تقرير: أسباب ودلالات ظاهرة فقر الأطفال بمصر

عبدالحافظ الصاوي

 

تعكس خريطة الفقر بمصر ظلالها على مختلف شرائح المجتمع، وهو ما يظهر بوضوح من خلال موجز إحصائي صدر مؤخراً عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، حيث يشير الموجز إلى أن نسبة الفقر بين أطفال مصر بالفئة العمرية (0 – 17 عاماً) بلغت 28.8%، أي ما يبلغ 9.2 مليون طفل.

ويهدد الفقر شريحة أخرى من أطفال مصر تصل نسبتهم 23.4% من نفس الفئة العمرية (0 – 17 عاماً)، وتضم 7.5 مليون طفل؛ أي أن إجمالي الأطفال الذين يعشون في فقر ويتهددهم الفقر يصل إلى 16.7 مليون طفل، ونسبة تصل إلى 52.2% من إجمالي أطفال مصر.

ويلاحظ أن هذه النسب تعكس نفس النسب التي تخص عموم السكان بمصر، حتى التوزيع الجغرافي للفقر، تنطبق على فقر الأطفال بمصر، وهو ما أوضحه الموجز الإحصائي بتعريفه للفرد الفقير بأنه “يعتبر الفرد فقيراً إذا كان يعيش في أسرة فقيرة؛ أي أن متوسط استهلاك الأسرة يقع دون خط الفقر”؛ أي أن طفل الفقراء يصنف فقيراً لكونه يعيش في أسرة فقيرة، وهو أمر طبيعي، فرعايته محكومة بدخل أسرته وإمكانياته المادية.

وثمة ملاحظة أخرى تتطابق مع خريطة الفقر الكبرى بمصر، حيث يتركز الفقر بنسبة كبيرة في محافظات الصعيد مقارنة بمحافظات الوجه البحري، فالبيانات المتاحة عن فقر الأطفال بمصر تشير إلى أن 53% من الأطفال الفقراء بمصر يعيشون في المناطق الريفية بمحافظات الوجه القبلي، بينما يعيش 20% فقط من الأطفال الفقراء بمحافظات الوجه البحري، أي أن 73% من أطفال مصر الفقراء يعيشون بالمناطق الريفية.

أسباب الظاهرة

لا تختلف أسباب فقر الأطفال بمصر عن تلك الأسباب الموجدة للفقر في المجتمع، فما شهده المجتمع المصري على مدار العقود الماضية، من انحراف اقتصادي؛ تسبب في اتساع رقعة الفقر، بصورة ملحوظة، حيث تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى بلوغ نسبة الفقر لمن هم تحت خط فقر الدخل بحجم إنفاق 1.25 دولار في اليوم بنحو 26% من السكان.

وبلا شك فإن الأسرة المصرية الفقيرة، التي أنتجت أطفالاً فقراء تأثرت بالمناخ الاقتصادي الذي أدى لشيوع ظاهرة الفقر، ويرجع شيوع ظاهرة الفقر في مصر إلى مجموعة من الأسباب، نشير إلى بعض منها فيما يلي:

– الأنشطة الريعية، ساعدت الأنشطة الريعية في عدم اتساع النشاط الاقتصادي، والحد من قدرة المؤسسات الإنتاجية على التوسع وخلق فرص عمل جديدة؛ مما أدى إلى زيادة معدلات البطالة، والتكريس للعمالة الموسمية، أو العمالة غير المنتظمة، وكذلك شيوع ظاهرة العمل غير المنظم، حيث تقل الدخول، وتزيد ساعات العمل، مما يُلجئ الأسر الفقيرة إلى إخراج أطفالها من التعليم من أجل العمل وزيادة دخل الأسرة، أو البقاء في التعليم في ظل ظروف مادية قاسية، لا تسمح بظروف معيشية كافية لهؤلاء الأطفال، أو تلبية احتياجاتهم التعليمية والمعيشية بشكل مناسب.

– تركز مشروعات التنمية على الرغم من قلتها في العاصمة، أو القاهرة الكبرى؛ مما جعل محافظات الصعيد وريفها مستنقعاً للفقر، وكذلك ريف المحافظات البحرية، وهو ما أكدته بيانات الموجز الإحصائي، التي أشرنا إليها أعلاه.

إن ظاهرة فقر الريف في الصعيد لا تقتصر فقد على فقر الدخل، ولكنها تمتد لتشمل الفقر متعدد الأبعاد، والذي يشمل بالإضافة إلى فقر الدخل، كذلك فقر الخدمات التعليمية والصحية، وإذا كانت بيانات البنك الدولي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة تشير إلى وجود 750 قرية بالصعيد من بين 1000 قرية على مستوى مصر تصنف على أنها الأشد فقراً في مصر، فإن هذا يعني أن أطفال ريف الصعيد يعانون من معدلات فقر عالية.

ومما يؤسف له أن جل خطط التنمية التي أعلن عنها خلال العقود الثلاثة الماضية، تتضمن خطة لتنمية الصعيد، ولكن للأسف ظلت هذه الخطط حبراً على ورق، وبقي الصعيد بلا مناطق صناعية، أو مخططات للنهوض بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.

إن توجه الجمعيات الخيرية نحو منطقة الصعيد شيء إيجابي ولكنه غير كافٍ، فالاعتقاد بأن إنقاذ الصعيد من الفقر يتم عبر المساعدات الموسمية، مع قدوم الشتاء، أو موسم المدارس، أو شهر رمضان، مفهوم خاطئ، فالصعيد وبخاصة الريف في محافظات الصعيد يحتاج إلى مشروعات إنتاجية، تضمن دخلاً مستقراً وكافية للأسر بهذه المحافظات، ينتشلها من الفقر؛ وبالتالي ينتشل أطفالها من عداد الفقراء.

دلالات الظاهرة

ثمة مجموعة من الدلالات والشواهد المرئية التي لا تخطئها عين في المجتمع المصري، ترتبط بظاهرة فقر الأطفال، من أبرزها، تفاقم مشكلة أطفال الشوارع الذين تزداد أعداهم بصورة ملحوظة، ولم يعد وجودهم مقصوراً على مدن المحافظات الحضرية، بل انتشرت الظاهرة لتغطي المحافظات الريفية أيضاً، ويقدر علماء الاجتماع بمصر عدد أطفال الشوارع بمصر بما يزيد على المليون طفل، وإن كانت تقديرات منظمة “اليونسيف” تقدر عددهم بأقل من ذلك بما يتراوح بين 600 – 800 ألف.

ويرتبط بظاهرة أطفال الشوارع العديد من المعضلات الاجتماعية، من تسول وعدوانية وانتشار الأمراض الجلدية، وزواج القصر، والاعتداءات الجنسية، وغير ذلك، بما جعل منهم قنبلة موقوتة تلقي بظلالها السلبية على المجتمع.

أما الدلالة الثانية وهي أشد خطراً وهي ظاهرة التسرب من التعليم، وعادة ما ينتشر التسرب من التعليم بالأسر الفقيرة، حيث تعتبر الأسر الفقيرة هؤلاء الأطفال مصدراً لتحسين دخلها من خلال الزج بهم في سوق العمل، وإن أدى ذلك إلى حرمان هؤلاء الأطفال من التعليم في هذه السن المهمة.

وتوضح الإحصاءات الخاصة بعام 2012م أن نسبة المتسربين للأطفال بالمرحلة الأولى من التعليم الأساسي (المرحلة الابتدائية) تصل إلى 0.4% من إجمالي تلاميذ هذه المرحلة، بينما في المرحلة الثانية من التعليم الأساسي (المرحلة الإعدادية) تقفز هذه النسبة لتصل إلى 5.4%.

ومما يؤسف له، فإن هؤلاء الأطفال المتسربين من التعليم، سواء التحقوا بأطفال الشوارع، أو انضموا لعمالة الأطفال، فإنهم يعيشون حياة صعبة، ترهق طفولتهم، وتؤدي بهم عادة إلى مسارات سلبية، يكتوي المجتمع بتداعياتها السلبية، سواء في مشكلات أطفال الشوارع، أو انتشار الأمية، والمساعدة في اتساع شريحة العمالة غير المؤهلة، فضلاً عن عمالة الأميين.

والدلالة الثالثة؛ هي التكريس لبؤس شبابي، حيث ينتقل الأطفال بعد تجاوز سن الـ18 عاماً، وهم يعانون من الحرمان في مجالات مختلفة، مثل التعليم الجيد، أو التدريب، أو إشباع حاجاتهم من الغذاء الصحي، أو برامج التدريب، أو الترفيه، وكل ذلك يسوق الشباب إلى حالة من الإحباط والبؤس، تقتل فيه الإبداع أو الرغبة في المشاركة بالحياة السياسية أو الاجتماعية، فضلاً عن قتل الرغبة لدى هؤلاء الشباب في التفكير بتكوين أسرة جديدة من خلال الزواج بعد تخطيه سن الـخامسة والعشرين.

في الختام، يمكن القول: إن ظاهرة الفقر في مصر بشكل عام، وفقر الأطفال بشكل خاص، هي أعراض لمرض معروف وهو تراجع معدلات التنمية في مصر خلال الفترة الماضية، نظراً لاتجاه مشروع التنمية لنموذج تساقط ثمار النمو، الذي يرى أن غنى الأغنياء من صالح الفقراء، لكون غنى الأغنياء يدفعهم لإنشاء مشروعات لتشغيل الفقراء، بينما الحقيقة هي أن النتيجة كانت تركز الثروة في يد الأغنياء وزيادة حدة الفقر لدى الفقراء.  

Exit mobile version