“أقوى من الدولة” تحرم المصرية للاتصالات من حقها “المحمول”

في 25 مارس الحالي، تنعقد الجمعية العمومية للشركة المصرية للاتصالات، أقدم مشغلي الاتصالات في المنطقة العربية، التي يتجاوز عمرها مائة وستين عاماً، وكانت أول من أدخل خدمة المحمول في البلاد نهاية تسعينيات القرن الماضي.

ستعلو أصوات ممثلي الشركة وحاملي الأسهم خلال انعقاد الجمعية العمومية، متسائلة عن أسباب التأخير غير المبرر وربما المتعمد لحق الشركة في الحصول على رخصة تشغيل شبكة محمول، فيما يعرف بالرخصة الموحدة التي تتيح لكل من يعمل في قطاع الاتصالات المصري الحصول على رخصة تشغيل ما تود تقديمه للجمهور من خدمات، بحيث تحصل شركات المحمول على رخصة لتشغيل الهاتف الثابت، والعكس.

ولن يحصل المتسائلون على إجابة شافية من قيادات الشركة وخاصة المهندس محمد النواوي، الرئيس التنفيذي للشركة، الذي سألته مؤخراً نفس السؤال الذي سيواجهه قريباً: ما سر تأخر حصول الشركة على الرخصة، رغم وعود وزير الاتصالات السابق عاطف حلمي بمنحها رخصتها، وآخرها وعده بمنحها إياها قبل نهاية العام الماضي، وذهب الوزير وجاء جديد، وربما يذهب الجديد وتبقي الرخصة معلقة بعيداً عن يد المصرية للاتصالات؟

 15 عاماً مضت من الفرص الضائعة، امتلكت فيها المصرية للاتصالات رخصة للمحمول وفقدتها أكثر من مرة، بما بدا وكأن يداً ما خفية وقادرة وقاهرة فوق إرادة الحكومات المتعاقبة والأنظمة المتتالية، بل والدولة بكل مؤسساتها، تتعمد حرمان الشركة منها.

فقد تعاقبت الحكومات، وتبدلت الأنظمة، وظلت المصرية بلا محمول، بدافع من رغبة تلك القوة الغامضة التي تعلو قوة الدولة على مدى عقدين، والعابرة لقرنين.

بداية الكارثة

التاريخ القريب مريب، وبدأت الكارثة عندما تقدم المهندس “نجيب ساويرس” المستثمر المعروف الآن في مجال الاتصالات، والمغمور وقتها، تقدم للمنافسة على رخصة المحمول الثانية التي طرحتها الدولة “كليك” لتعمل إلى جانب الشبكة المملوكة للمصرية للاتصالات والمسماة الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول “موبينيل”.

كانت المزايدة بالأظرف المغلقة، وكان مبلغ “ساويرس” يقل عن مبلغ المهندس “محمد نصير” بنحو مليار جنيه تقريباً، فتمت ترسية المزايدة على “نصير”، ولكن “ساويرس” شعر بالغبن، فطلب وساطة شخصيات سياسية – ويقال: دينية أيضاً – لمقابلة الرئيس المخلوع “حسني مبارك” رأساً.

تردد أنه قال له: سيادة الرئيس، لو كان اسمي “محمد” كنت حصلت على الرخصة، فرد عليه “مبارك”: نعوضها لك المرة القادمة، فقال له “ساويرس”: فيه رخصة حكومية موجودة يافندم، وأنتم تخصخصون القطاع العام.

لا أميل لتصديق ما يشاع عن حوارات تتردد في الغرف المغلقة بين اثنين، إلا لو أكدها لي أحد أطرافها الحاضرين، لذلك سألت المهندس “ساويرس” مباشرة في حوار سابق معه: هل قلت لـ”مبارك” كذا وكذا؟ فأجاب بالإيجاب الفخور.

وعلى طريقة الأفلام المصرية القديمة، التي تصور هلع الأم وابنتها تنتزع منها، جرى انتزاع رخصة المحمول من “المصرية” ومنحها لـ”ساويرس” بالأمر المباشر، فسارع بإدخال شركاء فرنسيين بنسبة الثلث وطرح المتبقي من أسهمها مناصفة بين حاملي الأسهم في البورصة المصرية، وبينه.

بنية الاتصالات خارج الحكومة

بعد هذه الواقعة بسنوات، وتحديداً في عام 2002م، رفع المخلصون في الدولة تقارير للرئاسة تبين خطر وجود بنية المحمول الأساسية في يد غير حكومية، فقامت الرئاسة بإصدار قرار جمهوري بالأمر المباشر يقضي بمنح الشركة المصرية للاتصالات، رخصة للمحمول على تردد 1800 ميجا هيرتز، ولم يمضِ وقت حتى تم إلغاء القرار الجمهوري فجأة، ثم جرى تعويض المصرية بتوزيع الترددات المملوكة لها على شركتي المحمول “فودافون” و”كليك” مقابل ملياري جنيه تقريباً، تدفعها الشركتان بالتقسيط!

في عام 2006م جرى طرح رخصة للمحمول تقدمت لها المصرية للاتصالات حاملة عشرة مليارات جنيه! ولكن الفائز كان التحالف الذي تقوده شركة “اتصالات” الإماراتية مقابل 17 مليار جنيه تقريباً.

ثم بدأ نضال الشركة المصرية من جديد لدخول سوق المحمول، فجرى تعويضها بمنحها أقل من نصف أسهم شركة “فودافون”، وما يعادل هذه النسبة من ممثلي المصرية في عضوية مجلس الإدارة، بما لا يؤثر في إستراتيجيات الشركة البريطانية الأصل، لتكون المصرية مجرد حامل لأسهم، وجامع لأرباح، وحتى الأرباح يتم ترحيلها لصالح خطط التوسع في الشركة الأم، ويبلغ ما للمصرية لدى “فودافون” نحو 4 مليارات جنيه حتى الآن.

في بدايات عام 2013م، تجددت المطالبات بالحقوق التاريخية للشركة، فجرى التحضير لإعطائها الرخصة الموحدة ووضع اللمسات الأخيرة لمنحها الرخصة، وفجأة انقلبت الأوضاع، ثم تجمدت وعادت لمسارها القديم، وعود ولا تنفيذ، ضجيج ولا طحين.

سوق ضخمة

الأرقام الأخيرة لحصاد عام 2014م الذي حققته المصرية للاتصالات، والتي أعلن عنها في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً، تكشف رغبة الشركة في التطوير، استعداداً لمرحلة المحمول، فقد أكد المهندس “محمد النواوي” أنه لا بديل عن الترخيص الموحد للاتصالات، وتحول الشركة لمشغل متكامل للدخول في سوق يصل حجمها لـ٣٢ مليار جنيه، مقارنة بـ٥ مليارات جنيه لقطاع الهاتف الثابت.

وأوضح النواوي، في لقاء صحفي الثلاثاء الماضي، أنه ذهب إلى وزارة الاتصالات لتوجيه الاحترام والتقدير للوزير الجديد المهندس خالد نجم، وتذكيره بأن يضع ملف الرخصة في أولوياته.

وقال: إن المهندس نجم وعده بمتابعة هذه الملفات الساخنة عقب المؤتمر الاقتصادي، مشيراً إلى أنه ليس أمامنا إلا النجاح والمنافسة في خدمات الإنترنت المحمول.

وأضاف أن المصرية للاتصالات تسعى إلى تحقيق متطلبات العملاء دائمي السعي نحو الحصول على خدمة اتصالات متكاملة من خلال التحول المرتقب إلى مشعل اتصالات متكامل، والانفتاح على كامل مساحة سوق الاتصالات، مشيراً في هذا الصدد إلى أن المصرية للاتصالات تمتلك كنزاً بشرياً ضخماً قوامه 50 ألف موظف وعامل، ينتشرون في أكثر من ألفي موقع، ونحو 320 مركزاً لخدمات المبيعات على مستوى الجمهورية، يتفانون في خدمة عملاء الشركة الأجلاء، وينتظرون بكل أمل إشارة البدء لتقديم خدمات المحمول، والمنافسة العادلة داخل سوق الاتصالات المصرية الكبيرة.

وكشف بيان للشركة عن نتائج أعمالها عن العام المالي المنتهي في ديسمبر 2014م، والتي أظهرت نمواً ملحوظاً في أعمال الخدمات المقدمة لعملائها، سواء عملاء المسكن أو عملاء المؤسسات والشركات؛ الأمر الذي يعكس تنفيذ الشركة لإستراتيجيتها المرتكزة على تحقيق احتياجات عملائها، والعمل على مقابلة متطلباتهم المتطورة، وقد أظهرت النتائج تحقيق الشركة لإجمالي إيرادات مجمعة بلغ 12,158 مليار جنية، وذلك بزيادة قدرها 9.15% مقارنة بالعام السابق.

وقد حققت الخدمات المقدمة لعملاء المسكن وعملاء المؤسسات والشركات نسبة نمو بلغت 8.3% مقارنة بعام 2013م، وذلك مدفوعة بنمو الطلب على خدمات الإنترنت فائق السرعة “البرودباند” الذي يعد بمثابة المستقبل الحقيقي للاتصالات؛ حيث حققت الخدمات المقدمة لعملاء المسكن من خدمات الصوت الثابت والإنترنت فائق السرعة، نسبة نمو بلغت 4.8% مقارنة بعام 2013م، كما حققت الخدمات المقدمة للشركات والمؤسسات نسبة نمو قدرها 14% مقارنة بعام 2013م، كذلك حققت الخدمات المرتكزة على شركاء التنمية والعملاء الدوليين نسبة نمو قدرها 9.8% مقارنة بعام 2013م.

وقد بلغ الربح قبل الفوائد والضرائب والإهلاكات والاستهلاكات 3,841 مليار جنيه خلال عام 2014م، بنسبة نمو قدرها 4.2% مقارنة بعام 2013م، بينما بلغ صافي الربح بعد الضرائب 2,031 مليار جنيه خلال عام 2014م، وذلك بهامش ربح قدره 17%.

 

 

Exit mobile version