تقرير خاص: لماذا هاجمت “داعش” مخيم اليرموك؟!

رأفت مرة

 

في بداية شهر أبريل الحالي، استفاق أهالي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الذي يبعد عن دمشق 7 كلم، على هجوم عسكري عنيف شنّه تنظيم “داعش”، انطلاقاً من الجهة الجنوبية للمخيم، من المنطقة المعروفة باسم الحجر الأسود، وخلال ساعات قليلة تمكنوا من احتلال عدد من الأحياء والشوارع والمقرات والمؤسسات.

وجاءت المفاجأة من ناحيتين:

1- أن يقوم “داعش” بمهاجمة المخيم، وليس أي جهة رسمية تابعة للنظام.

2- أن “جبهة النصرة” داخل المخيم سلمت مواقعها لـ”داعش” وسمحت له بالدخول عبر المعابر والحواجز التابعة لها، ما مكّن “داعش” من التقدم في المعركة بشكل كبير.

أوضاع المخيم

منذ ما يقارب ثلاث سنوات، يعيش مخيم اليرموك أوضاعاً صعبة للغاية بسبب العوامل الآتية:

1- حصار خانق يمارسه النظام السوري عبر قواته وقوات حلفائه من المجموعات السورية والفلسطينية، فيمنع دخول وخروج الأهالي، إلا في حالات نادرة، ويمنع إدخال المواد الغذائية والطبية؛ ما تسبّب باستشهاد حوالي 300 إنسان بسبب الجوع والمرض، ومنذ صيف 2014م قطع النظام المياه عن المخيم.

2- يتعرض المخيم لقصف متواصل من جيش النظام، عبر الصواريخ والمدفعية والطائرات؛ ما ألحق خسائر فادحة جداً بالمخيم، وصلت حدّ تدمير معظم مرافقه وأحيائه، وتعطّل جميع مرافقه التعليمية والصحية والاجتماعية، ولم تستثنِ الغارات الجوية المدارس والمساجد، وأماكن تجمّع المدنيين.

3- أدى الحصار الخانق إلى منع إدخال المواد الغذائية، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني، حيث اقتصر الأمر على ما يدخل عبر التهريب ومن خلال أطراف محسوبة على النظام، وبشكل لا يستطيع اللاجئون في المخيم تحمّله، فاضطروا إلى أكل النباتات ومعجون الطماطم وبهارات الطبخ.

4- مارست قوى السلطة عمليات الاغتيال بحق النشطاء الميدانيين الذين يقومون بدور الإغاثة والرعاية، وخلال ثمانية أشهر سجلت أكثر من عشر عمليات تصفية ومحاولة اغتيال لنشطاء من جميع القوى.

المعالجات والمبادرات

يمكن القول: إن كل المعالجات والمبادرات الهادفة إلى إيجاد حلول لأزمة المخيم كان مصيرها الفشل، وخلال السنوات الماضية بذلت جهود سياسية لتحييد المخيم وإخراج المسلحين منه وتسليم السلاح الذي بداخله، وإنجاز مصالحة، وفتح المخيم على الجوار وإعادته لحياته الطبيعية، إلا أن كل هذه المحاولات كانت تصل لطريق مسدود، ويبدو أن معظم اللاعبين كانوا لا يريدون التوصل لحلول نهائية.

مشكلة مخيم اليرموك أنه يبعد حوالي 7 كلم عن قلب العاصمة دمشق، وهو محاذٍ لمنطقة الميدان التي ثارت بشكل مسلح على النظام، وهو يقع في منطقة مهمة وحساسة، ففي الشمال العاصمة دمشق، وفي الشرق أحياء التضامن، وفي الغرب أحياء القدم، وفي الجنوب أحياء الحجر الأسود ويلدا وبابيلا، وكلها مناطق ثارت بالسلاح ضد النظام، وشهدت معارك طاحنة، لذلك لجأت عدة مجموعات مسلحة إلى المخيم وتمترست فيه، في حين غادرت المخيم الجهات الأمنية السورية والمجموعات الفلسطينية المحسوبة على النظام.

وفي الوقت نفسه، لا شك أن هناك فئات داخل المخيم زجّت نفسها في الصراع السوري، جزء منها وقف مع النظام، وجزء آخر ساند الجماعات المسلحة وشارك معها في كل شيء، فازدادت أزمة المخيم تعقيداً.

ولأن مساحة المخيم والأحياء المتصلة فيه كبيرة جداً؛ ولأن عدد سكان هذه المناطق كان حوالي مليون نسمة، وبسبب الموقع الجغرافي المهم للمخيم، فإن المخيم ظلّ في دوامة الأزمة: لا النظام قادر على شن هجوم كبير لاستعادته، ولا المعارضة استطاعت أن تتمدد إلى خارج المخيم، فبقي وضع المخيم في حالة جمود.

وأدت الخلافات الفلسطينية الداخلية دوراً كبيراً في تعميق أزمة المخيم، فمنظمة التحرير الفلسطينية لم تكن على علاقة جيدة بالنظام السوري، وحركة “حماس” اختلفت مع النظام، والقوى الفلسطينية القريبة من النظام ليس لها قدرة سياسية أو شعبية أو عسكرية على حسم الأزمة، لا بل إن موفدي السلطة الفلسطينية إلى دمشق ساهموا بشكل كبير في استفحال الأزمة، وركزوا على صراعاتهم ومصالحهم من دون أن يهتموا بإنقاذ المخيم، وكانوا يكيلون الاتهامات لهذا الفصيل أو ذاك.

وحاول النظام في وقت سابق تشكيل قوة عسكرية فلسطينية موحدة “لواء عسكري” لاقتحام المخيم، لكن هناك صعوبات كثيرة حالت دون ذلك.

لماذا “داعش”؟!

كان من اللافت أن تقوم “داعش” بمهاجمة المخيم، فلا يوجد أي مبرر سياسي أو عسكري لهذا الهجوم، لكن يبدو أن هناك مصالح عليا تقاطعت بين النظام و”داعش” وجهات أخرى هدفها حسم الوضع داخل المخيم، وتسليمه للنظام، وكان أهالي المخيم يستغربون قيام النظام بإلقاء براميل متفجرة وصلت إلى حوالي 20 برميلاً على المناطق التي تستهدفها “داعش” وليس على “داعش”.

والأغلب أن النظام يريد السيطرة على المخيم من أجل تحصين كل المناطق المحاذية لدمشق، وخاصة المناطق الجنوبية والشرقية.

لكن، إذا كان الحل لأزمة اليرموك هو الخيار العسكري، فإن المخيم وأهله سيدفعون ثمناً غالياً، ذلك أن المخيم هو قلعة وطنية فلسطينية، وله دور مؤثر ومهم في العمل السياسي الفلسطيني والعمل المقاوم، وهو خزان الثورة، وحافظ للهوية الوطنية، ويجسد حلم العودة؛ وبالتالي هناك مخاوف حقيقية من تدميره ومسحه عن الوجود وتهجير أهله لأهداف تتجاوز المسألة السورية، فهو يبعد عن الجولان السوري المحتل أقل من 40 كيلومتراً.

لذلك فإن ما قامت به “داعش” عن وعي أو جهل، وما ارتكبته من جرائم داخل المخيم، يشكل ضربة لفلسطين وجريمة بحق القضية الفلسطينية.

Exit mobile version