نجل الرنتيسي في ذكرى استشهاده: جهاد وشهادة في سبيل الحق

 

لم يكن الشهيد د. عبدالعزيز الرنتيسي ليحظى بالشعبية الواسعة في فلسطين والأمة الإسلامية، لولا مواقفه المشرفة, وتضحياته البطولية, وعقليته الفذة التي أهَّلته أن يرتقي في أعلى المناصب القيادية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس), بل كان من القيادات الفلسطينية المجمع عليها من قبل الكل الفلسطيني, لما كان يتمتع به من حسن القيادة والقدرة على التأثير ومحاولات توحيد أطياف الشعب الفلسطيني على كلمة سواء، وذلك ظهر في خطاباته المختلفة، واجتماعاته بكافة الأطراف والفصائل الفلسطينية.

التحق د. عبدالعزيز الرنتيسي بجماعة الإخوان المسلمين في مقتبل عمره، وتنقل في المناصب القيادية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي شارك في تأسيسها عام 1987م حتى أصبح من أبرز القيادات فيها, ليمسك بزمام أمور الحركة بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين عام 2004م، ويكون رئيس المكتب السياسي للحركة قبل أن يلحق بركب الشهداء في عملية الاغتيال التي نفذتها طائرات الاحتلال الصهيوني بحقه, وهو مصير كل من يسير في درب الجهاد والمقاومة.

نقترب أكثر من الشهيد د. عبدالعزيز الرنتيسي، ونتعرَّف على مراحل حياته المختلفة وكيف التحق بجماعة الإخوان المسلمين, وحياة السجن التي عاشها في سجون الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية من خلال الحوار الذي أعددنا مع نجله أحمد عبدالعزيز الرنتيسي.

وفيما يأتي نص الحوار:

المولد والنشأة

حدثنا عن مولد د. عبدالعزيز الرنتيسي والظروف التي عاشها في بداية نشأته؟

– ولد الشهيد د. عبدالعزيز الرنتيسي في قرية يبنا عام 1947م قبل هجرة الفلسطينيين بستة أشهر مع عائلته حتى وصل بهم المطاف بعد الهجرة إلى مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، وعاشوا به فترة من الزمن، كان لأهله أراضٍ واسعة، وكان وضع العائلة بخير، ولكن بعد عملية التهجير تغير الحال بعد أن تشتت الأهل وتغيرت الحياة، فعاش طفولته في ظروف عصيبة وقاسية, وذلك كان حال كل المهاجرين الذين فروا من ديارهم نتيجة المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق المواطنين.

وفي خان يونس التحق بالمدرسة الموجودة في المدينة وتفوق في دراسته، حتى وصل إلى مرحلة الثانوية العامة وتميز فيها، فحصل على منحة في مصر لدراسة الطب، ليعود بعدها إلى غزة ويعمل في مهنة الطب، وكان من أمهر الأطباء وأخلصهم في مهنته، فلم يكن يفرق بين العيادة الخاصة والمستشفى في تعامله مع المرضى وأداء ما تفرضه عليه الأمانة العلمية بشهادة الزملاء في المهنة؛ إذ يقول أحدهم: إنه في الليلة التي كان يناوب فيها، لم نكن نذوق طعم النوم وهو يسعى على الأطفال المرضى ويتفقدهم بين الفينة والأخرى.

العلاقة مع الإخوان

كيف بدأت علاقته بجماعة الإخوان؟

– عام 1973م تزوج وعاد بعدها إلى مصر لاستكمال دراسة الماجستير، وفي تلك المرحلة تعرَّف على فكر الإخوان في مصر بعد أن كان يحضر الدروس لأحد الدعاة، وبدأت الميول الفكرية تتجه نحو فكر الإخوان المسلمين؛ إذ كان بفطرته ذا ميول إسلامية منذ صغره، عاد إلى غزة مرة أخرى يبحث عن هذا الفكر بعد أن اقتنع به، وبدأ يتعرَّف إلى شباب المساجد في تلك الفترة، وكان الإخوة في غزة يحاولون أن يصلوا إلى طريقة معينة لتسهيل انضمامه إليهم؛ لما رأوا فيه من قوة شخصيته وفطنته التي تؤهله للقيادة، ولكنهم فوجئوا أنه هو الذي يبحث عنهم، فكان انضمامه إلى الجماعة سهلاً وميسراً، ودخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين وبسرعة ارتقى في الهرم داخل الجماعة وأصبح من أبرز قادتها بعد فترة قصيرة؛ لما تمتع به من نظرة ثاقبة وقدرة تحليلية لما يدور من أحداث، وسمت القيادة الذي كان ظاهراً عليه في حديثه وقوة شخصيته وفكره الناضج.

وفي تلك الفترة، تعرَّف على الشيخ أحمد ياسين، وتوطدت العلاقة بينهما، وأصبح العمل المشترك بينهما كبيراً ومتنوعاً.

عمله في الجامعة الإسلامية

هل تذكر لنا قصة من قصص البطولة للدكتور الرنتيسي في تلك المرحلة؟

– أذكر أنه في تلك المرحلة عام 1977م، كان الاحتلال يفرض ضرائب على أصحاب العيادات الخاصة، ووالدي كان يرفض دفع الضرائب، فبدأ يحرِّض على عدم دفع الضريبة للمحتل، فاقتنع بعض الأطباء واتخذوا القرار بعدم دفع الضريبة، فما كان من سلطات الاحتلال إلا أن هددته ولاحقته، وفي النهاية اعتقلته، لكنه أصر على ألا يدفع الضريبة، فأغلقوا العيادة وضيقوا عليه أيضاً في عملة في المستشفى.

ولكن في عام 1978م تأسست الجامعة الإسلامية، فالتحق بصفوف العاملين فيها؛ حيث افتتح كلية التمريض وكان يدرس الأحياء والبيولوجيا والإسعافات الأولية.

تأسيس “حماس” والانتفاضة الأولى

جاءت انطلاقة شرارة الانتفاضة الأولى مع الإعلان عن انطلاق حركة “حماس”.. كيف كان نشاط د. عبدالعزيز الرنتيسي في تلك الفترة؟

– كانت حادثة استشهاد عدد من العمال الفلسطينيين أثناء ذهابهم إلى عملهم داخل الأراضي المحتلة؛ القشة التي قصمت ظهر البعير، فانفجرت الأحداث واندلعت الانتفاضة الأولى، وكانت حركة “حماس” تعد العُدَّة للإعلان عن انطلاقتها، فكانت الظروف مواتية لذلك، فتم الإعلان عن حركة “حماس” في بداية الانتفاضة، وغلب على الانتفاضة الطابع الإسلامي، وكان د. عبدالعزيز الرنتيسي من أكثر الشخصيات المُحرِّضة ضد المحتل، وكانت له نشاطات مختلفة وعديدة أثناء الانتفاضة الأولى، وكان من أبرز العاملين في تلك الفترة؛ ما جعله عرضةً للاعتقال الإداري ستة أشهر, واستمر التجديد فيها لمدة سنة ونصف السنة، لكنه بعد أن خرج من السجن واصل نشاطاته وجهاده ضد المحتل الصهيوني.

مرج الزهور

كان والدك من المبعدين إلى مرج الزهور.. حدثنا عن تلك الفترة وعن سبب الإبعاد.

– جاءت عملية الإبعاد بسبب اختطاف عدد من أفراد حركة “حماس” الجندي الصهيوني “نسيم تريدانو”، وكان ذلك في ذكرى انطلاقة “حماس” الخامسة عام 1992م، فطلبت “حماس” مبادلة أسرى وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين مقابل الإفراج عن الجندي الصهيوني.

فما كان من القوات الصهيونية إلا أن صبت جام غضبها على الشعب الفلسطيني لتقوم بإبعاد أكثر من 415 من قيادات حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وكان من المعتقلين والدي د. عبدالعزيز الرنتيسي، وكان هو المتحدث باسم حركة “حماس” في الإبعاد.

ويومها قال قولته المشهورة: “لأُمرِّغنَّ أنفك يا رابين بالتراب”، رغم أنه كان في مرحلة من الضعف والاضطهاد، ولكنها ثقة المؤمن بربه.

ويومها برز اسم حركة “حماس” عالمياً، بعد أن سلطت وسائل الإعلام العالمية الضوء على هذه القضية، فتحولت إلى هزيمة لسلطات الاحتلال الصهيوني، بعد أن وُضعت في موضع حرج أمام الرأي العام العالمي.

وأصبحت عملية الإبعاد نقلة نوعية لحركة “حماس”، فتحولت من حركة وطنية داخلية لا يعرف عنها أحد، إلى حركة عالمية يتناول أخبارها الكل، فلم تستطع السلطات الصهيونية أن تواصل عملية الإبعاد، فاضطرت إلى إعادتهم بعد عام من الإبعاد، غير أن والدي لم يعد إلى البيت، بل عاد إلى السجن ليقضي 4 سنوات متواصلة داخل سجون الاحتلال حتى أفرج عنه عام 1996م.

العلاقة مع السلطة الفلسطينية

كيف كانت علاقة والدك بالسلطة الفلسطينية مع بداية قدومها إلى الأراضي الفلسطينية عام 1994م؟

– خرج والدي من السجن وكانت السلطة الفلسطينية قد عادت إلى الوطن بعد اتفاقية أوسلو التي وقَّعتها مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية، وفي حينها بدأت المناكفات مع السلطة بسبب الاتفاقيات التي وقَّعتها مع الجانب الصهيوني، والتي كانت تجرِّم أي نوع من أنواع المقاومة ضد المحتل الصهيوني، لكنه أصر على مخالفة أوامرها، وظل يحرض الشباب على مقاومة المحتل، فلم يكن أمامهم إلا أن يعتقلوه.

واستمرت عمليات الاعتقال من قبل السلطة مراراً وتكراراً، رغم تدخل العديد من الشخصيات محلياً ودولياً، حتى إن أمير قطر نفسه تدخل للإفراج عنه، والمجلس التشريعي كذلك، إلا أن الرد من قبل أبو عمار هو: “أمريكا أمامكم، لو قالت: أفرجوا عنه، سأفرج عنه”، فعلم أن الأمر ليس بيد السلطة، وأنها لا تملك من أمرها شيئاً.

انتفاضة الأقصى عام 2000م

وفي هذه الفترة عام 2000م بدأت انتفاضة الأقصى، وكان والدي داخل معتقلات السلطة، وكان موقع السرايا الذي يقبع فيه قد تعرض للقصف الصهيوني، فأُخلي الموقع من الموظفين إلا السجناء، وهو ما عرَّضهم للخطر، فتوصَّل إلى نتيجة أن الأمر خطير، واستهداف مباشر ومتعمد، بعدها خاض إضراباً عن الطعام لعدة أيام، فأُفرج عنه بعد تدخُّل بعض الجهات، وخرج من المعتقل وبعد ذلك أصر على ألا يسلم نفسه وأصدر قراراً أنه لن يسلم نفسه ورفع شعار “الموت دون السجن”، وحاولت السلطة بعدها اختطافه من الشارع لكن فشلوا في ذلك.

نشاطات أخرى

هل من نشاطات أخرى كان يقوم بها بجانب نشاطه السياسي والحركي؟

– بالتأكيد كانت له نشاطات مختلفة، ربما أبرزها النشاطات الدعوية؛ حيث كان له دروس في المساجد دائماً؛ إذ كان يتجول على مختلف مساجد قطاع غزة ليدعو الناس ويرشدهم ويبين لهم طريق الصلاح، وكثيراً ما كان يُدعى لخطب الجمعة فيذهب، وكان أسلوبه في الخطابة مميزاً وقوياً، وهو ما يجعل المصلين مشدودين إلى ما يتحدث فيه طوال الخطبة.

مع الشيخ ياسين

كيف كانت علاقة الوالد بالشيخ أحمد ياسين؟

– كانت العلاقة بينهما وطيدة جداً، وكانت أشبه بعلاقة التلميذ بأستاذه؛ فكان والدي يعشق الشيخ أحمد ياسين ويراه معجزة لم يذكر التاريخ مثلها، وكذلك كان الشيخ أحمد ياسين يعشق قوة وصلابة أبي في الحق، فكان يقربه إلى جانبه ويستشيره في كل الأمور، وكانت الاتصالات بينهما على مدار الوقت.

كيف كانت علاقته بأبناء الحركة خاصةً أنهم دائماً ما كانوا يتوافدون عليه؟

– في الحقيقة، هؤلاء تتلمذوا في مدرسة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وطبقوا الآيات القرآنية، وعندها يتعاملون مع كل من حولهم بأخلاق الرسول، فكان والدي يتعامل معهم معاملة الأب مع أبنائهم؛ يحفزهم ويشجعهم ويحاول أن يثبت الأقدام ويعطيهم الإشارات أنهم الجيل القادم للنصر والتمكين لهذه الأمة.

ما دور د. عبدالعزيز الرنتيسي في الدعوة إلى وحدة الشعب الفلسطيني؟

– كان يدرك أهمية الوحدة في وجه العدو الصهيوني؛ لأنه كان يدرك تماماً أن الاتحاد في مقاومة الاحتلال تكون نتائجه أكبر، والضربة الموحدة دائماً تكون هي القاصمة؛ لذلك كان يدعو دائماً الفصائل إلى الوحدة في كل خطاباته واجتماعاته معهم، ولكن كانت دعوته للوحدة على أساس الثوابت الفلسطينية والمقدسات؛ أن لا تنازل ولا تفريط، وهنا تستطيع المقاومة الفلسطينية أن تتحد أمام العدو وتجابهه وتنتصر عليه، وما دون ذلك فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم الاتحاد على أسس غير هذه الأسس؛ وعلى هذا الأساس كان ينطلق والدي.

الحياة الاجتماعية

كيف كانت العلاقة بينكم وبينه؟

– بصراحة، كان نِعْم الأب لنا، وأنا رأيت كثيراً من نماذج الآباء في التعامل مع الأبناء، لكني لم أرَ نموذجاً كأبي في المحبة والحنان والعطف؛ لذلك كان زملائي في الدراسة يقولون لي: كيف تعيشون مع هذا الرجل بهذه الشراسة والقوة؟! وكنت أقول لهم: إنه أطيب ما يتخيله الإنسان، فلم يضرب أحداً من أبنائه يوماً من الأيام، وفي المقابل، كانت نظرة منه تكفي لأن نصوب الخطأ ونقوِّم السلوك؛ فكان هذا أسلوب التربية الذي استخدمه معنا، حتى داخل السجن؛ كان يفيض لنا الحنان من داخل المعتقل، فكان يرسل لنا القصائد لكل شخص منا يرسل بها جزءاً من الحنان تتضمن رسائل للتربية والتحفيز.

أما خارج المعتقل فكان دائماً مضغوطاً في انشغالاته، لكنه كان يستغل كل فرصة للحديث معنا، وكان واصلاً للرحم بشكل كبير رغم انشغالاته، حتى في أحلك الظروف وهو مطارد عندما يخرج إلى الإعلام في مؤتمر صحفي يتصل بجميع الأرحام ويطمئن عليهم، ولا نتغافل عن علاقته بوالدته؛ حيث كان باراً جداً وكان يفعل لها ما تريد ويحرص على إسعادها ورضاها والجلوس معها.

وحفظ القرآن الكريم في المعتقل، وكان يحرص على ختمه في كل شهر، وأحياناً في كل أسبوع بجانب ذلك كان له نصيب كبير من قيام الليل الذي لم يقطعه رغم انشغالاته الكثيرة ومطاردات العدو له، فكان دائماً متواصلاً مع ربه في كل لحظات حياته.

محاولات الاغتيال

واستخدم الكيان الصهيوني سياسية الاغتيالات للقيادات، فصار والدي يخفف من نشاطاته تجنباً لاستهدافه من قبل طائرات الاحتلال الصهيوني.

وملخص قصة محاولة الاغتيال الأولى أن والدي اتصل بأحد الأشخاص لزيارة أحد المرضى في المستشفى، وهذا ما سهَّل العملية؛ إذ كانت السلطات الصهيونية قد رصدت المكالمة.

وتحركنا إلى المستشفى وأخذنا كل الإجراءات اللازمة ولم نكن نشعر أن السيارة كانت مرصودة، وما أن سرنا بالسيارة حتى قُصفت مقدمة السيارة من أجل أن تقف السيارة وتنقلب ويواصلوا بعدها الإجهاز علينا، لكن بفضل الله لم تتوقف السيارة رغم أني فقدت السيطرة عليها حتى توقفت بجانب برج سكني كان حائلاً بينه وبين الطائرات، فتحركت الطائرة وقصفت السيارة بأكثر من 7 صواريخ لاعتقادهم أننا مازلنا داخلها، لكنا كنا قد فررنا، ونتج عن هذه العملية إصابة والدي إصابة بالغة في قدمه، وأصبت أنا في القلب؛ ما جعل عندي بعض الشلل، واستشهد أحد المرافقين.

بعدها كانت مرحلة جديدة تمثلت في قصف البيوت، فأدركت الحركة أن أي عملية استشهادية داخل الكيان سيتبعها قصف البيوت، فكان القرار السياسي بمجرد سماع خبر عن عملية استشهادية أو ما شابه الخروج من البيوت، ومنذ ذلك اليوم لم يعد والدي إلى البيت، وكنا نلتقيه في مسيرات أو مؤتمرات إعلامية، وأحياناً يأتي إلى البيت متخفياً ولا يستغرق وجوده داخل البيت ساعات قلائل.

الرنتيسي يتسلم الراية

بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين، تولى د. عبدالعزيز الرنتيسي قيادة حركة “حماس”.. كيف كانت الظروف المحيطة به في تلك المرحلة؟

– تولى والدي قيادة الحركة بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين، فكثرت انشغالاته وزادت التعقيدات الأمنية؛ لأنه أصبح أول المطلوبين للاستهداف الصهيوني، وكان دائماً في اجتماعات متواصلة لترتيب أمور الحركة، خاصةً أن تلك المرحلة كانت من أشد مراحل حركة “حماس” تعقيداً؛ بسبب الاستهداف الصهيوني لقادة المقاومة، وعلى رأسهم قادة حركة “حماس”.

الاستشهاد

حدثنا عن عملية الاغتيال التي استشهد فيها والدكم د. عبدالعزيز الرنتيسي واليوم الأخير في حياته.

– في اليوم الأخير له أتى إلى البيت فجراً وجلس معنا ساعة، وقبل أن يبزغ الفجر أراد أن يتحرك، فأصررنا أن يبقى عندنا لأننا كنا قد اشتقنا له كثيراً بسبب كثرة غيابه عن البيت، فوافق أن يجلس معنا ذلك اليوم ويخرج في المساء، ويومها لاحظنا عليه نوراً لم نشهده عليه قبل ذلك، وكان يومها يبدو أنه مودع، وفي ذلك اليوم، أصر على أن تعجل خطوبتي وفي اليوم نفسه اتصلنا بالدكتور إبراهيم اليازوري، أحد قيادات حركة “حماس” لطلب يد ابنته.

بعد صلاة المغرب جاءته إشارات تعلمه أن هناك أمراً طارئاً، فأراد التعجيل للخروج من البيت فجهَّز نفسه بعد المغرب واغتسل، ويومها مازحته أختي قائلةً له: “كأنك عريس”، فتبسم وأخذ يدندن بهذه الكلمات التي أصبحت ملء السمع: “أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى”.

خرج بسيارته وبشكل مموه، وفي الطريق غيَّر سيارته، وفي أقل من دقيقتين سمعت دوي قصف شديد، فأدركت أن السيارة المستهدفة هي لوالدي، حاولت الوصول إلى السيارة فلم أستطع، وعدت إلى البيت فعلمت تماماً أن والدي هو المستهدف بعد أن رأيت ازدحام الناس أمام البيت، ووصل الخبر بإصابة د. عبدالعزيز الرنتيسي إصابة بالغة، قامت والدتي فتوضأت وصلت العشاء، وما أن أنهت صلاتها حتى جاء الخبر باستشهاده، فضمَّت أختي وبدأنا نرحب بالمهنئين.

وصاياه

بِمَ كان يوصيكم في حياته؟

– كان يوصينا دائماً بالثبات على الحق والتمسك بحبل الله المتين والمحافظة على العهد الذي بيننا وبينه، وكذلك كان يوصينا بصلة الأرحام والمحافظة عليها، رحمه الله فقد كان أكثر من والد وأكثر من قائد وأكثر من معلم.

Exit mobile version