رحلة الإسلام السياسي في المغرب العربي

بينوا ديلما

في بلدان المغرب العربي، اكتشف الناس أن حقيقة الإخوان المسلمين أكثر تعقيداً وعمقاً مما تصوره الكثيرون.

ما إن تتم إثارة موضوع الإخوان المسلمين في أي حوار في مجالس البرجوازيين في تونس والرباط حتى تسمع سيلاً من الادعاءات و”الكليشيات” من قبيل: “إنهم يريدون إعلان الخلافة، إنهم يريدون ممارسة الإرهاب على غرار “مرسي”، إنهم ممولون من قبل قطر”.. ويعزى هذا الحكم المسبق إلى أن هؤلاء المعارضين الشرسين للإخوان يتناولون هذه الحركة من خلال قراءة أيديولوجية بحتة، ويغفلون عن كونها متنوعة في داخلها أكثر مما قد يخطر ببالهم.

بين حركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية المغربي، وحركة مجتمع السلم الجزائرية، والمجموعات المسلحة التي تتقاطع في ليبيا، الفروقات بين مختلف هذه الحركات ليست بسيطة، ولا يمكن تجاهلها، والطريق التي رسمها أبناء حسن البنا انطلاقاً من مصر وفي اتجاه كل الدول العربية أفضت إلى عدة نتائج متباينة.

بدايات حركة الإخوان المسلمين:

في البداية، كان حسن البنا مدرساً شاباً متخرجاً من مدارس الجمهورية المصرية، وعازماً على تغيير حالة الضعف التي تمر بها بلاده والتي سببها – حسب رأيه – التعصب والجمود الفكري لعلماء الدين، وأسس جمعية خيرية إسلامية هدفها الأول تكوين الفرد المسلم، وكان البنا يمتلك إستراتيجية يريد تحقيقها على مراحل؛ من خلال نشر الوعي على المستوى الفردي، ثم العائلة، ثم المجتمع ككل، وبعد ذلك تأتي المرحلة الأخيرة وهي تغيير أسلوب الحكم والدولة والعلماء.

وقد اتسمت العلاقة بين الجماعة والدولة بالتوتر، فقد تعرضت للمنع عام 1948م، والقمع والاضطهاد تحت حكم “جمال عبدالناصر”، ثم عادت للبروز في فترة حكم “السادات” خلال سنوات السبعينيات، وساهمت هذه الطريقة في انتشار الحركات الإسلامية في باقي الدول العربية.

وفي عام 2011م أدى اندلاع “الربيع العربي” إلى سقوط أنظمة “بن علي” في تونس، و”مبارك” في مصر، ثم “القذافي” في ليبيا مثل أحجار “الدومينو”، ثم تم انتخاب “محمد مرسي” رئيساً لمصر، ولكن في عام 2014م نفّذ الجيش المصري الذي يسيطر على مفاصل الاقتصاد المصري انقلاباً عسكرياً بقيادة الفريق “عبدالفتاح السيسي” الذي ارتدى بدلة الرئيس وألقى بقيادات ونشطاء الإخوان المسلمين في السجون وانطلق في عملية القمع الممنهج لهم.

كتاب جديد يتناول الإخوان المسلمين

أصدرت دار Gaalade للنشر إصداراً جديداً للكاتب والصحفي “بيار بيشو”، يتناول تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم العربي، فيما يشبه الحوصلة لما حققه الإسلام السياسي وهو في السلطة، ورد فيه أنه منذ البداية كانت كل الآراء تشير إلى أن الحصيلة سلبية، بل واعتبرها البعض كارثية من تونس إلى الرباط بين عامي 2011 و2015م، ويعرض هذا الكتاب القيّم صورة دقيقة للأوضاع المختلفة حسب كل دولة، ويهدف إلى البحث في أعماق نظرية “خريف الحركات الإسلامية”.

مصر: مساعي “السيسي” لاجتثاث خصومه

يقول “برنار روجيي”، مدير مركز التوثيق والدراسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية: إن تعامل الدبلوماسية الفرنسية مع مجزرة الإخوان المسلمين التي ارتكبها “السيسي” يمثل فضيحة لفرنسا؛ لأن المسؤولين الفرنسيين لا يفهمون شيئاً مما يجري في المنطقة، وسياستنا منحازة وبرجماتية ولا تراعي غير المصالح الاقتصادية، وأكبر دليل على ذلك هو صفقة بيع طائرات “الرافال”، لم يتردد نظام “السيسي” في قتل النساء والأطفال، وتشير التقديرات اليوم إلى وجود أكثر من عشرين ألف سجين سياسي في هذا البلد الذي طغت فيه السياسات الاستبدادية على كل شيء، وأصبحت فكرة ربط الإخوان المسلمين بالتطرف عائقاً أمام أي محاولة لفتح قنوات الحوار، رغم أن هذا الحوار هو الطريقة الوحيدة لبناء الديمقراطية في مصر.

وحرمان الإسلام السياسي من المشاركة في الحياة العامة لا يمثل غير امتداد للسياسات الوضيعة للمحافظين الجدد الذين برزوا على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، وهي توصف بالوضيعة لأنها لا تعبر عن طموحات الشرق الأوسط الكبير، وأدت إلى انفجار كبير للحركات الإرهابية في سيناء.

تونس: الحصيلة السياسية لحركة النهضة

حصيلة حركة النهضة في الحكم تبدو للوهلة الأولى سلبية، حيث فشلت في فرض إصلاحات هيكلية في وزارتي العدل والداخلية، ولم تتمكن من تنفيذ برامجها الاقتصادية، كما حصلت في عهدها اغتيالات سياسية ذهب ضحيتها شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، ولكن رغم كل هذه المشكلات نجحت حركة النهضة في تنفيذ أجندة وطنية توافقية، فعندما التقى راشد الغنوشي، بالباجي قائد السبسي في باريس كان قائد السبسي حينها لا يمثل أحداً غير نفسه، ولكن الغنوشي في ذلك الوقت كان يسعى لفتح المجال السياسي وإرساء الحوار، وفي النهاية يمكننا القول: إن حركة النهضة فشلت في أشياء معينة، ولكنها نجحت في إرساء ديناميكية سياسية إيجابية في تونس، ورغم بعض الإخفاقات خرجت حركة النهضة من الحكم مرفوعة الرأس تاركة وراءها دستوراً يعدّ إنجازاً كبيراً.

في الجزائر: الإخوان المسلمون يتعرضون للتهميش في بلد منهك سياسياً

تبدو الوضعية في الجزائر غير واضحة، فالأحزاب المنبثقة عن الإخوان المسلمين مثل حركة مجتمع السلم لم توجد لنفسها مكاناً، واعتمد النظام الحاكم سياسة اتهامهم بالفساد، من خلال منح حركة مجتمع السلم وزارات حساسة لإيقاعهم في الفخ مثل وزارة التجارة، ووزارة الصيد البحري؛ وهو ما سبب لهم صعوبات كثيرة في ظل مجتمع استهلاكي وغير مسيّس.

وقامت الدولة منذ عام 2011م بصرف عشرات المليارات بحجة مساعدة الشباب الراغبين في بعث المشاريع دون أي مراقبة أو محاسبة على كيفية صرف هذه الاعتمادات في ظل دولة تعاني من التصحر السياسي.

في المغرب: الإسلاميون ينتمون للنخبة الحاكمة

أصبح حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء عبدالإله بن كيران حزباً برجوازياً تابعاً للنظام الحاكم، وقد فهم الملك هذا جيداً بفضل قدرته الفائقة على التأقلم مع المتغيرات والاستحقاقات الراهنة، وبعد حركة 25 فبراير قرر الرد عبر الضغط على حزب العدالة والتنمية الذي لم يسعَ وراء إصلاحات، بل قبل بممارسة الحكم تحت عباءة الملك.

ويبدو أن حزب العدالة والتنمية مهتم بمصالحه الخاصة في ظل دكتاتورية مهيمنة، ففي خضم مشكلات الصحراء الغربية ومسألة الحريات العامة والسجناء السياسيين والفضائح المالية حول ممتلكات القصر وعدة قضايا أخرى تبرز فساد النظام الحاكم فضّل حزب العدالة والتنمية التزام الصمت.

في ليبيا: الإخوان يسعون لحل سياسي

خلال أول انتخابات حرة تشهدها ليبيا، حاز الإخوان المسلمون على 17 مقعداً في مجلس النواب الليبي، ورغم هذا العدد المحدود فهم يعتبرون شريكاً مسؤولاً ومؤثراً يمكن الاعتماد عليه لتحقيق الاستقرار، ولكن العائق الأكبر الذي يواجهه هو الحرب التي تشنها بعض الدول ضدّ كل حركات الإخوان المسلمين في الدول العربية، وفي عام 2012م كانت الآمال قائمة في فتح قنوات الحوار لتخطي الأحكام الخاطئة، ولكن تبقى المشكلة هي الأحكام الخاطئة فيما يخص ليبيا؛ مثل الاعتقاد أن القبائل الليبية والتدخل الأجنبي هما سببا تأزم الوضع الليبي، وتناسي المساعي المحمومة التي يبذلها “خليفة حفتر” لاجتثاث خصومه والقضاء عليهم.

 

المصدر: صحيفة “لوبوان” الفرنسية

الرابط: http://afrique.lepoint.fr/actualites/maghreb-freres-musulmans-voyage-en-islam-politique-13-03-2015- 

Exit mobile version