جرحى قطاع غزة بين ألم الإصابة وأنين التهميش

 

بعد ثمانية أشهر على إصابته في الحرب الأخيرة التي شنتها سلطات الإحتلال الصهيوني على قطاع غزة , تشهد الحالة الصحية للمواطن خالد الحناوي تحسناً ملموساً عما كانت عليه أثناء الإصابة , فهو يستطيع الآن بعد عمليات العلاج المتواصلة ، وإجراء العمليات المختلفة في أنحاء جسدة داخل المستشفيات المصرية، أن يعتمد على نفسه قليلا في الحركة داخل البيت والقيام ببعض الإحتياجات .

غياب الدعم الحكومي

لكن المواطن الحناوي وفي مقابل تحسن وضعه الصحي فإنه يعيش في ظل ظروف مادية غاية في الصعوبة تزداد سوءا يوما بعد آخر , إذا يقول إنه بعد الإصابة لم يتلق أي مساعدات مادية أو عينية من قبل الحكومة الفلسطينية التي يرأسها رامي الحمدالله , رغم الوضع الصحي السيئ الذي يعيشونه , والذي يمنعهم عن القيام بأعمالهم , والذهاب إلى وظائفهم .

ويضيف المواطن الحناوي لـ”المجتمع” أنه كان يعمل في إحدى المؤسسات قبل الإصابة وكان يتقاضى 300 دولار شهريا , ولكن بعد أن فقد القدرة على الذهاب للعمل نتيجة إصابته , فإنه لا يعرف كيف يدبر شؤون بيته وأسرته , لكنه استدرك قائلا “هناك بعض الجمعيات الخيرية غير الرسمية تقدم لنا بعض المساعدات المختلفة كمواد غذائية , أو تقديم بعض الأموال كل فترة , لافتا إلى أن تلك الجمعيات معرضة للإقفال , أو استثناء بعض المصابين مما تقدمه لهم إن مرّ بها ضائقة مالية وهو حال الكثير من المؤسسات الخاصة, معبرا عن خوفه من ذلك الأمر .

ولم يكن الحناوي أسوأ حالا من الجريحة منى العكاوي التي أصيبت هي وأبناءها الثلاثة في الحرب الأخيرة , فإن كان الجريح الحناوي يفتقد إلى الدعم المادي نتيجة تدهور وضعه وظروفه الإقتصاديةويشترك في ذلك الكثير من الجرحى , فإن الجريحة العكاوي تعاني من عدم القدرة على إمكانية علاجها وأبناءها , فهي تقول إن ابنها الأصغر أصبح يشكو من أمور غريبة , فهو مصاب بكسر في أحد أضلعه , ونصف كليته وقعت في حوضه، ولم يستطع اكمال عامه الدراسي، مضيفة أنها تعاني من وجود الفوسفور في عينيها، ولا تستطيع السفر الى مصر حتى تعالج أبناءها , موضحة أنها تعيش في قلق مستمر خوفا على حياة ابنها إن لم يتم علاجه في الخارج .

وطالبت العكاوي جميع المسؤولين والمعنيين بقضية الجرحى بتوفير فرص لعلاج الجرحى في قطاع غزة خصوصا جرحى الحرب الأخيرة الذين أصبحت قضيتهم مهمشة.

نسبة غير مسبوقة

وتعكس حالة المواطنين الحناوي والعكاوي مدى المعاناة والألم الذي يعيشه الجرحى في قطاع غزة , فهاتان الحالتان تمثلان نموذجا لشريحة الجرحى الذين أصيبوا جراء الحرب الأخيرة على القطاع , والذين قُدرت أعدادهم حسب إحصائيات وزارة الصحة بأكثر من 1046جريحا , بينهم (301) طفلاً و(105) سيدة

وبين الدكتور أيمن الحلبي مدير دائرة العلاج الطبيعي والتأهيل بوزارة الصحة أن عدد الجرحى الذين يحتاجون للعلاج الطبيعي والتأهيل بحدود 160 جريح , لافتا إلى أن هناك جرحى ستسمر إعاقتهم وهم بحدود 56-60  جريحا، أي بنسبة 5% من الجرحى الذين أصيبوا خلال العدوان (الإسرائيلي) الأخير على قطاع غزة باتوا معاقين بدرجات مختلفة .

 ويعد هذا العدد من الجرحى الذين سقطوا خلال الحرب الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة الأكبر مقارنة مع الحروب الأخرى التي شهدها القطاع على مدار السنوات السابقة , ويرجع ذلك إلى استخدام قوات الإحتلال الصهيوني سياسة الأرض المحروق تجاه المواطنين , فدمرت البيوت على رؤوس ساكنيها , وقصف تجمعات المواطنين بشكل متعمد , والجدير ذكره أن العدوان الأخير جاء بعد عامين من انتهاء حرب حجارة السجيل 2012, والتي خلفت أكثر من 1222 جريحا فلسطينيا من بينهم 431 طفلا ، و207 سيدة ، و 88 مسنا .

كما أشار الحلبي إلى أن حرب الفرقان التي وقعت أحداثها أواخر عام 2008تركت 13% من الجرحى أيضا الذين باتوا معاقين.

الإنتماء السياسي

وحتى يومنا هذا لم يتم اعتماد الجرحى الفلسطينيين الذين أصيبوا جراء حرب2012 , وحرب 2014 ضمن قوائم الجرحى الذين يتقاضون رواتب من قبل السلطة الفلسطينية رغم مناشدات ومطالبات الجرحى بتسجيل أسماءهم ضمن كشوف جرحى الإنتفاضة , وقد استغل الجرحى يوم المعاق العالمي الذي صادف الثاني عشر من مارس الشهر الماضي للخروج في تظاهرة انطلقت من أمام المجلس التشريعي في مدينة غزة، إلى مقر المندوب السامي يطالبون الجهات الرسمية بتشكيل هيئة مختصة بشؤون الجرحى ترعى حقوقهم وتكفل لهم حياة كريم, لكن مثل تلك التظاهرات والمؤتمرات التي تعقد في كل فترة لم تنجز شيئا , ولم تحقق للمصابين ما يطالبون به ,رغم الوعودات من قبل الجهات المعنية .

من جهته بين محمد دويمة -المدير التنفيذي لـ”جمعية السلامة الخيرية” إلى أن “الانقسام الداخلي” أثر بشكل كبير على قضية الجرحى، مشيرا إلى أن الكثير منهم لا يحصلون على راتب من منظمة التحرير بسبب انتمائهم السياسي، فيما يتلقى بعضهم مبالغ متفاوتة تتراوح بين 700 و2100 شيكل (170-520 دولارا) كل ثلاثة أشهر بحسب حجم الإصابة وتأثيرها.

دعم غير رسمي

وحول المساعدات التي يتلقاها الجرحى من المؤسسات الخيرية والخاصة تحدث دويمة عن وجود نحو 22 ألفا وأربعمائة جريح مسجلين لدى جمعيته، تقدم لهم الجمعية بعض المساعدات المادية والعينية , وتوفر لهم الأدوات التي يحتاجوها لتساعدهم على الحركة وتدبير شؤونهم , موضحا أن الجمعية تقدم خدماتها في أربعة مجالات، هي: المساعدة الطبية، والدعم النفسي والاجتماعي، والتدريب المهني، والإغاثة الإنسانية.

 وأوضح دويمة أن هذه النسبة من الجرحى المسجلين في الجمعية تقدر ب 95% من أعداد الجرحى في القطاع، من بينهم نحو سبعة آلاف بحاجة إلى مساعدة طبية، منهم أربعة آلاف معاق، وثلاثة آلاف يعانون من كسور معقدة، وبحاجة لمتابعة طبية وعمليات جراحية.

وكلما زاد عدد المعاقين زادت حاجتهم للأدوات الطبية وحاجاتهم المؤسـسات الـتأهيليـة ومساندتهم في تقديم المساعدات , بالإضافة إلى افتقار ذويهم للعيش الكريم حيث يعاني المعاقون وبشكل خطير من الفقر والبطالة كفئات ضعيفة ينالها القسط الأكبر من تردي الأوضاع المعيشية في قطاع غزة بسبب الحصار.

وفي ظل الجرائم التي ترتكبها سلطات الإحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني , فإن أعدادا كبيرة من المواطنين سينضمون لاحقا إلى قافلة المصابين التي لن تتوقف عند حد معين , بل هي في ازدياد مستمر نتيجة الغطرسة الصهيونية , ولن يكون الألم الجسدي الذي يعيشه الجريح الفلسطيني جراء إصابته هو عنوان المعاناة , فهناك معاناة ومأساة يعيشها الجريح بعد الإصابة وهي غياب الدعم الحكومي .

Exit mobile version