غزة: جهاز الشرطة يتفوق على أزماته بحفظ الأمن

 

لم يدر بخلد الحاجة سميحة عوض الله 75 عاماً القاطنة في شمال قطاع غزة أن تكون عرضة هي ومالها لعملية اختطاف وسرقة على يد مجرم قام باختطافها وسرقة ما تحمله من مال وأغراض ثمينة، قبل أن يقوم بقتلها بطريقة بشعة ويلوذ بالفرار.

ويبدو أن كل أسباب الحيطة والحذر وعمليات التمويه والإخفاء التي قام بها المجرم لم تنفعه، فلم يكد يلتقط أنفاسه بعد هروبه من مكان الجريمة حتى وجد نفسه بين أيدي الشرطة الفلسطينية.

هذه الحالة هي نموذج يُظهر مدى قدرة جهاز الشرطة الفلسطينية على ضبط الأمن وسرعة إلقاء القبض على المجرمين والمعتدين، إذ لا تستغرق عمليات البحث عن أصحاب الجرائم والقضايا المختلفة ساعات حتى يكونوا في قبضة جهاز الشرطة.

وهذا ما قادنا لتسليط الضوء على عمل جهاز الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة وقدرته على حفظ الأمن، وملاحقة المعتدين، في ظل الوضع السيئ الذي يعيشه أفراد الجهاز المتمثل في عدم تلقيهم رواتبهم منذ أكثر من سنة ونصف السنة, إلى جانب استهدافهم بشكل مباشر من قبل طائرات الاحتلال الصهيوني في الحروب المختلفة.

 أسباب سياسية

على الرغم من أن جهاز الشرطة هو عبارة عن مؤسسة مدنية تخدم كل المواطنين في القطاع على اختلاف فئاتهم وتصنيفاتهم، فإنها موضوعة في طريق المشكلة السياسية بين غزة والضفة.. بهذه الكلمات بدأ مدير المكتب الإعلامي للشرطة الفلسطينية والمتحدث باسمها المقدم أيمن البطنيجي حديثه لـ”المجتمع”، مؤكداً وجوب تجنيب جهاز الشرطة المناكفات السياسية ليبقى قائماً وقوياً ويقدم خدماته الأمنية للمواطنين.

إدارة الأزمة

وعن طبيعة إدارة الأزمة التي تخيم على واقع الشرطة الفلسطينية قال البطنيجي: إن أحداً لا يمكن أن يصدق أن جهازاً يضم 9 آلاف شرطي لا يتقاضون رواتبهم منذ سنة ونصف سنة مازال قائماً، ومازال أفراده يمارسون عملهم بكل تفانٍ وإخلاص وإتقان, مشيراً إلى أن جهاز الشرطة بالرغم من الوضع الصعب الذي يعيشه ويعيشه أفراده، فإنه لا يكاد يكون له مثيل في الوطن العربي، موضحاً أن معدل الجرائم المتراجع، وسرعة إلقاء القبض على أصحاب القضايا المختلفة يؤكد هذا الكلام.

وأوضح البطنيجي لـ”المجتمع” أن جهاز الشرطة هو مؤسسة مترابطة قوية، وكل من يعمل ضمن هذا الجهاز أخذ على عاتقه العمل المتواصل خدمة للوطن والمواطن بدون النظر لموضوع الراتب, لافتاً إلى أن الشرطة قدمت أكثر من 300 شهيد في الحروب التي تشنها سلطات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، وأكد أن من يقدم الدم لا يتوانى عن تقديم الجهد من أجل حماية المجتمع.

وإن كان عدم تلقيهم الرواتب منذ فترة طويلة قد أثر على طبيعة العمل والتزام الموظفين بالدوام، قال الناطق باسم الشرطة: إن عدم صرف الرواتب أثّر بلا شك ولكنه لم يحدث تأثيراً جذرياً على العمل، لافتاً إلى أن الموظفين يواجهون صعوبة في تحركهم وتنقلهم وذهابهم للعمل؛ لأن المواصلات مرتفعة وهم يفتقرون لتوفير رسوم المواصلات، ومنهم من يضطر ليأتي للعمل مشياً على الأقدام، إضافة إلى بعض المشكلات المتعلقة بالدعم اللوجستي كتوفير الوقود لسيارات الشرطة، وإعادة ترميم وبناء المواقع التي دمرتها طائرات الاحتلال الصهيوني في الحروب المتتابعة, وانقطاع التيار الكهربائي المتواصل.

استهداف مباشر

وتعد مواقع الشرطة الفلسطينية أهدافاً رئيسة لكل حرب تشنها سلطات الاحتلال الصهيوني، فغالبية المواقع قد دمرتها طائرات الاحتلال الصهيوني تباعاً في الحروب الثلاث التي شنتها دولة الكيان ضد قطاع غزة؛ مما يضطرهم للعمل في مواقع بسيطة وغير مجهزة، وهو ما يعيق تحركهم وعملهم، فضلاً عن العمل في ظروف مشوبة بالقلق والتخوف من أن تشن طائرات الاحتلال الصهيوني غاراتها على مواقع الشرطة أثناء تواجد الموظفين في مواقعهم، وذلك ما حدث في حرب “الفرقان” عام 2009م، عندما بدأت سلطات الاحتلال الصهيوني حربها على القطاع بقصف مواقع الشرطة الفلسطينية أثناء تواجد الأفراد في المواقع؛ ما أدى إلى ارتقاء ما يقرب من 180 شهيداً على رأسهم مدير الشرطة اللواء توفيق جبر.

إنجازات بالأرقام

وعن إنجازات جهاز الشرطة وكيفية تعامله مع الجرائم التي تقع قال البطنيجي: استطعنا خلال الأسابيع الماضية الكشف عن العديد من الجرائم المتعددة، لافتاً إلى الإنجازات واضحة للعيان مطمئناً المواطنين أن الأوضاع الأمنية مستقرة ولا شيء ينذر بأي خطر قريب.

وبين البطنيجي أن 98% من الجرائم الجنائية تم اكتشافها، لافتاً إلى أن المستوى الطبيعي للجرائم في انخفاض, مستشهداً على ذلك بمعدل نسبة الجرائم الذي انخفض من 32% عام 2013م إلى 24% عام 2014م, مشيراً إلى أن هذه النسبة تظهر تراجعاً واضحاً في نسبة الجريمة في الشارع الفلسطيني، على الرغم من محاولات افتعال الأزمات، ومخططات البعض لعودة الفلتان الأمني الذي كان سائداً في السنين السابقة والذي لن يعود أبداً، بحسب البطنيجي.

وثائق سرية

ومما يثبت قدرة الأجهزة الأمنية في غزة على ضبط الأمن وكشف المتورطين في تنفيذ التفجيرات التي حدثت مؤخراً، ومحاولات خلخلة الأمن، هو ما كشفت عنه وزارة الداخلية من وثائق ومعلومات واعترافات تؤكد تورط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله بإثارة الفوضى, وخلق حالة من الفلتان الأمني في قطاع غزة، إلى جانب جمع معلومات عن المقاومة الفلسطينية وأنشطتها خلال العدوان “الإسرائيلي” على غزة عامي 2012 و2014م.

وأوضح المتحدث باسم الوزارة إياد البزم في مؤتمر صحفي أن هذه الجهات سعت لاستغلال الظروف الصعبة في غزة –خاصة التي نجمت بعد العدوان – لنشر حالة من الفوضى والفلتان، من خلال القيام ببعض الحوادث الأمنية الداخلية التي شملت تفجيرات وحرق مركبات وإطلاق النار، فضلاً عن الخلافات التنظيمية داخل الحركة (فتح) التي زادت حدتها في الفترة الأخيرة وانعكست على الشارع في غزة.

يذكر أن وزارة الداخلية في غزة تمكنت على مدار السنين الماضية من الكشف عن عدد من محاولات خلخلة الأمن، كانت تهدف لإعادة حالة الفلتان، وزرع الخوف والرعب في أوساط المواطنين، وقد أثبتت الوثائق التي حصلت عليها في كل مرة تورط عدد من الشخصيات المعروفة في السلطة الفلسطينية في التخطيط لهذه الأحداث والمؤامرات.

التواصل مع الحكومة

أما عن تواصل جهاز الشرطة مع حكومة التوافق؛ فأجابنا مدير المكتب الإعلامي بحديث مختصر ممزوج بالنكتة السوداء قائلاً: حتى اللحظة لم يتم التواصل بيننا وبين وزير الداخلية رامي الحمدالله الذي هو بمثابة الأب لهذا الجهاز، مؤكداً أنهم يحاولون جاهدين الاتصال به ولكن دون جدوى، وأوضح أن هذا الجفاء واللامبالاة من قبل رئيس الوزراء ووزير الداخلية غير مقبول، ولا يصح في حق د. رامي الحمدالله الذي من المفترض أن يكون رئيس وزراء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وليس فقط رئيس وزراء لقطعة جغرافية دون أخرى، أو لجهة معينة دون أخرى.

وتبقى الأوضاع الأمنية المستقرة في قطاع غزة أفضل ما يعيشه المواطنون بعد إنهاء ظاهرة الفلتان الأمني، وسد كافة المنافذ على مخططي الفلتان، ومفتعلي الأزمات لتحقيق أغراض سياسية، وهو ما أثبتته الوثائق المسربة والتي حصلت عليها الأجهزة الأمنية في غزة.

 

Exit mobile version