حلف شرق أوسطي جديد يحقق مصالح تركيا والسعودية

هيثم الكحيلي

الواقع يقول: إن الجمهورية التركية باتت في حاجة إلى حلفاء إقليميين أقوياء، وكذلك المملكة السعودية، والنظام المصري، وكذلك باتت منطقة الشرق الأوسط في حاجة ملحة لحلف إقليمي جديد ينقذها من الفوضى الناتجة عن تفتت القوى وتعدد الأقطاب وكثرة النزاعات.

وبالنسبة لتركيا، يعتبر الملف الاقتصادي هو الدافع الأساسي نحو المشاركة في هذا الحلف الجديد، فرغم استفادة تركيا بشكل كبير من انخفاض أسعار النفط؛ بدأ الاقتصاد التركي يتضرر بشكل كبير؛ بسبب الارتفاع الحاد للدولار الأمريكي، وعجز الدولة التركية عن الحفاظ على استقرار قيمة العملة التركية في مقابل الدولار.

وأما الدافع الأساسي للمملكة السعودية، فيتمثل في وقوعها في فخ الهلال أو الكماشة الإيرانية، حيث أصبحت الآلة الإعلامية التابعة للحرس الثوري الإيراني تروج وتباهي وتفتخر بالجنرال “قاسم سليماني” الذي يقود – علنياً – جيوشاً طائفية في سورية والعراق، ويحرك أخرى في اليمن، وينظر لأخرى في لبنان، ولن يطول الوقت حتى تقرر الإدارة الإيرانية ابتزاز المملكة في عقر دارها، سواء عبر إثارة الفتن الطائفية في الداخل السعودي، أو عبر دفع تنظيم “داعش” لفتح الجبهة السعودية.

وأما في مصر، فتتمثل المشكلة الأساسية التي ترهق نظام الجنرال “عبدالفتاح السيسي” في فشله إلى الآن في استرجاع صورة الدولة المصرية القوية المتماسكة والمستقرة داخلياً والمؤثرة إقليمياً؛ وذلك بسبب معاداته لكل القوى السياسية المصرية سواء كانت داعمة أو رافضة لانقلاب 3 يونيو 2013م، فضلاً عن اعترافه بعجزه عن تنظيم انتخابات تشريعية حتى وإن كانت شكلية، وكذلك بسبب تحركاته الشاذة عن الموقف العربي حيال قطاع غزة وعن الموقف الأممي في ليبيا.

ولإنقاذ اقتصادها وتقويته وتنميته، ستحتاج تركيا للاستثمارات السعودية خاصة والخليجية عامة، في حين ستحتاج السعودية لحليف بمكانة تركيا في النظام العالمي وفي الشرق الأوسط، وستحتاج أيضاً ضمان وجود الجمهورية المصرية ضمن هذا الحلف؛ لأن غيابها عنه سيجعل نظامها يقف أمام خيارين كلاهما مضر بمصالح المملكة؛ أولهما يتمثل في تقرب نظام “السيسي” من المعسكر الإيراني الروسي، وثانيهما يتمثل في فشل النظام وتدحرجه بجدية صوب حالة الانفجار الأمني التي تعيشها كل من سورية والعراق واليمن وليبيا.

ولأن أي مصالحة بين أي مجموعة من الأطراف تحتاج على الأقل خطوة واحدة من كل طرف، وإن كانت الخطوة التركية تجاه مصر قد تمثلت في تخفيض الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” من خطابه الحاد ضد النظام المصري وتلميحه إلى إمكانية تغير موقفه في حال وجود “تغيرات جدية في مصر”؛ فإن الخطوة المنتظرة من النظام المصري قد تتمثل في إطلاق عملية سياسية جديدة يفتح فيها باب “المشاركة” أمام “الجميع”.

هذا التحالف الذي سيخدم مصالح تركيا والسعودية ومصر، وسيحقق توازناً جديداً في الشرق الأوسط، سينعكس على باقي دول المنطقة، حيث ستجني دولة قطر ثمار إصرارها في السنوات الماضية على عدم التصادم مع المملكة السعودية، وعلى عدم الابتعاد عن تركيا في نفس الوقت، وستكون ذات مكانة رفيعة في هذا الحلف الجديد، في حين ستضطر دولة الإمارات إلى مراجعة سياساتها، وأن تختار ما بين أن تكون جزءاً من الحلف الجدي أو لا تكون.

وفي الحقيقة – وإن كان أمام المصريين فرصة للتفكير ما بين القبول والتمرد – لن يكون خيار عدم القبول بالحلف الجديد أمراً مطروحاً للنقاش أمام الإماراتيين، إذ إن عدم الجلوس على هذه الطاولة يعني أحد خيارين؛ إما العزلة التي لن تستطيع الإمارات تحملها، وإما الجلوس على طاولة الإيرانيين والقبول بشروطهم وتلبية مطامعهم، وهو خيار لن تقبل به الإمارات العربية المتحدة.

 

Exit mobile version