تحليل: تقويم دور دعم الخليج بمؤتمر مصر الاقتصادي

 

عبدالحافظ الصاوي

الدور الخليجي في دعم انقلاب 3 يوليو 2013 معلن وواضح من اللحظات الأولى، وحتى في المؤتمر الاقتصادي لمصر، أخذت الدول الخليجية الداعمة على عاتقها إنجاح المؤتمر، وكانت هي صاحبة السبق في الإعلان عن المؤتمر، فور الإعلان عن فوز قائد الانقلاب بالانتخابات الرئاسية في يونيو 2014م، وحتى إن اللجنة المعنية بالإشراف على المؤتمر تضم مسؤولين من الإمارات والسعودية.

وتتحمل الإمارات تكلفة ثلاث شركات عالمية مسؤولة عن الترويج والتسويق لمؤتمر مصر الاقتصادي، وذلك حسب تصريحات مسؤولين بالهيئة العامة للاستثمار لأحد المواقع الإلكترونية بالقاهرة، وقد قدرت تلك المصادر التكلفة التي تدفعها الإمارات لهذه الشركات بنحو 100 مليون دولار.

ولكن ثمة متغيرات جدت تخص الموقف الخليجي، قد تغير من صورة هذا الدعم ومقداره، وهو ما يجب أن  يأخذ في الاعتبار خلال المرحلة المقبلة، ولعل أقرب حدث سوف يظهر فيه هذا التغير بعد الموازنة العامة للدولة المصرية، هو مساهمة دول الخليج في الاستثمارات التي سيعلن عنها خلال المؤتمر، وفيما يلي نرصد بعض مظاهر التغير في دور الخليج في دعمها لمؤتمر “مستقبل مصر”، المنتظر عقده خلال 13 – 15 مارس الحالي.

تخلٍّ مبكر

إن دعوة السعودية والإمارات لمؤتمر المانحين، لجذب الاستثمار الأجنبي لمصر، والاستعانة بالمؤسسات التمويل الدولية لدعم الاقتصاد المصري، كانت بمثابة خطوة تمهيدية لخروجهم من عباءة الدعم الكامل للانقلاب في مصر على الصعيد الاقتصادي، وبما يجعل تحقيق النهوض الاقتصادي في مصر هدفاً غير مدرج على أجندة هذه الدول.

 

 فلو كانت الدول الخليجية صادقة في دعم الاقتصاد المصري لوجهت جزءاً من استثمارات صناديقها السيادية لمصر، في المجالات التي تحتاج إليها وبخاصة في مجالات الصناعة والزراعية.

وحسب تقديرات مؤسسة (swfinstitute) المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، فإن الدول الخليجية الثلاث الداعمة للانقلاب تعد من أكبر الدول صاحبة الصناديق السيادية، فوفق إحصاءات يناير 2014م، فقد بلغت الأصول المالية للصناديق السيادية للدول الخليجية الثلاث (الإمارات، والسعودية، والكويت) 1.85 تريليون دولار.

وتحتل إمارة أبوظبي المرتبة الثانية عالمياً بعد النرويج، من حيث قيمة صندوقها السيادي، والأولى عربياً، بقيمة بلغت 773 مليار دولار، ثم المملكة العربية السعودية 675 مليار دولار، ثم دولة الكويت بقيمة بلغت 410 مليارات دولار.

وإذا ما اتخذت مثل هذه الخطوة من قبل الدول الخليجية الثلاث بدعم الاقتصاد المصري بنحو 100 مليار دولار من رؤوس أموال صناديقها السيادية، فإنها ستكون بمثابة مشروع “مرشال” العربي، وفي نفس الوقت فلن يمثل المبلغ شيئاً مؤثراً في القيمة الإجمالية لأموال تلك الصناديق، فهي لا تمثل سوى 5% فقط من قيمة الأصول المالية المنشورة لهذه الصناديق.

تراجع الدعم بسبب أزمة النفط

تأثرت الدول الخليجية بشكل كبير من جراء أزمة انهيار أسعار النفط بالسوق العالمية؛ مما أدى إلى تحقيق عجز موازنات الدول النفطية الخليجية الداعمة للانقلاب بمصر، كما قامت بعض هذه الدول بالسحب من رصيدها من احتياطيات النقد الأجنبي.

ولا يلوح في الأفق تعافٍ لأسعار النفط بالسوق العالمية خلال عام 2015م، لأسباب كثيرة، وكل هذا أثر بلا شك في استمرار الدعم الخليجي لمصر، وهو ما ظهر في موازنة مصر للعام المالي 2014/2015م، حيث أظهرت بيانات النصف الأول من هذا العام المالي تراجعاً حاداً في الدعم الخليجي لمصر.

وحول حجم الدعم الخليجي المنتظر بمؤتمر مصر الخليجي، فينتظر أن تكون مساهمات دول الخليج الداعمة للانقلاب العسكري بمصر من خلال الصناديق السيادية، ولعل تركيز معظم المسؤولين المصريين على رقم يدور ما بين 10 – 12 مليار دولار، يشير إلى حجم مساهمة هذه الصناديق بهذا المبلغ.

وهو مبلغ ضئيل مقارنة بحجم أرصدة الصناديق السيادية المملوكة لهذه الدول، ولكن طبيعة استثمارات هذه الدول بمصر خلال الفترة الماضية عادة ما تشير إلى التركيز على المشروعات السياحية أو العقارية، وفي الغالب تركز الاستثمارات الخليجية على الأنشطة الريعية وذات الربح السريع.

لكن ما يجب أن نركز عليه، أن خلاصة الدعم الخليجي لمصر على مدى الآجال المختلفة، لن يستهدف أن تقوى مصر اقتصادياً، ولكن سينحصر هذا الدعم في إطار ما يؤدي إلى عدم سقوط النظام، وفي نفس الوقت لا يسمح للاقتصاد المصري بنهوض يؤدي إلى استقلال قراره السياسي، ويمكنه أن تعود مصر من خلاله إلى قوة إقليمية لها حسابها في المحيطين الإقليمي والدولي.

فالمستهدف من الدعم الخليجي أن تدور مصر في فلك التوجهات الخليجية، وحتى هذه النقطة محل خلاف الآن في ضوء ما آلت إليه التغيرات الأخيرة في السعودية، وما ظفرت به إيران في اليمن نتيجة الأخطاء الإستراتيجية التي مارستها الإمارات، بتمكين الحوثيين على حساب حزب الإصلاح اليمني، وبما نتج عنه ضم اليمن إلى سطوة إيران بالمنطقة.

فالخلاف السعودي الإماراتي حول تطورات المنطقة، قد يحجّم من الدعم السعودي للاقتصاد المصري بشكل ما، ولكنه لن ينقطع، وهو ما سيدفع الإمارات لمساندة أكبر لمصر اقتصادياً، وستكون النتيجة تبعية مصر لصالح التوجهات الإماراتية بالمنطقة.

دعم الخليج وتجربة تونس

عُقد بتونس مؤتمر للاستثمار في مطلع سبتمبر 2014م، وهو ما اعتبر حلقة من برنامج النهوض بالاقتصاد التونسي، عول عليها صندوق النقد الدولي كثيراً، وعادة ما كان يؤكد على أن الإنجازات السياسية وخارطة الطريق الواضحة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية بتونس سوف تدفع لاستعادة الثقة بالاقتصاد التونسي، وأن المؤتمر سيحقق نتائج جيدة.

والحقيقة أن مؤتمر الاستثمار بتونس، حظي بزخم إعلامي جيد، ولكن المحصلة هي نفس المحصلة للعديد من المؤتمرات المشابهة التي شهدتها دول المنطقة من قبل، مثل مصر والأردن والمغرب، حيث تم عرض 22 مشروعاً استثمارياً قدرت تكلفتها الاستثمارية بـ8 مليارات دولار.

ولكن ما أسفرت عنه النتيجة النهائية للمؤتمر، مجرد اتفاقيتين، إحداهما مع شركة نمساوية لتمديد خط للغاز الطبيعي، واتفاقية قرض لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بـ40 مليون يورو.

كما أعلن فيما بعد عن تنفيذ مدينة صناعية بتونس بتمويل خليجي، تشمل أنشطة اقتصادية متعددة، وتعمل على توفير 250 ألف فرصة عمل على مدار 10 سنوات، ولكن المبهم في هذا المشروع أن الإعلان عنه، لم يتضمن التكلفة الاستثمارية، ولا مدة التنفيذ، ولا التزام كل شركة من الشركات الخليجية المساهمة في المشروع، ولا الإعلان عن مواعيد توقيع عقود لهذه الشركات لتنفيذ المشروع.

ومن خلال قراءة تجربة تونس يمكن استقراء ما ستؤول إليه نتائج المؤتمر الاقتصادي لمصر، فلن تكون النتائج أكثر إيجابية مما تحقق في تونس، على الرغم أن سمات الأداء الديمقراطي في تونس كان أكثر دلالة على تعاطي المجتمع الدولي وقبول المستثمرين بنتائجها، على خلال التجربة المصرية التي شابها الكثير من التزوير والتجاوزات فيما يتعلق بالانتخابات الخاصة بالدستور، أو الانتخابات الرئاسية، وهو ما ترصده الكيانات الدولية المعنية بتقويم مناخ الاستثمار.

ونخلص في نهاية هذه السطور، إلى أن الدعم الخليجي سيكون محدوداً ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل لإخراج مصر من أزمتها الاقتصادية، كما أن حضور المستثمرين الأجانب سيكون في إطار العلاقات العامة، كما سيكون حضور المؤسسات الدولية مجرد أداء برتوكولي.

 

Exit mobile version