صحيفة “لودوفوار”: الزلزال الجيوسياسي بالعراق والشام

 

فرانسوا بروسو

تمكنت “داعش” يوم 10 يونيو 2014م من السيطرة على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، ملحقة هزيمة نكراء بالجيش العراقي؛ هذا التنظيم الذي يدعي إرساءه لنظام الخلافة، ويستمد تشريعاته من تأويلاته الخاصة لنصوص دينية يحاول من خلالها إضفاء شرعية على ما يرتكبه من قتل وتهجير الأقليات الدينية.

لقد دق وقوع الموصل نواقيس الخطر لدى البلدان الغربية التي أفاقت على وقع جماعة متطرفة لم يمنعها تفكيرها المتخلف من اكتساب وسائل وتجهيزات على غاية من التطور، مكنتها من السيطرة على الأراضي ذات الأهمية، حيث يعيش الغرب منذ تسعة أشهر تحت أثر كابوس عمليات القتل والذبح والاختطاف، علاوة على تأثر نسبة من الشباب بفكر متطرف قادهم لشد الرحال وتلبية “نداء الواجب”، ناهيك عما لحق القطع والمواقع الأثرية القَيِّمة من سحق وتدمير.

هذا وكان الغرب يخال أنه قد تمكن أخيراً من التحرر من سياسات “بوش” والرحيل عن المنطقة دون رجعة، لكن ذلك لم يدم طويلاً، حيث دفع سقوط المدن العراقية الواحدة تلو الأخرى وتنامي سيطرة “داعش” على الأراضي السورية إلى شن هجوم عسكري جمع بعض البلدان العربية مع نظيراتها الغربية.

وقد ادعى هذا التحالف سعيه لتحرير المناطق المنكوبة من سيطرة “داعش”، ودعم المعارضة المعتدلة في سورية، وتقوية الحكومة العراقية، كما تمكن فعلاً من تحقيق بعض النجاحات مثل استعادة منطقة عين العرب شمال سورية.

من جهتها، سعت إيران إلى توظيف الاحتقانات الجيوسياسية التي يعيشها جارها العراق، حيث أفسح الاحتلال الأمريكي المجال لعودة الفوضى، وتقلد غريمه “صدام حسين” السابقة مكان الوصي، مما مكنها من بسط سيطرتها على المفاصل الاقتصادية والسياسية والعسكرية للدولة، حتى إن قوات الحرس الثوري الإيراني هي من يقود العملية العسكرية التي شنها الجيش العراقي ضد “داعش” بتكريت.

الصورة هي إذن كالآتي: دولة شيعية كبرى تحارب تنظيماً سُنياً في كل من العراق وسورية؛ مما يؤكد نظرية الصراع الطائفي بين الشيعة والسُّنة، ويحيل على حرب توسعية تسعى من خلالها إيران إلى بسط نفوذها بالمنطقة، وتقسيم العراق إلى جزء شيعي وآخر سُني شرقاً وثالث كردي شمال البلد.

وتقودنا هذه الحيثيات إلى التساؤل عن الدور الذي تضطلع به أمريكا في هذا الصراع، وهي الحاضرة بزادها وعتادها ومستشاريها.

فعلى الرغم من إصرار واشنطن على نفي أي تعاون أو تنسيق لها مع إيران، تشير الوقائع إلى عكس ذلك، حيث تتولى قوات الجو الأمريكية دعم وتأمين الوحدات المقاتلة بتكريت مما يحيل على إمكانيتين؛ إما أن الولايات المتحدة غير مطمئنة لتواجد القوات الإيرانية بالمنطقة، أو أنها تثق بقدرة وحدة القدس التابعة لطهران على دفع “داعش” للتراجع؛ مما يجعل من هذه الجماعة المتطرفة العدو الأول والموحد للطرفين.

من جهة أخرى، تتواصل المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، وعلى الرغم من سعي “بنيامين نتنياهو” المستميت للتحذير من خطر المشروع النووي لإيران، تلوح في الأفق بوادر اتفاق تاريخي بين إيران ومحاوريها من المجتمع الدولي، وخاصة منهم “باراك أوباما”، و”جون كيري” الذي يبدو أنهما راغبان في المصادقة على بروتوكول يرتب سير عمل النشاط النووي لطهران.

وبالنظر إلى “الربيع العربي” مُجهَض، التطرف السُّني القائم، التقارب الأمريكي الإيراني، استبعاد “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية، وتقسيم كل من سورية والعراق، يبدو أننا نشهد زلزالاً جيوسياسياً سيودي بالشرق الأوسط.

 

المصدر: صحيفة “لودوفوار” الفرنسية

http://www.ledevoir.com/international/actualites-internationales/433908/seisme-geopolitique

 

 

Exit mobile version