قراءة في كتاب استهداف أهل السُنّة

 

في غمار ما تعج به المنطقة العربية من وضع أمني بالغ الحساسية، فإن البحث في مكامن حركة التفتيت والهدم التي تتعرض لها تكوينات الأمة أصبح واجب الوقت، ولعل الكتاب الذي بين أيدينا (استهداف أهل السُنّة) الدكتور نبيل خليفة في تقديمه وما جاء في محتواه، وذلك كون الكتاب استطاع أن يخرج بكليات الأزمة ليقدم توصيفاً عميقاً لها أصبح اليوم واقعاً نراه، وقد كانت الكتاب أشبة بالتنبؤ حيث صدر في 2014م .

وقد سبقت محاولتنا لعرض الكتاب محاولة من الزميل يقظان التقي والذي استعرض ملخص الكتاب في ما يقرب من الثماني عشرة صفحة، لذا سيكون عرضنا هنا مركز بشكل كبير  على أهم ما أورده الكتاب من ملامح الحرب التي على ما يبدو ستعيد تشكيل المنطقة.

ملحوظة منهاجية

تناول الكتاب مصطلح السنة ليس من منطلق التقسيم الذي سيتبادر إلى ذهن القارئ على أسس طائفية بمجرد قراءة العنوان، وإنما على ما يبدو من العرض أن المقصود هو التقسيم الجغرافي، بدلالات التفسير الدولي والتحليلي للعلاقات بين المحاور الأساسية الفاعلة، والأهم في استخدام مصطلح أهل السنة هو استدعاء الكاتب للأبعاد الحضارية والتاريخ الثقافي، ولذلك نجده يستخدم المصطلح للتعبير عن محور يواجه محاور أخرى هي (العالم اليهودي –  العالم الشيعي – -الصيني…)

جغرافيا السياسة والأديان

هكذا ركز الكاتب في طرحه على الأبعاد المتداخلة بين جغرافيا الأرض والتاريخ والسياسة والأديان في مشترك حضاري عام يجمع المكون السني في ناحية والمكون المسيحي الغربي اليهودي في ناحية، وقد جاء في عرض الكتاب: “إن مقاربة جيوبوليتيكية لأوضاع الشرق الأوسط وخاصة للخليج والهلال الخصيب، أي لنقطة العبور بين المتوسط وآسيا، ولأهم خزان نفطي في العالم، تؤكد أنها منطقة طالما أثارت شهيات القوى الكبرى. وتبدو تلك القوى، ومثلها القوى الإقليمية، مستعدة لعمل أي شيء بهدف السيطرة عليها. كان ذلك قبل قيام إسرائيل. فكيف به بعد قيام الدولة العبرية؟ ((غير ان أحداث 11 أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة غيّرت المعطى الجيوبوليتيكي للمنطقة، بحيث أخذت الإسلاموية مكان روسيا كعدو جديد للولايات المتحدة)) على ما يقول الإستراتيجيون الغربيون!

ليعتبر الكاتب أن الصراع بالأساس بين القوتين من قناعة غربية عن أرقام وإحصائيات،  وذلك بإيراده لإحصائية وفي إحصاءات صحيفة ((Le Monde)) ((لو موند)) للعام 2013، أن عدد المسلمين في العالم هو 1.570 مليار، منهم 1.350 مليار سنّي (85%) و220 مليون شيعي (15%). ولقد بات واضحاً (بعد العام 1978)، أن لدى الغرب كما لدى الإسرائيليين واليهود شعوراً بأن السلام الذي أقيم مع دولتين سنيتين مجاورتين لإسرائيل (هما مصر والأردن) والسلام الذي يجري التفاوض بشأنه مع الفلسطينيين، هو سلام شكلي وهش. وأن كل مسلم سني في وعيه ولا وعيه ليس مستعداً لا اليوم ولا غداً ولا بعد غد، للاعتراف بشرعية وجود إسرائيل الدولة والكيان في قلب ((الأمة)). إذن ملامح أهداف الغرب واضحة: لا بد من إضعاف المدّ الإسلاموي بجناحيه السني والشيعي، وخصوصاً السني لأنه الأكثر خطورة على إسرائيل من جانب، والعمل لإيجاد حلّ جيو – إستراتيجي يسمح بإدماج إسرائيل في محيطها، وذلك بدفع جيرانها إلى الاعتراف الصريح بها بحيث تتحول الدولة العبرية إلى جسم ((طبيعي)) في المنطقة ولا تبقى جسماً غريباً مهدداً بالزوال بعد فترة من الزمن!

قصة الانقسام الشيعي السني بالعصر الحديث

لا شك أن الانقسام بين معسكر سني وشيعي هو أمر له تاريخه وجذوره، إلا أن الكاتب أصّل للوضع في العصر الحديث، معتبراً أن ثورة الخميني كانت نقطة فاصلة في هذا الانقسام، حيث يقول الكاتب: قامت ثورة الإمام الخميني بهويتها الإيرانية وانتمائها الشيعي/ الإسلامي، وشكّلت منعطفاً في تاريخ الإسلام المعاصر: شيعياً: باعتمادها نظرية ولاية الفقيه، وإسلامياً بجرأتها لاعتبار نفسها الممثل الصحيح للإسلام بعقيدته ومصالحه ضد الأنظمة والقيادات السنية التقليدية القائمة في دول المنطقة والعالم. ولأنها أقلية ديموغرافية/ جغرافية داخل العالم الإسلامي اعتمدت إستراتيجية هجومية وأساليب البروبغندا الموجهة لتأكيد وجودها وفعاليتها ومصداقيتها كحركة إسلامية جذرية في مواجهة السنية  التقليدية:

– باستغلال الحج للاعتراض على الزعامة السعودية (أحداث المسجد الحرام).

– استغلال القضية الفلسطينية، القضية الإسلامية بامتياز (كرافعة تاريخية للإسلام الشيعي بواسطة حزب الله ورفع شعار القدس في مواجهة مكّة المكرمة).

– بالتلويح بالسلاح (وخاصة البرنامج النووي والصاروخي) كقوة فعلية للمسلمين وباب مقايضة لعقد صفقات سياسية مع الغرب.

– بالتهجم اللفظوي على الغرب حليف إسرائيل.

– باختراق الأنظمة السنية بواسطة الأقليات الشيعية.

– باعتماد مبدأ التشييع في الأوساط السنية.

– بإبراز قوّتها الجيو – سياسية من خلال تحكمها بمضيق هرمز الشهير، وقد لوّحت بذلك أكثر من مرة.

– في المحصّلة، بالسعي لتأكيد إستراتيجيتها بإقامة الهلال الشيعي بين الخليج والمتوسط، وهو مشروع يحظى بدعم الغرب وإسرائيل في المنطقة لأسباب موضوعية على علاقة بالمصالح المشتركة.

في إطار الجغرافية السياسية، يتحدث الكاتب عن الهلال الشيعي، مؤكداً أنه ليس من قبيل الصدف، أن يكون الهلال الشيعي هو المعادل جغرافياً للهلال الخصيب (أي لمفهوم سورية الكبرى التي تشمل لبنان وسورية والعراق وفلسطين والأردن). وللمفارقة، وعلى عكس عقيدة أنطوان سعادة المعروفة، وهو مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، بمبادئه الأساسية والإصلاحية، وأكثر العقائديين حساسية حيال كل ما هو يهودي، ليس أمام الغرب وإسرائيل وإيران، وعلى امتداد العالم الإسلامي، سوى هذا المجال (Espace) بالذات (أي سورية الكبرى)، ما يسمح باختراق الكتلة السنّية: جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً، ومذهبياً، وعقائدياً لإزاحة النفوذ السنّي – العربي: حكّاماً وأنظمة وهوية وانتماء، واستبداله بدولة الأقليات الكونفدرالية بزواياها الأربع الأساسية المفترضة: اليهود والشيعة والأكراد والمسيحيون. فهذا الحيّز، الذي يحلو لبقايا الأجهزة عندنا أن تشدد على سمته المشرقية إغراء للمسيحيين، هو قلب الشرق الأوسط، وموقع دولة إسرائيل، وامتداد إيران باتجاه المتوسط ومعقل لأكبر حشد أقلّوي في العالم (59 أقلية) والإمكانية الوحيدة المتاحة لتحقيق توازن ديموغرافي بين الأكثرية العربية السنية ومجموع الأقليات المتواجدة فيه. وبالتالي، فهو يشكل، كما سمّاه الغربيون الحظ الكبير (La grande chane) لإحداث تغيير جذري في المعادلة الجيوبوليتيكية للشرق الأوسط تكون في مصلحة الغرب وإسرائيل على السواء، واستغلالهما لحلف الأقليات!

ملامح لمشروع الآخرين

هكذا توصل الباحث بعد عرضه، حيث وصف المشروع المستهدف منه مواجهة القسم السني قائلاً : أصبحت ملامح مشروع الآخرين واضحة: إقامة شرق أدنوي أقلّوي خال من النفوذ السنّي ومحكوم بالنفوذ الشيعي/ الإيراني برضى إسرائيلي ودعم غربي – روسي، وهو ما يكشف خفاياه مسار الأزمة السورية. وما يحصل في المنطقة ليس فيه شيء من تصورات ((المؤامرة)) التي يتحدث عنها البعض إخفاء لعجزهم. إنه التقاء المصالح الموضوعية لجهات مختلفة وحتى متباينة عاشت الاستبعاد عن السلطة. فعندما قيل لكيسنجر: كيف تفسّر أن الإسرائيليين طردوا ياسر عرفات من بيروت والسوريين طردوه بعدها من طرابلس، أجاب: ((هناك التقاء للمصالح الموضوعية بين إسرائيل وسورية في لبنان)). فكل دولة طردته لأسباب خاصة بها.. ولكن السبب المشترك هو إضعاف النفوذ السني (العسكري/ السياسي) في لبنان بفضل ما سُمّي آنذاك ((جيش المسلمين)) أي المقاومة الفلسطينية!

ليؤكد الكاتب على فرضيته قائلاً: باختصار، إن أهل السنّة في المشرق مستهدفون سياسياً وعسكرياً وأيديولوجياً وسوسيولوجياً وثقافياً.. وبالإمكان شرح كل ذلك، ولكن ليس مجاله الآن لأنه يشكل أطروحة بذاته، وإنما يمكن تبيّنه على الأرض في مختلف أصقاع المنطقة حيث العنوان العريض واحد: ((أبلسة أهل السنّة)).

ليتبع كلامه بأخر، ولكن بنبرة مؤلمة عندما يتحدث عن مشروع أهل السنة فيقول: إذا كان هذا هو مشروع الآخرين الذي يجري العمل عليه وتنفيذه، ترغيباً وترهيباً، فما هو مشروع أهل السنّة: في لبنان، والخليج والشرق الأوسط والعالم العربي.. والعالم؟ والجواب بكل أسف: ليس لأهل السنّة مشروع على امتداد العالم السنّي: لا وطنياً ولا إقليمياً ولا دولياً.

للإطلاع على عرض الدراسة كاملاً اضغط هنا

http://www.almustaqbal.com/v4/article.aspx?Type=NP&ArticleID=642930

 

 

Exit mobile version