إثيوبيا تغسل جريمتها في مياه النيل باتفاقية غير ملزمة.. ومصر تستسلم

منذ يومين، كلف “السيسي” لجاناً فنية وقانونية بمراجعة اتفاق سد النهضة لما فيه من إهدار لحقوق مصر في مياه النيل، ثم فوجئ الرأي العام المصري بوصول “عبدالفتاح السيسي” صباح أمس إلى العاصمة السودانية الخرطوم، لتوقيع اتفاقية إطارية مع إثيوبيا لا تلزمها بأي التزامات تجاه حقوق مصر في مياه النيل.

بعد ذلك طار “السيسي” إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قادماً من الخرطوم في مستهل زيارة دولة تستغرق يومين التقى خلالها بالرئيس الإثيوبي “د. مولاتو تشومي”، ورئيس الوزراء “هيلا ماريام ديسالين”، حيث أجرى مباحثات تتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، منها تحقيق السلام في ربوع القارة الأفريقية، ومواجهة الأعمال الإرهابية، كما التقى “السيسي” خلال الزيارة بطريرك الكنيسة الإثيوبية التابعة للكنسية المصرية.

اتفاق غير مُلزم

ويتضمن اتفاق سد النهضة بين “السيسي” ورئيسا إثيوبيا والسودان مبادئ، منها: مبدأ التعاون على أساس التفاهم المشترك، المنفعة المشتركة، ومبدأ التنمية، التكامل الإقليمي والاستدامة ومبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد ومبدأ أمان السد ومبدأ التسوية السلمية للمنازعات.

ويبدو من القراءة التفصيلية للبنود أن كل نقطة فيه غير ملزمة لما تحتويه من عبارات مطاطة تخضع لتفسيرات عدة، وتعتمد على تفسير كل دولة لهذه المبادئ من وجهة نظرها هي.

كذلك فإن تنفيذ وجهة النظر المصرية من كل نقطة في حالة الخلاف على تفسيرها يحتاج إلى مفاوضات لا نهاية لها؛ نظراً لغياب آليات تنفيذ ملزمة.

وحسب المراقبين، فإن هذا الاتفاق يفسح الطريق لبناء السد دون إلزام حقيقي لأي طرف بحصص مياه أو حتى مفهوم عدالة الاستخدام لمياه النيل، أما المعايير التي ذكرت لعدالة الاستخدام أو تحديد الضرر ذي الشأن فهي الأخرى مجرد عناوين عامة تحتاج إلى دراسات لا نهاية عند وقوع خلاف.

ويرى هؤلاء أن ما يخص مهلة الأشهر الخمسة عشر للبدء في ملء بحيرة سد النهضة مبهمة وتثير عدة تساؤلات.

أما تصريحات المسؤولين الإثيوبيين التي أعقبت توقيع هذه الاتفاقية فكانت مثيرة للقلق، وتصب كلها في خانة نفي تصريحات المسؤولين المصريين بشأن وجود أي بند أو نص مُلزم في هذه الاتفاقية على إثيوبيا.

لكن الأخطر في الأمر أن موقف مصر الرسمي الذي ظل رافضاً لأي اتفاقية غير منصفة، منح مجاناً بهذا الاتفاق لسد النهضة “قُبلة حياة” ممثلة بـ4 مليارات دولار في صورة منح دولية من كوريا الجنوبية والصين والأمم المتحدة لتمويل السد.

 تحفظ الخبراء

من جانبه، أكد هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، والمؤيد لخارطة 3 يوليو الانقلابية، أن الاتفاق منح إثيوبيا ما كانت تفتقده منذ شروعها في بناء السد وهو مشروعية ما تفعله.

وأوضح أنه كان يأمل أن ينص الاتفاق الذي وقعه “السيسي” على التزام محدد المعالم، لكن كل ما حصلت عليه مصر هو مجرد اتفاق للتفاوض؛ الأمر الذي يوضح مدى صعوبة المفاوضات المستقبلية في ضوء حصول مصر على مجرد تعهدات وليس التزامات.

وأضاف أن هناك مشكلة حقيقية؛ وهي أن إثيوبيا بدأت بالفعل في بناء سدها دون توافق مع دول المصب، وتعجلت في التنفيذ، رغم أن هناك الكثير من الشبهات التي تشوب بناء هذا السد، وإذا كان لديها حسن نية للتعاون كان يجب أن تقبل بمبدأ إجراء دراسات خاصة بالسد وتأثيراته من جهة دولية محايدة.

ويرى رسلان أن “السيسي” أوضح في خطابه أنه يريد أن ينتقل إلى مرحلة بناء الثقة، ويعتمد فقط على حسن النوايا لكن العلاقات الدولية لا تعتمد على حسن النية فقط بل يجب أن تكون هناك التزامات.

من جهته، قال الخبير السوداني مدير كرسي اليونسكو للمياه في جامعة أم درمان سابقاً د. عبدالله عبدالسلام: إن السد الإثيوبي بهذا الحجم سبب كثير من النقاش بين الخبراء والمختصين؛ لأن هناك بعض القضايا مازالت معلقة، أبرزها كيفية ملء خزان السد (74 مليار متر مكعب) والفترة التي سيملأ فيها وكيفية تشغيله وسلامة تصميم السد.

ولفت عبدالسلام إلى أن الاتفاق الذي وقع بالخرطوم لم يشمل هذه الزوايا بالتفصيل، وإنما كان الاتفاق على قضايا عامة.

واعتبر أن إثيوبيا هي الرابح الأكبر من الاتفاق؛ لأنه بمثابة اعتراف من السودان ومصر بهذا السد، مما يفتح الباب أمام أديس أبابا للتوجه لكل المؤسسات الدولية للتمويل.

في انتظار الكارثة

ويعلق مصطفى الديب، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؛ بأن يوم اجتماع سد النهضة أيام “د. مرسي”, اهتم الجميع بإذاعة الاجتماع على الهواء مباشرة وما دار حول هذه المسألة، بينما اليوم وقعت مصر على وثيقة استسلام لإثيوبيا ولا أحد يعترض أو يسخر، لا أحد يفتح فمه.

وأضاف أن: الأمر الآن لم يعد يتوقف عند حدود الفضيحة التلفزيونية أيام “د. مرسي”, بل تخطاه لتوقيع وثيقة استسلام تقر فيها بحق عدوك في أن يتحكم بالسد بلا ضمانات أو اتفاقات ملزمة، وكأن عجزك عن التصدي ليس كافياً، فأضفت إليه عار الاستسلام! على حد وصفه.

واختتم قائلاً: لن يرحم التاريخ هذا الجيل, الذي ارتكب من الموبقات في حق الوطن ما لم يسبقه إليه سواه, فاستحق لقب الجيل البائس في تاريخ مصر، وهذا البؤس الجماعي وصل للصمت عن تعطيش أجيال قادمة.

Exit mobile version