السعودية.. كلمة السر في مراجعة الموقف المصري من حماس

 

.على مدار 11 يوما منذ إصدار محكمة مصرية حكما باعتبار حركة “حماس” منظمة  إرهابية، زاد هجوم الإعلام المصري الموالي للنظام الحالي على الحركة، محملا إياها مسؤولية الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 25 يناير 2011.

واتهمت وسائل الإعلام المصرية حركة “حماس” بالاشتراك في اقتحام السجون المصرية إبان الثورة، ثم حملها الإعلام لاحقا مسؤولية كثير من العمليات الإرهابية التي شهدتها سيناء، شمال شرقي البلاد.

 

مفارقات

وخلال استعراضهم، لما أسموه بـ “خطايا حماس” أبدى الإعلاميون الموالون للنظام الحالي، سعادتهم بانضمام هيئة قضايا الدولة (الممثل القانوني للحكومة) لمقيم دعوى اعتبار حماس منظمة إرهابية المحامي سمير صبري، بما يعني أن حكم أول درجة الصادر عن المحكمة في 28 فبراير الماضي لن يكون قابلا للاستئناف، لأن الجهة المعنية بالاستئناف وهي الحكومة تضامنت مع مقيم الدعوى.

وبدون مقدمات فوجئ المصريون، يوم أمس، بخبر استئناف هيئة قضايا الدولة للحكم، وقبول الاستئناف من المحكمة وتحديد جلسة يوم 28 مارس الجاري لنظر الاستئناف، وهو ما يعد سابقة هي الأولى من نوعها.

من جانبها وعلى لسان المتحدث باسم هيئة قضايا الدولة القاضي سامح سيد سعت قضايا الدولة لتقديم تفسير لتحركها حيث قالت إن تحركها جاء من أجل تطبيق قانون الكيانات الإرهابية، الذي أصدره الرئيس المصري، وأوكل فيه مهمة تحديد تلك الكيانات إلى النائب العام.

والمفارقة أن الدولة أصدرت قانون الكيانات الإرهابية في 24 فبراير الماضي، فيما انضمت لدعوى المحامي التي جرى الفصل فيها يوم 28 فبراير 2015، وهو ما يجعل هذا المبرر الذي تسوقه هيئة قضايا الدولة غير منطقي، ويصبح السؤال المهم: ما الذي جرى خلال الـ 11 يوما، وأدى في النهاية لدفع الحكومة المصرية لاتخاذ هذا الإجراء؟.

 

كلمة السر

قد نحتاج للإجابة على هذا السؤال إلى الرجوع قليلا إلى الوراء وتحديدا في 23 يناير الماضي، حين أقدمت وكالة الأنباء السعودية الرسمية على أمر غير مسبوق بنشرها تعزية حركة حماس للمملكة بوفاة العاهل السعودي السابق الملك عبد الله.

وأعطت هذه الخطوة، رغم بساطتها، مؤشرا إلى أن الملك الجديد في السعودية سلمان بن عبد العزيز، سيكون منفتحا أكثر من سابقه على حركة حماس.

وقدم خالد مشعل زعيم حماس واجب العزاء للسفارة السعودية بالعاصمة القطرية الدوحة، وأثنى مشعل في هذه المناسبة على دور المملكة في دعم القضية الفلسطينية، وقدم وفد قيادي من حماس برئاسة علي بركة ممثلها في لبنان واجبَ العزاء للسفير السعودي في بيروت علي العسيري.

وهذا التحرك الإيجابي في العلاقات بين الحركة والسعودية، دفع فوزي برهوم، الناطق باسم “حماس” إلى استغلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسعودية وأصدر بالتزامن مع الزيارة، مطلع مارس الجاري بيانا ناشد فيه العاهل السعودي الملك سلمان التدخل لدى مصر لفتح معبر رفح ووقف سيل المواقف المصرية العدائية تجاه حركة حماس وقطاع غزة.

وبعد ثمانية أيام من صدور هذا البيان، قررت السلطات المصرية يوم 8 مارس الجاري فتح معبر رفح لمدة يومين، وأمس استأنفت الحكومة على حكم اعتبار حماس منظمة “إرهابية”.

ولا يمكن تجاهل الربط بين زيارة الرئيس المصري للرياض وهذا التغير في المواقف، وهو الأمر الذي يمكن تأويله بأن السعودية تقف خلفه، لاسيما عندما توضع هذه الرؤية في سياق تأكيد الملك سلمان في أول خطاب له بعد استقباله لعدد من قادة الدول العربية والإسلامية، أن السعودية تسعى إلى تنقية الأجواء العربية والإسلامية.

 

توازنات إقليمية

وهذا الربط لا يملك الكاتب المصري المتخصص في الحركات الإسلامية كمال حبيب من المعلومات ما يمكنه من نفيه أو تأكيده، لكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل من وجهة نظره هي أن “قرار الحكومة المصرية باستئناف الحكم يصب في صالح دول الخليج بشكل عام، ولاسيما السعودية، وكذلك مصر”.

وقال حبيب، في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول: “عندما توصد الأبواب العربية أمام حماس، بهذا الشكل الذي افتقر إلى السياسة، سوف يدفعها ذلك إلي التعاون مع إيران، وهو أمر لا تريده مصر ولا دول الخليج، لاسيما أن تجربة تعاون الحوثيين في اليمن مع إيران شكلت تهديدا للسعودية” وللخليج عامة.

وأشار حبيب في هذا الإطار إلى تصريحات محمود الزهار القيادي بالحركة يوم الثلاثاء الماضي عن العلاقة مع إيران، والتي جاءت قبل ساعات من الاستئناف على الحكم، وهي في رأيي أزعجت مصر والخليج.

وخلص حبيب إلى أن: “الحسابات السياسية والتوازنات الإقليمية المصرية والخليجية جعلت الدولة تطعن على الحكم”.

واستبعد حبيب أن يمتد هذا التغير إلى العلاقة بين الدولة المصرية والإخوان في مصر، مضيفا أن: “هذا القرار خاص بالحالة الفلسطينية، لأن قضية الإخوان في مصر لها طبيعة مختلفة عن الإخوان في غزة أو أي دولة أخرى”.

ومنذ عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لم يكن التعامل مع الإخوان في مصر يؤثر على التعامل مع حركة حماس في غزة، لأن التواجد كوسيط في الصراع بين الحركة وإسرائيل، كانت تلعبه مصر باستمرار، بحسب حبيب.

بينما رفض طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة هذين الاحتمالين، وقال: “لا علاقة للقرار بالإخوان.. وهذا ملف مغاير تماما لا وجود له على الأقل في الفترة الحالية”.

ونظر فهمي للقرار المصري مثل سابقيه في سياقه الإقليمي، مضيفا أنه: “كان هناك حديث عن تحرك حماس تجاه إيران، ما دفع النظام المصري إلي اتخاذ قراره بالاستئناف”.

ويرى فهمي أنه من المصلحة الإبقاء على شعرة معاوية مع الحركة ومكتبها الموجود بالقاهرة وبقاء ممثلها موسى أبو مرزوق.

 

تغير مع الإخوان

وفي الاتجاه ذاته، رأى، جواد الحمد، مدير مركز “دراسات الشرق الأوسط” بالأردن (غير حكومي)، أن القاهرة أدركت أن الحكم لم يكن موفقا ولذا لجأت إلي الطعن علي حكم حماس ولذا كانت هناك رغبة من مصر في عودتها لدورها الطبيعي في الوقوف مع القضية الفلسطينية والحفاظ علي أمنها القومي، واعتبار حماس التي تواجه دائما إسرائيل صمام أمان في هذا الاتجاه.

وربط بين وجود تناغم مصري مع إعلان السعودية يوم الثلاثاء الماضي، سعيها بتنقية الأجواء العربية، قبل الطعن الذي قدمته الدولة أمس علي حركة حماس.

وقال الحمد “بالتأكيد طعن أمس يخدّم التوجه السعودي وأستشعر أنّ للتوجه السعودي أثرا”.

لكن جواد الحمد ربط بين تراجع الإدارة المصرية في موقفها من حماس وبين توقعه بتراجع مماثل لدي جماعة الإخوان المسلمين في مصر قائلا: “أتوقع في ضوء المتغيرات أن الإدارة المصرية سوف تتجه قريبا بتخفيف حدة موقفها تجاه الإخوان وبدء مشاورات بينها وبين الجماعة بمصر”.

Exit mobile version