خط “رورو” الملاحي.. مكاسب اقتصادية متبادلة تهدمها حسابات السياسة

عندما تتغلب مصالح سياسة السلطة على سياسة مصالح المواطنين، فمن الطبيعي أن تستمع بعد ساعات لإعلان رسمي من السلطة الحالية الحاكمة في مصر لقرار إلغاء اتفاقية “رورو” بين مصر وتركيا والموقعة في مارس 2012م، بغرض تسهيل نقل صادرات البلدين حيث تستفيد تركيا بتسهيل نقل صادراتها إلي دول الخليج العربي، بينما تستفيد  مصر برسوم العبور في موانيها وعلي أراضيها، وتنشيط تجارتها لأوروبا ووسط آسيا.

وتنتهي الاتفاقية الموقعة لمدة ثلاث سنوات في 29 أبريل الجاري وكان يمكن تجديدها بهدف الاستفادة المتبادلة واستغلال الموانئ المصرية لنقل الصادرات التركية من المواد الغذائية والأجهزة الكهربائية والمنسوجات، إلى دول الخليج العربي عقب غلق السلطات السورية المعابر أمام حركة التجارة التركية المتجهة إلى الخليج العربي.

وإذا كانت مصالح المواطنين تتأثر بالسياسة سلباً وإيجاباً، فالسلطة الرشيدة هي التي تغلب مصالح مواطنيها المعيشية على مصالحها السياسية، وتضع المنافع العامة قبل المنافع الفئوية التي تهم طبقة ما وسلطة معينة.

لذلك بدا موقف السلطة الموجودة على رأس الحكم في مصر مضطرباً ومتضارباً إزاء اتخاذ قرار بالعمل بالاتفاقية أم إلغائها، فهو قرار مشدود تارة بالهوى السياسي لإلغاء الاتفاقية، وتارة باستمرار العمل بها استجابة لضغوط رجال الأعمال المصريين المتأثرين سلباً بإلغاء اتفاقية “رورو” الملاحية بين مصر وتركيا.

وقال مصطفى إبراهيم، عضو مجلس الأعمال المصري التركي: إن المجلس سيرتب لاجتماع مع الحكومة المصرية إذا ترتبت آثار سلبية على المستثمرين المصريين والأتراك على حد سواء حال إلغاء اتفاقية الملاحة.

قصة الاتفاق

بدأ العمل بالخط الملاحي من مينائي ميرسن وإسكندرونا التركيين، إلى مينائي دمياط، وبورسعيد المصريين على البحر المتوسط في أبريل 2012م، ليتم نقل البضائع بأسطول شاحنات برية محملة على عبارات من الموانئ التركية، إلى الموانئ المصرية، وبعدها تسير الشاحنات في الطرق المصرية إلى ميناء الأدبية المصري على البحر الأحمر، لنقلها على متن سفن تركية إلى دول الخليج العربي والعكس، التي تعد أكبر الأسواق المستوردة للبضائع التركية عبر خط “رورو” الملاحي.

إذن فالجانب التركي مستفيد بتوفير مسافات كبيرة خلال عملية النقل، والجانب المصري مستفيد برسوم العبور الضخمة، وهو ما دعا سعيد عبدالله، رئيس قطاعي “الاتفاقيات التجارية” و”التجارة الخارجية” بوزارة الصناعة والتجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة المصرية، للقول منذ عدة شهور وقبل أن يعلم بالتوجه السياسي للحكومة: إنه لن يتم إلغاء اتفاقية الخط الملاحي “الرورو” مع تركيا.

وأوضح عبدالله أن حجم استفادة إحدى الدولتين من الاتفاقية يرتبط بحجم صادراتها، حيث تستهدف تركيا من تلك الاتفاقية تسهيل وصول صادراتها لدول الخليج ودول شرق آسيا وتسدد رسوماً مقابل العبور.

وقال: نسعى لفتح أسواق تصديرية جديدة في روسيا وأوكرانيا وبيلا روسيا وهو ما سيعزز صادرات مصر عبر هذا الخط الملاحي، لافتاً إلى أن وزارتي النقل والتجارة المصرية راجعت بدقة الاتفاقية، لتحديد الرسوم والاشتراطات التي جرى قبولها من الطرف الآخر.

وتأكيداً لتصريحات سعيد عبدالله، أعلنت هيئة موانئ البحر الأحمر في مصر، في بيان لها نقلته وسائل الإعلام أن إيرادات مصر من خط شاحنات “الرورو” التركي الرابط بين الموانئ التركية إلى ميناء ضبا السعودي عبر الموانئ المصرية، بلغت 4.825 مليون دولار شاملة رسوم الشاحنات والعبارات التي قامت بنقلها إلى الموانئ السعودية.

وحسب الاتفاقية، تبلغ رسوم الشحنة الواحدة 5100 دولار يحصل الجانب المصري منها على 400 دولار، نظير رسوم الطرق والتأمين، بينما يتم سداد 700 دولار تكلفة الشحن من دمياط إلى السويس.

تراجع

وعكس هذه الأرقام والحقائق، بل وعكس تصريحاته التي أدلى بها قبل أشهر، قال سعيد عبدالله لوكالة أنباء “رويترز”: إن الحكومة المصرية رأت أن الاتفاق لا يحقق مصلحة لها في الوقت الراهن فجرى إيقاف العمل به!

وعلى وقع التصريحات نفسها المتأثرة بالتوجه السياسي، قال عبدالقادر جاب الله، رئيس قطاع النقل البحري المصري: إن الاقتصاد لم يجنِ شيئاً من وراء تلك الاتفاقية، ومصر لم تحقق العائد المادي المطلوب.

وبحسب جاب الله، فإن الهدف الأساسي الذي وقعت من أجله الاتفاقية، كان تنشيط حركة التجارة المصرية الأوروبية والمصرية العربية، عبر إنشاء مناطق لوجستية تدعم ذلك الهدف، وهو ما لم يُنفذ حتى الآن، على حد زعمه.

وكما اعتادت السلطة في القرارات التي تريد أن تتخذها رغم تأثيرها سلبياً على مصر سياسياً واقتصادياً، فتدفع بأحد مؤيديها لاستصدار حكم قضائي يعفيها من المسؤولية المترتبة على الإضرار بالمصالح القومية، قام أحد المحامين المشهورين بإقامة مثل هذه القضايا – ومنها قضية اعتبار “حماس” منظمة إرهابية – بإقامة دعوى بإلزام رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب بوقف العمل باتفاقية “رورو” وهي القضية التي تأجلت لجلسة منتصف شهر أبريل، ثم أحالتها المحكمة للمفوضين.

مصر الخاسر الأكبر

وعلى صعيد الأضرار المتبادلة نتيجة إلغاء الاتفاقية، أكدت دراسة قام بها مركز “الجزيرة للدراسات” أن تخفيض العلاقات الدبلوماسية سيترك تأثيراً سلبياً على الصعيد الاقتصادي من حيث حجم التبادل التجاري بين البلدين والاستثمارات التجارية التركية في مصر، لكن ذلك لن يؤثر على تركيا بالقدر نفسه الذي يؤثر فيه على مصر؛ إذ يبلغ حجم الاقتصاد التركي حوالي 768 مليار دولار، وحجم التجارة الخارجية حوالي 400 مليار دولار، وهي أرقام ضخمة مقارنة بنظيرتها المصرية من جهة وحجم التبادل التجاري بين البلدين.

أما مصر، فوفقاً لأرقام البنك الدولي، يبلغ اقتصادها 257 مليار دولار؛ وهذا يعني أنه يساوي تقريباً ثلث الاقتصاد التركي، وعليه فإن أي تضرر اقتصادي في العلاقات الثنائية سيكون وقعه أكبر على الاقتصاد المصري خاصة أنه يعاني منذ الانقلاب العسكري من شبه توقف في أغلب القطاعات الاقتصادية المهمة ناهيك عن انخفاض شديد في معدلات الاستثمار وارتفاع تكاليف التأمين على الدين.

وأشار وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي إلى أن إلغاء اتفاق خط “رورو” الملاحي مع مصر لا يشكل عقبة أمام الصادرات التركية إلى الخليج، وقال لوكالة “رويترز”: لا نحتاج إلى بديل نظراً إلى أن البضائع التي كنا ننقلها (عبر مصر) لم تكن تمثل سوى 2% من إجمالي حجم ما نصدره إلى الخليج، غير أن الوزير أبدى تطلعه إلى إعادة الجانب المصري النظر في هذا المشروع.

Exit mobile version