تقرير: دعم الخليج دون احتياجات التنمية بمصر

عبدالحافظ الصاوي

في إطار الحملة التي صاحبت الإعداد لمؤتمر “مستقبل مصر”، انتظر الكثير أن تكون المساهمات الخليجية بالمؤتمر بمثابة مشروع “مرشال” العربي، بأن تقوم الصناديق الخليجية التي تمتلك أرصدة تقدر بنحو 1.8 تريليون دولار – في يناير 2014م – بتحقيق ما تعرفه أدبيات التنمية بالدفعة القوية، كأن تضخ هذه الصناديق مبلغ 50 ملياراً أو 60 ملياراً، في شكل استثمارات حقيقية بقطاعات الصناعة والزراعة والبنية الأساسية.

ولكن في ضوء المعلن اليوم – الجمعة 13 مارس – بالكلمات الافتتاحية للمؤتمر، أسفرت المشاركة الخليجية عن تقديم دعم يقدر بـ12 مليار دولار لدول السعودية والكويت والإمارات، بالإضافة إلى 500 مليون دولار من سلطة عُمان، تقدم في شكل معونة على مدار 5 سنوات، منها 250 مليون دولار كمنحة لدعم السيولة المالية، و250 مليوناً كاستثمارات.

حظي احتياطي النقد الأجنبي المصري بـ3.25 مليار دولار، من خلال الودائع التي ستقدمها دول الخليج الأربع لمصر في شكل ودائع بالبنك المركزي، وبنسبة تصل إلى 26.5% من إجمالي الدعم الخليجي، ولكن ينبغي أن نستحضر أن قطر سوف تسترد في أكتوبر القادم آخر ودائعها بالبنك المركز المصري بنحو 1.25 مليار دولار، وعلى ما يبدو أن الودائع الخليجية أتت في إطار تغطية احتياطي النقد المصري، حتى لا ينكشف وينخفض لما دون سقف الـ15 مليار دولار خلال عام 2015م.

ومما يثير المخاوف الأخرى بخصوص الودائع الخليجية الجديدة بالبنك المركزي المصري، أن المبلغ المقدم لا يمكنه أن يقدم دعماً حقيقياً لفترة تغطي الأجل المتوسط أو الطويل لاحتياطي النقد الأجنبي، فبالكاد يكفي من شهرين إلى ثلاثة أشهر.

وبخاصة أن السوق المصرية تعاني من أزمة حادة في توفير الدولار بعد القيود التي فرضها البنك المركزي للحد من توسع السوق السوداء في سعر الصرف، فمن قبل شكت مصانع الحديد من هذا الإجراء، وكذلك الشعبة العامة للمستوردين.

ومما يساعد على استمرار أزمة الدولار، أن مصر مازالت تعاني من تعثر بعض المصادر الرئيسة لتدفقات النقد الأجنبي من قطاعي السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، فضلاً عن التداعيات السلبية الخاصة بالنفط.

ندرة مخصصات الاستثمار

يلاحظ أن المبلغ الذي بقي من الدعم الخليجي والذي من المفترض أن يوجه للاستثمار بمصر، سيكون بحدود 9.25 مليار دولار، ولا يضمن أن تتدفق لمصر خلال عام 2015م، فبالرجوع لكلمات ممثلي السعودية والإمارات وجد أن السعودية لم تحدد عام 2015م لضخ 3 مليارات دولار، وإنما سيكون ذلك من خلال صندوق التنمية السعودي لدعم مشرعات تنموية، وكذلك دعم الائتمان الخاص بالصادرات السعودية لمصر، وكذلك استثمارات القطاع الخاص السعودي بمصر.

وهو ما يعني أن الأمر على التراخي، وأن مشروعات مصر المقدمة للمؤتمر ذهبت أدراج الرياح، فلم يعلن الجانب السعودي عن تبني مشروعات بعينها من بين نحو 400 مشروع قدمتها الحكومة المصرية للمشاركين بالمؤتمر عبر الوزارات والهيئات المختلفة والمحافظات.

ثم إن ربط جزء من مخصصات السعودية لتنشيط الاقتصاد المصري بدعم ائتمان الصادرات السعودية لمصر، يأتي في إطار السوق المصري كمستهلك للمنتجات السعودية، في حين أن مصر تحتاج إلى استثمارات على أراضيها، وليس زيادة حجم وارداتها سواء من السعودية أو غيرها من الدول، فالناتج المحلي الإجمالي بمصر يعاني من اعتماده على الاستهلاك بنحو أكثر من 90%، وتدني نصيب الاستثمار لنحو 7% أو 8%، مما زاد من معدلات البطالة والفقر.

أما الإمارات فقد خصصت نصف دعمها لمصر في المؤتمر لصالح تنشيط الاقتصاد المصري، أو ما يمكن أن نعتبره استثماراً، وأيضاً دون تحديد لمشروعات، ولكنها ستكون من خلال مبادرات سيعلن عنها لاحقاً، وكأن إعداد مصر لمشروعات ترتبط باحتياجاتها التنموية شيئاً لم يكن، فالإمارات هي التي ستحدد المبادرات التي تضخ فيها مخصصاتها لدعم الاقتصاد المصري بنحو  ملياري دولار.

ولم تخرج الكويت عن الأداء السعودي والإماراتي، فيما يخص من تعميم مساهمتها الاستثمارية، غير أنها لم تدرج في دعمها مبالغ كودائع بالبنك المركزي المصري، وأتى الحديث عن مبلغ الـ4 مليارات دولار التي خصصتها الكويت لدعم الاستثمار في مصر، بأنه سيتم من خلال مؤسسات الاستثمار بالكويت، وأنها ستكون في قطاعات الاقتصاد المصري المختلفة، ومن خلال الأدوات الاستثمارية المختلفة.

ففي حين تراهن مصر على عنصر الوقت في ضخ استثمارات الخليج، نجد أن الدول الأربع التي تعهدت بضخ استثمارات، لم تلزم نفسها بوقت، ولا بمشروعات؛ مما يعني اختلاف الاهتمامات، وعدم تقدير للتوازن بين الدفع بهذه الاستثمارات ووقت الاحتياج إليها بمصر.

دلالات الموقف الخليجي على مصر

بلا شك، فإن مصر ستظل تعيش أزمة تمويلية حادة خلال السنوات القادمة، فالدعم الخليجي أتى ليكون بمثابة مسكنات، وليس مساعدة في الحل والوصول بمصر إلى وضع تنموي يفضي بها للاستقرار الاقتصادي المنشود.

إن دخول 850 ألف فرد لسوق العمل بمصر، يتطلب وصول معدلات النمو لنحو 7% سنوياً ولفترة متصلة لا تقل عن 10 سنوات؛ وهو ما يعني حصول مصر على استثمارات صافية تقدر بنحو 20 مليار دولار، لسد فجوة التمويل.

إن الدفع بمبالغ تخص دعم احتياطي النقد الأجنبي شيء إيجابي، ولكن في النهاية هو التزام على مصر، سيتم سداده، حتى وإن كانت تكلفته التمويلية صفر، فمصر مع حلول عام 2020م ستكون مطالبة بدفع نحو 15 مليار دولار، في شكل رد الودائع التي حصلت عليها من دول الخليج وليبيا وتركيا.

فلو أن هذه المبالغ وجهت للاستثمار المباشر لتمثل ضخاً جديداً للنقد الأجنبي في شرايين الاقتصاد المصري، لهدأت من أزمة النقد الأجنبي بمصر، ولكن كونها ودائع تضيف عبئاً على صانع السياسة المالية؛ حيث يكون عليه ضغط تدبير هذه الالتزامات في الآجال المحددة لها.

إن تحليل مضمون خطاب المتحدثين باسم دول الخليج، يقضي على آمال أن تكون مساهمات القطاع الخاص بهذه الدول يمثل إضافة إلى مساهمة الحكومات، فقد أشارت كلمات المتحدثين إلى أن مساهمات القطاع الخاص تأتي إجمالًا في إطار تعهداتهم بضخ مبلغ 12.25 مليار دولار.

وإذا كان رهان مصر على مساهمات الخليج باستثمارات تقوي التنمية في مصر قد اتضحت معالمه، وأنه يساهم دون أن ينجز المهمة، فهل ستراهن مصر مرة أخرى في اللجوء لدول الخليج من باب القروض؟ الأمر وارد، ولكن ما الاستعدادات الخليجية؟ هل ستكون في إطار أدائها في مجال الدعم والاستثمار المباشر، أم ستقدم قروضاً تمكن مصر من سد احتياجاتها التنموية؟

البحث عن مصدر آخر

لن يكون أمام مصر سوى البحث عن مصادر أخرى لسد فجوتها التمويلية، سواء فيما يتعلق بالالتزامات الجارية أو متطلبات التنمية، ولكن في ظل الظروف الدولية التي يعيشها الاقتصاد العالمي، فإن فرص مصر سواء في مجال استقدام استثمارات أو الحصول على قروض سيكون لها اعتبارات مكلفة، وبخاصة أن مصر لم تصل بعد إلى الاستقرار السياسي والأمني.

هل ستفكر مصر في عقد مؤتمرها بشكل سنوي كما صرح رئيس الحكومة المصرية؟ ليكون أداتها في جلب الاستثمار، وهل ستكون المحصلة بنفس المستوى الذي حدث هذا العام؟ نعتقد أن الأمر يطرح العديد من الأسئلة التي تتطلب إجابات قد تتبلور خلال الفترة المقبلة، حسب التزام دول الخليج في الوفاء بما وعدت به على الرغم من قلته.

Exit mobile version