الكفيل.. المسمار الأخير في نعش التعايش بين العراقيين!

وقف أبو محمد النازح من شارع المستودع في مدينة الرمادي بثوبه الأبيض الذي لم تعكره وعثاء السفر، بينما تعكرت ملامح وجهه من كآبة المنظر، وهو يرى أنه قد أصبح غريباً في وطنه يحتاج إلى من يكفله ليُسمح له بالدخول إلى عاصمة بلده وكأنه يقف على معبر رفح!

أما الحاجة أم نجم النازحة هي وعائلتها من منطقة حي المعلمين في الرمادي، فلم تكن تعبأ بمنظر حرس الحكومة العراقية وما يفعلون، بل كانت تنظر في عيني ابنها أبي سهيل وقد اغرورقت بالدموع، وقد نال منها ذل القوات الحكومية وسوء معاملتهم لهم وكأنهم متهمون يحتاجون إلى من يثبت براءتهم! فضحكت في وجه ابنها بتكلف ملحوظ وأدارت ظهرها إلى بغداد، وقالت له: “ابني نجم نرجع نموت بالأنبار أشرف لنا وأكرم! فكان أن أنقذت الأم ولدها، فموته بخسارة كرامته لا بخروج روحه!

النزوح الأكبر

في أكبر موجة نزوح تشهدها محافظة الأنبار هرب أبناء مركزها من الرمادي والمناطق المحيطة بها في ساعات قلائل تاركين خلفهم المال والممتلكات، هرباً من شبح الموت الذي بات يرافق المسرحية الدامية التي تلف على كل المحافظات السُّنية، والتي تتمثل في انسحاب الجيش الحكومي من المناطق السُّنية بشكل مفاجئ! لتسرع بعدها مجاميع “داعش” للدخول فتعيث في المكان فساداً، ولتنسحب بعدها بشكل مفاجئ أيضاً! لتدخل مليشيات “الحشد الشعبي” المجرمة لتعيث في تلك المناطق فساداً أعظم! من هنا فرت الحشود الأنبارية الضخمة وهي لا تملك العدة ولا العتاد لمواجهة أي عدوان إلى أربعة اتجاهات:

1- نحو العاصمة بغداد (وهو الجزء الأكبر من النازحين).

2- نحو كردستان (وهم قلة ممن كان له قدرة على تحمل تكاليف الحياة هناك).

3- إلى خارج العراق؛ أي الأردن (وهم قلة قليلة خاصة مع الأخبار المتضاربة عن موقف الأردن من السماح بدخول اللاجئين أو عدمه).

4- نحو المحافظات الشيعية جنوب العراق (وهم قلة اضطروا لهذا التوجه بعد العراقيل التي وضعتها بغداد في منعهم من دخولها).

نظام الكفيل.. سيد العراقيل!

لقد كان قرار الحكومة العراقية الخفي ومليشياتها هو منع دخول هؤلاء النازحين من الأنبار بأي شكل من الأشكال، سواء كان إلى بغداد أو إلى المحافظات الجنوبية، وقد أوحى إليهم شيطانهم بالطريقة المُثلى لتحقيق ذلك، ألا وهي نظام الكفيل، ومفادها أن شرط دخول أي عائلة نازحة من الأنبار إلى بغداد هي وجود عائلة بغدادية بأوراق رسمية كاملة تحضر لتكفلهم وتتحمل كل تبعات وجودهم في بغداد، ولنتصور سوية واقع النازحين حينها على معبر بغداد، آلاف العوائل المتكدسة على مدخل بغداد – الأنبار، ونظام دولة روتينية يحتاج إلى ساعات في إتمام المعاملة الرسمية الواحدة ليُسمح بعدها لعائلة بالدخول إلى بغداد، فماذا ستكون الحال!

ولتبيان حقيقة موقف حكومة العبادي وحزبه وائتلافه من العرب السُّنة، نقول: إن نظام الكفيل تجاه أهالي محافظة الأنبار العراقية قد تزامن مع قرار حكومة العبادي قبل فترة من السماح لملايين الإيرانيين من الدخول إلى العراق بدون تأشيرة، ولا حتى كفيل!

لقد حمل نظام الكفيل المتعسف رسائل كثيرة إلى أهالي الأنبار خاصة، والى السُّنة العراقيين عامة، وقد كان بحق المسمار الأخير في نعش التعايش بين العراقيين، ومن تلك الرسائل:

1- أن المشروع الإيراني في العراق انتقل إلى مرحلة المجاهرة بالشر الذي يحمله، بعد أن ودع مرحلة التقية والكذب المبطن.

2- أن أكذوبة التعايش في العراق وأضحوكة المصالحة الوطنية في حكومات حزب الدعوة الإسلامية والائتلاف الوطني قد فُضحت وبانت حقيقتها.

3- أن أهل السُّنة في العراق لم يعد لهم اليوم محافظة واحدة تأويهم، إذا ما علمنا أن:

أولاً: محافظة الموصل تحت حكم “داعش” ومن شبه المستحيل الدخول أو الخروج إليها.

ثانياً: محافظتا ديالى وصلاح الدين تعيشان اليوم تحت سيطرة المليشيات الإجرامية لـ”الحشد الشعبي” بعد أن هربت منها “داعش”، وإن تلك المليشيات تمنع عودة أهاليها من أهل السُّنة إليها!

ثالثاً: محافظة كركوك مُغلقة من قبل قوات الأسايش الكردية، وهي تمنع دخول العرب إليها خشية تعارض هذا الإجراء مع مشروعهم في “كردنة” المحافظة أي جعلها كردية.

رابعاً: محافظة الأنبار خاوية على عروشها تنتظر ما تخطط لها عصابات المليشيات.

خامساً: العاصمة بغداد تحت وطأة القوات الحكومية والمليشيات الطائفية، وهي تشهد أقوى حملة تغيير ديمجرافي وبشكل ناعم وخبيث.

4- استمرار المخطط اللعين للنيل من أهل السُّنة، سواء كان ذلك النيل من كرامتهم بروح الإذلال التي يمارسها منتسبو الجيش الحكومي بحقهم، أو بإفقارهم من حيث سرقة ممتلكاتهم، أو بتشريدهم من حيث التغيير الديمجرافي الذي تشهده مناطقهم.

5- انتفاش مشروع الكراهية والحقد والبغضاء الذي تزرعه الحكومات الطائفية في صدور أبناء الشيعة في الوسط والجنوب تجاه أهالي السُّنة في العراق وفي الوطن العربي باعتبارهم “دواعش”.

من الذي أمر بنظام الكفيل؟

سؤال أضحك وأبكى العراقيين، وهم يذهبون بهذا الاستفسار إلى الرئاسات الثلاث التي من المفروض أنها تدير العراق العظيم، فبينما رئاسة الجمهورية ليس لها علاقة أصلاً بما يجري في العراق، نجد أن السيد رئيس البرلمان سليم الجبوري يستنكر مثل هذا القرار (وكأنه واحد من عوام العراقيين!)، ويطلب من رئيس الوزراء إلغاء نظام الكفيل، وكأن كل منهما يعيش في كوكب مختلف! وهذا ما ذهب إليه بعض المسؤولين السُّنة الآخرين، وبعد عدة مناشدات يعلن القادة السُّنة أن العبادي أخبرهم بعدم رضاه عن هذا القرار، وأن جهات أخرى هي التي تدفع بهذا التوجه، وليعلن رئيس الوزراء بعدها أنه قد تم إلغاء نظام الكفيل، بينما تستمر القوات والمليشيات المسلحة بالعمل بهذا النظام ضاربة بعرض الحائط قرار رئيس الوزراء بل ومنتقدة لأسلوب عمل العبادي، لتستمر العملية الطائفية الإذلالية المخيفة، وليصطدم العراقيون بالسؤال المخيف الذي يشغلهم اليوم، وهو: من يحكم العراق؟!

مبادرات خجولة من قيادات سُنية:

فيما أرسل السيد الجبوري، رئيس البرلمان، سيارات من موكبه المعدودة، لتسهيل نقل النازحين إلى داخل بغداد (بعد أن انتهوا من إتمام كفالاتهم)، ذهب رئيس ديوان الرئاسة للتظاهر بتسهيل إجراءات بعض معاملات الكفيل للنازحين، وكانت الطامة الكبرى كالعادة مع الصفر على الشمال صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء؛ أي نائب من أصدر قرار الكفيل! والذي ظهر على شاشات الفضائيات ضعيفاً خاوياً من أي صلاحية وهو يعاتب الضابط المسؤول في معبر بغداد – الأنبار عن سبب عرقلة النازحين ومنعهم من المرور، وكأن هذا العسكري هو نائب العبادي وليس السيد المطلك!

 ليصرح بعدها د. سعد الحديثي، المتحدث الرسمي باسم مكتب العبادي، لـ”البغدادية نيوز” ويقول: إن نظام الكفيل لم يكن عائقاً أمام إيواء النازحين، إذ تم استيعاب مئات الآلاف خلال خمسة أيام، وكان النظام يهدف إلى بناء قاعدة بيانات للنازحين لتأمين سلامتهم والحفاظ على أمن العاصمة من المندسين، وكذلك تأمين سهولة التواصل معهم وتقديم الخدمات لهم! ليلطم كل معترض على نظام الكفيل الطائفي على فمه!

الكفيل في المحافظات الجنوبية:

لقد كان نظام الكفيل في المحافظات الجنوبية هو الطائفية بعينها والإذلال بكل ما تحمل كلمة الذل من معانٍ وإبعاد للعوائل النازحة من الأنبار؛ إذ شمل ما يلي:

1- عائلة كفيلة ومستمسكاتها الرسمية.

2- منع دخول النازحين من الرجال من سن 18 عاماً إلى 50 عاماً إلى تلك المحافظات!

3- تأخير وإذلال مطول ومقصود يجعل العوائل متكدسة لأكثر من خمسة أيام في الطرقات بانتظار إكمال الإجراءات.

حيث أعلن عضو مجلس محافظة الديوانية حيدر الشمري؛ أن حكومة الديوانية المحلية اتخذت قراراً يقضي بعدم دخول العوائل النازحة من محافظة الأنبار دون وجود كفيل، ومنع دخول الرجال من سن 18 فما فوق، بينما أعلن صادق مدلول السلطاني، محافظ بابل، يوم الأحد (19 أبريل 2015م)، عن صدور قرار يقضي بمنع دخول الرجال النازحين من محافظة الأنبار الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاماً إلى بابل، وقال رئيس اللجنة الأمنية في محافظة بابل في مؤتمر صحفي عقده بمبنى المحافظة وحضرته “المدى برس”: إن المحافظة قررت لأسباب أمنية ونزولاً عند طلبات أهالي بابل عدم دخول الرجال والشباب من نازحي الأنبار ومن عمر 18 عاماً وحتى 50 عاماً، داعياً إياهم إلى التوجه لحماية محافظتهم من خلال التطوع إلى جانب القوات المسلحة! وعلل السلطاني ومن خلال لقاء متلفز على قناة “دجلة” الفضائية سبب هذا الإجراء أنه لا يريد هذه الشريحة عالة على محافظته!

الخلاصة:

إن نظام الكفيل جزء من مخطط واضح المعالم يهدف إلى القضاء على أهل السُّنة في العراق، وجعلهم بين خيارين لا ثالث لهما؛ الأول دفعهم للخروج من العراق إلى أي مكان آخر بعد أن يؤمنوا أن هذا الوطن لا يوفر لهم الأمن والأمان، والثاني أن يعيشوا بذل الأقلية (الكاذب)، ويتحملوا متطلبات المواطنين من الدرجة الثانية، إن لم نقل العاشرة، والله المُستعان.

 

Exit mobile version