا المحتجزين حالياً في تايلاند والمحرومين من الحقوق الأساسية، مضيفاً أن المهاجرين الذين وصل معظمهم إلى جنوب تايلاند عن طريق القوارب هذا العام هم الآن في ملاجئ متفرقة ومراكز الاحتجاز لمدة سبعة أشهر، ويجب على الحكومة الآن أن تقرر ما يجب القيام به تجاههم. 

كما قال في ندوة بعنوان “الروهينجيا.. شعب غير مرغوب به ووحيد في تايلاند”: إن الروهينجيا يعيشون في ظروف صعبة في ملاجئ مؤقتة، ويعانون الاستغلال من قبل عصابات الاتجار بالبشر، والابتزاز من عصابات التهريب.

ويؤكد المدير التنفيذي لمنظمة “تحصين الحقوق” ماثيو سميث خلال فيلم وثائقي أنتجته قناة “الجزيرة” أن سجل حكومة تايلاند في مكافحة الاتجار بالبشر كان ولا يزال مرعباً، وأنها منذ وقت طويل تمارس نقل وبيع لاجئي الروهينجيا إلى تجار البشر في مخيمات الغابات.

وكشفت مصادرُ حقوقية عن وجود المئات من المخطوفين من اللاجئين الروهينجيين في غابات تايلاند، حيث يتم بيع أعضائهم من قبل تُجار الأعضاء البشرية.

كما تم في الفترة الأخيرة تداول عدد من المقاطع التي تظهر نساء وأطفالاً روهينجيين في أحد المعتقلات الحكومية في تايلاند وهم يبكون في مشهد مؤثر ويستغيثون بالعالم وإخوانهم المسلمين، فيما تقول منظمات حقوقية: إن الروهينجيين يعيشون في خوفٍ دائمٍ من العصابات التي تتاجر بالبشر والتي تلاحق اللاجئين الروهينجيين، إضافة إلى أن هاجس الاغتصاب يطارد اللاجئات الروهينجيات.

Exit mobile version