صحيفة فرنسية: الإدارة الأمريكية أفضل حليف لداعش وإيران

 

 فراس قنطار

ماذا تطبخ الإدارة الأمريكية؟ هل هي بصدد تكرار نفس الأخطاء التقديرية في العراق وسوريا؟

بعد أربع سنوات من المجازر المستمرة خرج علينا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في الأسبوع الماضي ليدلي بموقف متشائم وصادم ويقول: “سيكون علينا أن نتفاوض مع بشار الأسد”.

هذا التصريح المفاجئ يذكرنا بالاقتراح الذي تقدم به نفس هذا الرجل بعد مجزرة الأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق في الواحد والعشرين من أغسطس2013م عندما عرض على النظام السوري أن يتخلى المجتمع الدولي عن ملاحقته ومعاقبته مقابل إذعان سوريا لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية وتسليم ما تملكه من الأسلحة المحرمة، ورغم ما قدمه حينها من تعهدات، فإن النظام لم يتوقف عن استعمال أسلحته الفتاكة من صواريخ وبراميل متفجرة وقنابل عنقودية وقنابل غاز الكلور التي تعتبر سلاحاً كيمياوياً، بالإضافة لأسلحة أخرى من أخطرها سلاح الحرمان من الغذاء المفروض على كل المدن التي ترفض الخضوع لحكم بشار الأسد على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139 في الثاني والعشرين من فبراير 2014م والمتعلق بدخول منظمات الإغاثة والسماح بتوزيع الغذاء.

كيف يمكن أن نتفهم في ظل هذه الظروف إعلان دولة تعتبر نفسها الأقوى في العالم عن رغبتها في التفاوض مع دكتاتور ضعيف يداه ملطختان بالدماء؟ هل أن الولايات المتحدة مجبرة فعلاً على التفاوض مع بشار الأسد وما هي المكاسب التي ستحققها من ذلك؟

قد يقال إن السبب الأول في هذا التحول هو ضعف المجموعات المعتدلة داخل صفوف الثورة السورية، ولكن هذا الضعف هو نتيجة مباشرة لمحدودية الدعم المقدم لها من قبل “أصدقاء سوريا” وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فهم لم يفعلوا شيئاً تقريباً منذ اندلاع الثورة لتجهيز وتدريب الجيش السوري الحر، وقد أدى ضعف الموارد إلى جنوح العديد من الثوار نحو التطرف. فقد قام كثيرون منهم بالالتحاق بتنظيم داعش لأن هذا التنظيم يمتلك أسلحة وموارد مادية هامة. ولكن هذا لا يعني أن نستسلم لبشار الأسد مثلما تريد الولايات المتحدة، فالثوار المعتدلون وعلى عكس الفكرة السائدة يواصلون تقدمهم على عدة جبهات وخاصة في منطقة حلب، حيث عززوا مواقعهم ويواصلون كسب مساحات جديدة على حساب تنظيم داعش والنظام.

كما توجد مسألة أخرى أساسية وهي أن بشار الأسد لم يعد قادراً على الصمود إلا بفضل الدعم الإيراني، وهو اليوم ضعيف أكثر من أي وقت مضى، فأربع سنوات من الحرب والاستنزاف والانشقاقات في صفوفه ،من بينها فرار وزير أول مباشر، أنهكته وأضعفت جيشه ومخابراته، ويكفي أن نتمعن قليلاً في الوضع الميداني لنعرف أن الأسد لم يعد يسيطر إلا على أقل من نصف مساحة سوريا، وحتى هذه المساحة فهي في الواقع تحت سيطرة الميليشيات الشيعية القادمة من العراق ولبنان وإيران واللاجئين الأفغان الذين استغلت إيران فقرهم وهشاشة وضعهم لتحولهم إلى مرتزقة ونقلتهم إلى سوريا وأجبرتهم على المشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

كما أن أغلب الحدود السورية لم تعد خاضعة لسيطرة النظام، ولذلك فإن تفكير الغرب في التعاون مع أجهزة مخابرات الأسد لمحاصرة الإرهاب هو في الحقيقة ضرب من الخيال.

 لقد تغيرت قواعد اللعبة عما كانت عليه إبان حرب العراق عندما كانت سوريا بوابة عبور شبكات المتطرفين، وكان النظام يجند  ويدرب ويسلح هؤلاء المقاتلين ويحركهم عن بعد مثل قطع الشطرنج ويستعملهم كأوراق ضغط، فالأوضاع اختلفت منذ بداية الثورة بعد أن أفرج النظام عن الآلاف منهم بهدف إخافة الدول الغربية، وأدى ذلك إلى تقوية قدراتهم بعيداً عن أعين النظام السوري، ومع فقدان هذا النظام لسيطرته على الحدود والانشقاقات المتتالية في الجيش والمخابرات، لن يعد بإمكان بشار الأسد أن يدعي أنه يحارب الجماعات المتطرفة بعد أن قام هو بتقوية شوكتها عبر إطلاق سراح المتطرفين، وعبر القصف العشوائي الذي ساعد تنظيم داعش على التوسع على حساب الجيش السوري الحر والسيطرة على مناطق تواجد المدنيين.

وهل يمكننا اليوم أن نتصور أن بشار الأسد قادر على كسب الحرب التي أعلنها ضد شعبه؟ لقد كبر جيل كامل من السوريين خلال السنوات الأربع الماضية وهو يحلم بالذهاب حتى النهاية وتحقيق النصر في هذه الحرب التي فرضها عليه النظام، وأدى سقوط المزيد من الضحايا الذين يعدون اليوم بمئات الآلاف إلى التحاق المزيد من المقاتلين بصفوف الثوار وصفوف المجموعات المتطرفة، لذلك لم يعد بشار الأسد اليوم شريكاً في تحقيق الاستقرار كما لم يكن كذلك في السابق فهو لا يمثل شيئاً سوى الفوضى التي هدد بها الشعب السوري والعالم عند بداية الثورة.

فلماذا إذاً نعلق آمالاً على نظام يحتضر؟

بداية يجب علينا أن نفهم التغييرات التي طرأت على إستراتيجية إدارة باراك أوباما، فأثناء بحثها سنة 2011م عن تحقيق ظروف أمنية مواتية في العراق، تسمح بانسحاب القوات الأمريكية وجدت واشنطن في إيران الحليف المناسب في المنطقة، وتخلت عن حلفائها التقليديين في الخليج العربي، وأصبحت إيران الحاكم الحقيقي للعراق عبر رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي. وأدت سياستهم الطائفية والعنصرية في العراق إلى تدمير المجتمع العراقي بأسره، وتركه لقمة سائغة أمام تنظيم داعش. وكل المؤشرات توحي اليوم بأن الإدارة الأمريكية ستقوم بنفس الشيء في سوريا، حيث إن بشار الأسد لم يعد يمثل اليوم أكثر من “قائم بأعمال” ملالي إيران على أرض سوريا، وليس من الصدفة أنه في التقرير السنوي الذي قدمته الاستخبارات الأمريكية لمجلس النواب، أوصى جايمس كلابر مدير الاستخبارات بشطب أسماء إيران وحزب الله من قائمة التنظيمات الإرهابية،  وهي حركة أراد الأمريكان من خلالها ضرب عصفورين بحجر واحد: أولاً إيكال أمر مواجهة تنظيم داعش لإيران، وثانياً التشجيع على التوصل لاتفاق فيما يخص الملف النووي الإيراني. وبالتالي أصبح مجال نفوذ إيران ممتداً من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود باكستان.

هذه الهيمنة الإقليمية والسيطرة على مناطق إنتاج ونقل النفط والغاز ستجعل إيران تتخلى عن طموحاتها النووية، كما أن التهديد الإيراني لدول الخليج العربي سيمكن الأمريكان من بيع المزيد من الأسلحة لهذه الدول.

فالجميع يعلم أن تنصيب إيران كشرطي على الشرق الأوسط لن يحل أي مشكلة، بل سيزيد من تعقيد الأوضاع، وإدارة أوباما تدرك هذا جيداً، ولكنها تفكر في إطالة أمد الصراع بين السنة والشيعة لتبقى هي بمنأى عن أي خطر، وتستفيد من هبوط أسعار النفط ومن عقود التسلح الضخمة ومن اتفاق نووي مع إيران.

أما معاناة الشعب السوري وحقه في الحرية والكرامة وتقرير مصيره فهي لا تهم أوباما في شيء كما لم تكن في السابق من اهتمامات جورج بوش، ولكن هذا الأخير على الأقل لم يحز على جائزة نوبل للسلام…

 المصدر: صحيفة لوموند الفرنسية

الرابط: http://syrie.blog.lemonde.fr/2015/03/22/ladministration-americaine-meilleure-amie-de-letat-islamique-et-de-liran/#xtor=RSS-32280322

Exit mobile version