خبراء: اتفاقيات شرم الشيخ “مذكرات تفاهم” والإعلام يعتبرها فتحاً اقتصادياً

 

إبراهيم الطاهر

علقت الحكومة المصرية آمالاً عريضة على نتائج المؤتمر الاقتصادي الذي دعا له العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحت اسم “مؤتمر المانحين”؛ لجمع مساعدات مالية واقتصادية لمصر عقب 30 يونيو 2013م، واستضافته مصر على مدار ثلاثة أيام متتالية تحت عنوان “مصر المستقبل” في منتجع شرم الشيخ.

ورغم الحملات الدعائية والمبالغ فيها التي تبنتها وسائل الإعلام المصرية على مدار السبعة أشهر الماضية في الترويج للمؤتمر، فإنها عكست قدراً كبيراً من الارتباك وتضارب التصريحات التي جاءت على لسان بعض الوزراء والمحافظين والمسؤولين عن تنظيم المؤتمر، وحملت تخوفات المستثمرين ورجال الأعمال المصريين والأجانب.

وقد شهدت وقائع جلسات المؤتمر إعلان كل من السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عُمان تعهدهم بدعم اقتصاد مصر، وتقديم مساعدات لمصر تقدر بـ12.5 مليار دولار؛ حيث أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن ضخ استثمارات إماراتية في مصر تبلغ نحو 4 مليارات دولار (مليارا دولار وديعة وملياران استثمارات)، وتعهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ولي عهد السعودية، بتقديم المملكة حزمة مساعدات بـ4 مليارات دولار لمصر (مليار وديعة و3 مليارات استثمارات).

 وكذلك أعلن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، عن ضخ استثمارات كويتية في مصر تبلغ نحو 4 مليارات دولار، فيما قدمت سلطنة عُمان مبلغ 500 مليون دولار (250 وديعة في البنك المركزي، و250 استثمارات لمشروعات في مصر).

المؤتمر الذي شارك فيه وفود من 89 دولة منها 59 دولة أكثر فقراً من مصر، و10 دولة على قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، قالت الحكومة المصرية: إن تكلفة المشروعات التي طرحتها على الحكومات والمستثمرين خلال المؤتمر قدرت بـ50 مليار دولار، وقال وزير المالية المصري هاني قدري دميان خلال المؤتمر: إن “الكلفة الاستثمارية لمشاريع المؤتمر تراوح بين 50 و60 مليار دولار”.

آمال عريضة

وتعول الحكومة المصرية بل الدولة ومؤسساتها الكثير على نتائج هذا المؤتمر، آملة أن تساعد نتائجه على استعادة الثقة في اقتصاد منهك بعد سنوات من الاضطرابات السياسية منذ عام 2011م، وإحداث طفرة اقتصادية تدعم توافر الاستقرار.

وبلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو الماضي 2013/2014م نحو 4.7 مليار دولار بعد أن سجلت نحو 8 مليارات دولار خلال العام المالي 2008/ 2009م.

لكن الاتفاقيات التي تحتفي الحكومة المصرية بإبرامها مع عدد من الشركات الاستثمارية الكبرى خلال جلسات المؤتمر، والتي اعتبرها مراقبون مجرد مذكرات تفاهم، أعلن البرلمان المصري الذى شكله عدد من نواب مجلس الشعب في إسطنبول؛ أن الشعب المصري غير ملزم بأي اتفاقات يتم إبرامها مع حكومة إبراهيم محلب في المؤتمر، وأعلن عدد من الأحزاب السياسية والقوى الوطنية والحركات الشبابية في مصر أن هذه الاتفاقيات هي والعدم سواء، وأن الشعب المصري غير معني بها.

وقال د. عمرو دراج، وزير التعاون الدولي في حكومة د. هشام قنديل: إن أي اتفاقية أو تسوية أدخلت حيز التنفيذ من قبل هذا النظام لن تحترم من جانب أي حكومة وطنية بحق في المستقبل، وكل حالة ستقيم حسبما تستحق لضمان أنها تخدم بشكل حقيقي مصالح واحتياجات مصر والمصريين.

احتفاء الإعلام المصري المبالغ فيه بنتائج المؤتمر الاقتصادي، يقابله تخوفات الكثير من عدم انعكاس تلك النتائج على أرض الواقع، وأغلب تلك التخوفات ترى أن المؤتمر الاقتصادي فشل في تحقيق أهدافه، مؤكدين أن معظم المشروعات التي تم الإعلان عنها خدمية وليست إنتاجية، ومنهم من اعتبر المؤتمر مجرد وسيلة للاقتراض من الخارج؛ ستؤدي إلى تضخم محفظة الدين العام، فيما شبهه البعض بمؤتمر الاقتصاد المصري عام 1982م في عهد  “مبارك”، وما جناه من فشل سحيق؛ نظراً لاعتماده على الخطب والكلمات الرنانة دون النظر إلى واقع الاقتصاد المصري حينها.

وقال الخبير الاقتصادي رائد سلامة: إن المشروعات التي أعلن عن طرحها في المؤتمر الاقتصادي تصب في اتجاه الاقتصاد الريعي “غير المنتج” الذي يعتمد علي الخدمات، مثل السياحة والبترول الخام وطاقة الرياح والشمس وتجارة الأراضي والعقارات.

وأضاف سلامة قائلاً: أتصور أن الدولة لو لم تتدخل بضخ استثمارات كبرى؛ فلن تكون هناك تنمية حقيقية، لكن مجرد نمو هش على نفس نسق ما كان يحدث أيام “مبارك”، مشيراً إلى أن تأثير نتائج المؤتمر سيكون محدوداً جداً على الاقتصاد، وسيزيد من هشاشته؛ لأنه لم يغير نمطه من ريعي إلى تنموي، كما أن للتعديلات الجديدة في قوانين الاستثمار خطورة واضحة بمنح المستثمرين أياً كانت جنسياتهم الحق في شراء الأراضي والعقارات بمصر، كما أن هؤلاء المستثمرين لن يكونوا ملتزمين وفقاً لتلك التعديلات بنسب تشغيل معينة للمصريين؛ وبهذا يمكنهم استجلاب عمالة من الخارج بما يزيد من أزمة البطالة في مصر.

تداعيات وخيمة

تخوفات الخبراء والمحللين الاقتصاديين توافقت مع دراسة أعدتها “المؤسسة الألمانية لدراسات السياسة الدولية والأمن”، قالت: إن الاستثمار في مصر مع استمرار أوضاعها الراهنة مغامرة محفوفة بالمخاطر.

وشككت الدراسة التي جاءت تحت عنوان “إستراتيجية مصر غير المقنعة للنمو.. بناء على الرمال” في إمكانية جذب الحكومة المصرية لرؤوس أموال خارجية ضخمة لتمويل مشروعات كبيرة أعلن عنها نظام “عبدالفتاح السيسي” ولا يمكن إقامتها بدون تمويل خارجي.

وأشارت إلى احتمال تسبب نهج “السيسي” الاقتصادي في ظل استمرار الركود في مزيد من تردي الأوضاع المعيشية للسكان وإطلاق احتجاجات فئات واسعة.

وقالت الدراسة: إن أزمة مصر الاقتصادية مرتبطة بأزمة في ميزانيتها، ولا يبدو أي أمل منظور بحل الاثنتين في ضوء الإعلان رسمياً عن ارتفاع ديون مصر بنسبة 11% في العام 2014م لتشكل 94% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، كما عجز نظام “السيسي” عن إيقاف ارتفاع مستوى عجز الموازنة البالغ 13.7% إلا بواسطة مساعدات مالية وقروض وهبات نفطية بقيمة 23 مليار دولار قدمتها بعض دول الخليج لمنع إفلاس مصر.

ولفتت الدراسة إلى أن عجز إستراتيجية “السيسي” للنمو عن تحقيق فرص عمل مستدامة، وفشل مؤتمر شرم الشيخ في إعطاء زخم اقتصادي طويل الأمد؛ سيفتح الباب أمام النظام الحالي للسعي إلى الاحتفاظ بالسلطة لمواجهة احتجاجات سخط فئات مرشحة للتزايد من المصريين بمزيد من القمع؛ وهو ما ستكون له تداعياته الوخيمة على الاقتصاد، وما سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار.

وقد شهدت مصر قبيل انعقاد المؤتمر بأسابيع قليلة أحداثاً قال خبراء: إنها أثرت سلباً على نتائج المؤتمر، أهمها وفاة الملك عبدالله، صاحب الدعوة للمؤتمر، والتسريبات المنسوبة لـ”عبدالفتاح السيسي”، ومدير مكتبه اللواء “عباس كامل”، التي بثتها بعض الفضائيات، وتم تعديل موعد وجدول أعمال المؤتمر أكثر من مرة.

ولفت خبراء ومحللون إلى أن وقائع جلسات المؤتمر وطبيعة الوفود المشاركة والنتائج المترتبة عليه كشفت ما يمكن تسميته بالتوتر المكتوم في العلاقات بين “السيسي” وبعض دول الخليج التي أعلنت دعمها لمصر بـ12.5 مليار دولار فقط، وهي أقل بكثير مما قدمته نفس الدول لدعم “عبدالفتاح السيسي” على مدار العام والنصف الماضيين من مساعدات قدرت بنحو 23 مليار دولار.

انتقادات حادة

اللافت للنظر أن عدداً من رجال الأعمال الداعمين لنظام “عبدالفتاح السيسي” هاجموا المؤتمر بشدة، وقال رجل الأعمال المصري الشهير ورئيس اتحاد المستثمرين محمد فريد خميس معلقاً على المؤتمر: إن المستثمر الأجنبي الحقيقي لن يدخل أي بلد طالما أنه يعرف أن المستثمرين المحليين في هذا البلد يعانون؛ لأن استثماراته تقوم على الشراكة في الغالب مع المستثمرين المحليين.

وأضاف خميس أن مصر بها مستثمرون وأموال تغنيها عن الاستثمارات الأجنبية، المهم تذليل العقبات، واستطرد قائلاً: على الأقل المستثمر المصري يسهل توجيهه نحو الاستثمار في منطقة معينة لأسباب اجتماعية أو قومية، كما أنه يضع البعد الاجتماعي والتنموي نصب عينيه عندما يفكر في ضخ الأموال.

وفي تغريدة عبر حسابه الشخصي على موقع “تويتر”، هاجم الاستشاري والناشط السياسي ممدوح حمزة المؤتمر بشدة وقال: “الحكومة تلجأ للاستثمار الخارجي متخلية عن دورها في التنمية”؛ مما يعود بالنفع على المستثمر الأجنبي ويخسِّر مصر “عائد التميز العيني”.

وأضاف حمزة في تغريدته أن الحكومة المصرية “ستعطي الكثير للمواطن الكادح”، متابعاً بسخرية بأنها لن تعطي المواطن إلا الفقر والذل، وأن المؤتمر سيكون سبباً في فقدان مصر جزءاً كبيراً من مواردها نظير الفتات.

من ناحيته، قال وكيل لجنة الصناعة السابق في مجلس الشعب، وأحد المستثمرين في قطاع التعدين المهندس ممدوح حسني: من يتوقع أن المستثمر الأجنبي أو المحلي سيأتي لضخ أمواله لمساعدة مصر فهو واهم؛ لأن الهدف هو الربح والبحث عن تحقيق الاستفادة، وهذا يتطلب دراسات جيدة لنوعية المشروعات المطروحة، وصياغة اتفاقات وعقود تضمن للدولة تحقيق العائد للشعب والاقتصاد المصري.

وسائل إقناع

واستخدمت الحكومة المصرية كل السبل والوسائل الممكنة للترويج للمؤتمر، فيما اعتبرها البعض بتنازلات وخضوع لابتزاز المستثمرين، وكان من أهمها إقرار تعديلات تشريعية على حزمة من القوانين المتعلقة بالاستثمار في مصر، وتضمنت تعديلات القوانين التي أقرتها الحكومة تعديلات على بعض أحكام قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة، وقانون الضريبة العامة على المبيعات، وقانون ضمانات وحوافز الاستثمار، وقانون الضريبة على الدخل؛ حيث تضمنت التعديلات حوافز غير ضريبية لتشجيع وزيادة الاستثمار.

وفي سياق الحملات الدعائية للحكومة المصرية في الترويج للمؤتمر، أصدر مفتي الجمهورية شوقي علام تصريحاً صحفياً قال فيه: إن التكاتف لإنجاح مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي واجب شرعي ووطني على جميع المصريين.

 وأضاف علام أن المؤتمر الاقتصادي يعود نفعه على الأمة؛ مما يتوجب علينا شحذ الهمم واستنهاضها للعمل والتنمية وإشاعة ثقافة الإعمار.

 وقال المفتي: إن نجاح مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي دليل واقعي على انحسار الإرهاب الأسود، ودليل على عزيمة الإرادة السياسية في البناء والتعمير دون تأثر بأفعال السفهاء التي تريد العودة بمصر إلى الوراء.

وحذر علام مما وصفه بالمكائد التي تحاك لهذا الوطن لكي لا ينهض، وقال: هناك من يسعى للوقوف أمام قطار البناء والإعمار، وإفشال أي جهود من شأنها رفع المعاناة عن كواهل الأمة. 

Exit mobile version