لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
من مظاهر الحكمة في بناء الأوطان الأخذ بمبدأ التيسير والاعتدال والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف؛ { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (البقرة:185).
فالله الخالق العظيم يريد لنا اليسر ولا يريد لنا العسر؛ «يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه، أعظم تيسير، ويسهلها أبلغ تسهيل» (السعدي: تيسير الكريم الرحمن)، وهل يتحمل الفرد والأمة والوطن العسر والتعسير؟!
إن مجتمعنا الكويتي نشأ على التسامح والتعايش السلمي والشراكة الوطنية، وإن تعدد الآراء العلمية في المسألة الواحدة واختلاف المذاهب الفقهية لا يُعد عائقاً لوحدتنا الوطنية وأخوتنا الإسلامية وقوتنا الشعبية، وإن من التيسير أن نعتبر تعدد الآراء أمراً طبيعياً لا يؤدي إلى فرقة وخصومة مادامت هناك نصوص شرعية تحتمل اختلاف الرأي، وليس من الحكمة اعتبار اختلاف الآراء عائقاً للوحدة الوطنية والتعايش السلمي، وإن للحاكم أن يختار أحد الأقوال العلمية في المسألة، ويلزم بالعمل به؛ دفعاً للفوضى والاضطراب في الأمور العامة؛ فحكم الحاكم يرفع الخلاف، ويبقى القبول والائتلاف فنتواصل وننسق جهودنا لخدمة وطننا حماية وتنمية رغم اختلافاتنا الدينية والمذهبية والفكرية، مستفيدين من طاقاتنا البشرية الهائلة، معتصمين بديننا وقيمنا؛ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } (البقرة:143).
ونطاق السماحة والتيسير في الإسلام لا يقتصر على شؤون العبادات، وإنما يتسع لكل شؤون الحياة وأوضاع المعيشة والظروف العامة والخاصة؛ في السياسة والاقتصاد والاجتماع، والمعاملات المدنية (العقود والتصرفات)، ومجال تطبيق العقوبات الجزائية، ومعالجة نظام التوازن، وإحقاق الحق وإبطال الباطل في رحاب القضاء والتنفيذ، ومراعاة الأعراف الصحيحة (غير المصادمة للشرع)، والاستجابة للمصالح المتفقة مع مقاصد الشريعة (وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسب أو العرض والمال).
فإذا تتبعنا أحكام الشريعة وجدنا بكل وضوح مظاهر رفع الحرج ودفع المشقة، ورفع الضرر وإزالته، بادية جلية واضحة، وإن جميع التكاليف الشرعية في ابتدائها ودوامها روعي فيها التخفيف والتيسير على الناس. (وهبة الزحيلي: الوسائل الحديثة لتكوين القناعات الشعبية لتطبيق الشريعة الإسلامية).
وإذا جاز للإنسان أن يشدّد على نفسه طلباً للأكمل والأسلم، فلا يجوز أن يشدد على جمهور الناس؛ «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه، فليطول ما يشاء» (متفق عليه).
فمن العقل والحكمة التيسير على الناس في دينهم ودنياهم؛ حتى يصلح الدين وتصلح الدنيا، فمن دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر» (رواه مسلم).
فبالعقل والحكمة يكون البناء والنماء، إذا تم عقل المرء تمت أموره، وتمت أياديه، وتم بناؤه.
قال الإمام ابن حبان رحمه الله: «وأفضل مواهب الله لعباده العقل»، ولقد أحسن الذي يقول:
وأفضل قسْم الله للمرء عقلُهُ
فليس من الخيرات شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملتْ أخلاقه ومآربه
(روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)
والحمد لله رب العالمين.