تأثير المال والإعلام والسياسة في باكستان

أثبت مرة أخرى المال والإعلام دورهما في رسم السياسة في باكستان أو التأثير عليها، وأثبتت هذه الوسائل أنها تستطيع ممارسة دور مؤثر، أو تسيير الرأي العام في الوجهة التي ترغب فيها هي.

ويبدو أن هذه الحقيقة أدركتها دول غربية وإقليمية، وعرفت كيف تستغلها لتحقق أهدافها ومقاصدها.

أمريكا:

يقول المراقبون: إن أمريكا عرفت قيمة المال ووسائل الإعلام في باكستان، وعرفت كيف يمكنها أن تجد لها مكانة خاصة بين الباكستانيين للتأثير على أفكارهم وتوجهاتهم، وعرفت كيف تصل إلى تحقيق أهدافها بين الباكستانيين، رغم أنها دولة مكروهة ومرفوضة، ويُنظر إليها على نطاق واسع أنها معادية للإسلام ولهوية باكستان، ولم تدخر أمريكا جهداً في تحقيق أهدافها في باكستان عبر هذه الوسائل، حيث راحت تدعمها بطرق مختلفة، أهمها:

– منظمات غير حكومية التي تتلقى دعماً مالياً سخياً من الحكومة الأمريكية ومن المنظمات الأمريكية شبه الحكومية، ويكمن دورها في تشجيع الحرية الدينية والفكرية، ويقفون وراء نشر معتقدات وثقافات وأفكار غريبة على المجتمع الإسلامي في باكستان، وتنشط هذه المنظمات في قطاع النساء والأطفال والأقليات الدينية وبين العرقيات، وتعترف السلطات الباكستانية بأن عشرات السنين من عمل هذه المنظمات لم يكن فيه أدنى من البراءة أو العمل من أجل الإنسانية قدر ما كانت قائمة على تحقيق أهداف استعمارية وغربية خبيثة، أهمها – كما تقول الحكومة نفسها – هو التحريض على الانفصال العرقي والمناطقي كما هو مشاهد اليوم في بلوشستان؛ حيث تبين أن هذه المنظمات الأمريكية أو المنظمات المحلية الممولة من أمريكا قد مارست دوراً خبيثاً في تحريض الانفصال في بلوشستان، وإشعار قادتهم بأنهم مهضومو الحقوق، ومحرومون من أبسط حقوق المواطنة في دولة تدعي أنها تعمل للجميع ولا تيمز بينهم، وكشفت السلطات الباكستانية أن بعضاً من هذه المنظمات تورطت في تقديم حتى تسهيلات لشبكات استخبارية موالية لأمريكا من مثل شبكة “رايموند دايفيز” التي ظلت تعمل تحت غطاء هذه المنظمات، وتجند من تحتها المئات من الباكستانيين، وتغدق عليهم بالمال مقابل التجسس على القوات الباكستانية وجهاز استخباراتها ومؤسسات السلاح النووي إلى جانب المرافق الحساسة في الدولة.

– أحزاب سياسية؛ حيث جرى شراء ذمم بعض قادتها في باكستان من خلال مساعدتها والإغداق عليها بالمال ودعمها بشكل غير محدود، وهدفهم الأخير بطبيعة الحال كان ولا يزال هو حملها على تبني سياسة أمريكية في باكستان، والدفاع عن الرؤيا الأمريكية إزاء قضايا محلية وإقليمية ودولية، إلى جانب التحول إلى قواعد لجمع المعلومات الأمنية لصالح المخابرات الأمريكية، خاصة ما تعلق منها بـ”تنظيم القاعدة”، و”طالبان” أفغانستان وباكستان وعلاقة السلطات المحلية بها، ويأتي هنا اسم “حركة قومي المتحدة” بقيادة “ألطاف حسين”؛ حيث يعود إليها الفضل في القبض على المئات من عناصر “القاعدة”، و”طالبان” خلال السنوات الماضية في مدينة كراتشي وضواحيها.

– وسائل إعلام محلية؛ حيث مارست بعضها دوراً مشكوراً لم يخفه الأمريكيون، ولم تكن وسائل الإعلام مجرد قنوات فضائية أو صحف يومية، بل هناك دور آخر باتت تمارسه معاهد دراسية ترفع شعار التخصص الأمني؛ حيث تحولت بين ليلة وضحاها إلى معاهد شهيرة ليس داخل باكستان بل في العالم بأسره، وبات قادتها يشار إليهم بالبنان على أنهم خبراء أمنيون على أرفع درجة، وجرى الإغداق عليهم بالمال مقابل دور مهم أدوه لصالح المخابرات الأمريكية في باكستان، خاصة في التعرف على أماكن تواجد قادة التنظيمات المسلحة سواء من أفراد “القاعدة” أو “طالبان” وغيرها، وراحت هذه المعاهد تجمع المعلومات الثمينة وتقدمها للأمريكيين مقابل دعمهم دعماً سخياً، وتطوير معاهدهم الدراسية الأمنية وتحويلها إلى معاهد لها شهرتها العالمية.

ويقول المراقبون: إن بعضاً من هذه المعاهد الأمنية قدم معلومات ثمينة لأمريكا مكنتها من الوصول إلى مخابئ “القاعدة”، و”طالبان” سواء داخل باكستان أو في أفغانستان ومناطق أخرى من العالم، وكان الأمريكيون قد اعترفوا أنهم قدموا مساعدات سواء لهذه المعاهد الأمنية أو لصالح قنوات إخبارية بلغت مئات الملايين من الدولارات في السنوات الماضية مقابل تحسين صورتها.

– منظمات المجتمع المدني؛ وهذه كانت آخر ما شرعت فيه أمريكيا؛ حيث باتت مظلات مهمة لتحقيق ما فشلت في تحقيقه عبر الوسائل السابقة، وراح الأمريكيون يتصلون مع شخصيات علمانية معادية للدين، ومتأثرة بالثقافة الغربية، وحثها على عدم البقاء متفرجة على التطورات السياسية والأمنية في باكستان، ودعتها إلى القيام بدورها وقيادة التظاهرات ليس من أجل المطالبة بتحسين الاقتصاد أو القضاء على أزمة الغاز والطاقة، بل حددت مهمتها فقط في التظاهر لحماية الأقليات الدينية والتظاهر لرفض أسلمة الدولة، والتظاهر للدعوة إلى رفع القيود على النساء، والتظاهر لحماية حرية الرأي والتعبير التي تتمثل في المس في الديانات والمقدسات، ويقوم الأمريكيون اليوم بدعم شخصيات مدنية لها شهرتها بين الطبقة المثقفة ثقافة غربية وتتبنى التفكير اللا ديني، وأبرزها “عاصمة جهانكير” القانونية الشهيرة، والعشرات من القيادات المدنية المعروفة في باكستان. 

إيران:

ومن دون مبالغة على رأي الخبراء هنا في باكستان، فإن إيران تحتل المرتبة الثانية في حجم التأثير على وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الشهيرة، ورصدت لتحقيق هذا الأمر ميزانية خيالية وتستخدم في ذلك:

– وسائل الإعلام؛ وعلى هذا المستوى فقد نجحت إيران وتمكنت من استغلال سهولة فتح القنوات الإخبارية وتأسيس المعاهد الإستراتجية، ودعت ليس فقط من ينتسب إلى مذهبها بل حتى الإطارات السُّنية المحتاجة إلى تحسين وضعها المادي والاجتماعي، ومكنتها الأموال من افتتاح عدد من القنوات الإخبارية الباكستانية ودعمها والإشراف عليها مباشرة تحت سمع ومرأى السلطة نفسها، وأبرز هذه القنوات اليوم هي قناة “سي92″، وقناة “سي42″، وقناة “24 الإخبارية” جميعها قنوات إخبارية مهمتها الرئيسة هي تحسين صورة إيران بين الباكستانيين، وإظهار المذهب الشيعي على أنه أفضل مرجعية دينية تدعو إلى التسامح وترفض الكراهية، والأمر المهم هو التصدي للمشروع الوهابي في باكستان والسياسة السعودية والتقارب الباكستاني السعودي، والمراقب لهذه القنوات يجد أنها تصبح وتمسي في سب السعودية والتبجيل بإيران والدفاع عن مواقفها الإقليمية والدولية، واستغلت هذه القنوات الحرب الأخيرة في اليمن لتقدمها على أنها “حرب آل سعود” في اليمن، وليست حرباً يقودها تحالف عربي بقيادة الحكومة السعودية، وهي حرب بالوكالة تقودها السعودية عن أمريكا و”إسرائيل” لا غير، وبدل من قول الحقيقة راحت هذه القنوات إلى مسخ الحقيقة والحديث عن الحوثيين مثلاً على أن لديهم تاريخاً في حكم اليمن، وسبق لأجدادهم أن حكموا اليمن، وأقاموا فيه العدل ونشروا فيه الرخاء؛ وبهذا السبب رفضتهم السعودية لأنهم سيكشفون أمرها كما يقولون.

– الأحزاب السياسية والدينية؛ وهذا الأمر لم يعد ليخفى اليوم مع الأسف، بل باتت أحزاب سياسية عريقة وشهيرة تنصاع لسياسة طهران أكبر من انصياعها لموقف إسلام آباد، وسارعت عند إعلان الحرب في اليمن إلى التعاطف مع الحوثيين والدعوة إلى حوار سعودي يمني، ثم إلى حوار سعودي إيراني، وهاجمت هذه الأحزاب سياسة الحكومة، ورغم أن القاصي والداني يعرف أن ما تروج له هذه الأحزاب لا أساس له من الصحة، وأن العكس هو الصحيح؛ إذ إن طهران وقفت على الحياد في الحروب الباكستانية مع الهند، بل اختارت الحياد في قضية كشمير، ووقفت سراً داعمة للهند، بل أكثر من ذلك لم تستقبل باكستانيين للعمل على أراضيها بخلاف ما صنعته السعودية، ولم تعلن عن تقديم مليارات الدولارات لباكستان كما فعلت السعودية، بل قررت بيع باكستان غازاً بأثمان أغلى من الأسواق العالمية، وتقدمت كل من “حركة قومي” العلمانية بقيادة “ألطاف حسين”، و”حركة إنصاف” بقيادة “عمران خان”، و”حزب الشعب القومي الشيوعي”، هذه الجماعات السياسية التي لم تغير آراءها ومواقفها واستمرت منذ البداية في رفض أي دعم للسعودية أو الوقوف بجوارها، بينما اختارت أحزاب سياسية ودينية أخرى مواقف متذبذبة وغير مستقرة، فحزب الشعب الباكستاني المعروف بقربه من طهران على حساب السعودية أطلق تصريحين بعد هذه الحرب كانت الأولى رافضة لتقديم الدعم إلى السعودية ورافضة لتأييدها في شن هذه الحرب، لكن الحزب نفسه عاد وغيَّر رأيه لينضم إلى موقف الحكومة جملة وتفصيلاً، ويؤيدها في تأييد الحرب على الحوثيين، ويبدو أن المال السياسي أدى دوره مع كل من “سراح الحق”، و”فضل الرحمان”.

 

 

Exit mobile version