مصر: مؤتمر مارس الاقتصادي.. استثمار يشوبه الحذر

 

ياسر سليم

التعديلات الوزارية الأخيرة في مصر، تنطوي على دلالات مهمة خاصة بمؤتمر شرم الشيخ المقرر في الفترة من 13 – 15 مارس الجاري، لم يتلفت إليها الكثيرون بسبب سحابة الدخان الكثيفة التي غطت سماء البلاد متمثلة في قنبلة إقالة وزير الداخلية، أحد أعمدة نظام 3 يوليو الرئيسة.

فقد شملت التعديلات وزراء الداخلية والاتصالات والزراعة والسياحة والتعليم والثقافة مع استحداث وزارات جديدة للتعليم الفني والسكان.

وإذا نظرنا لنسبة الوزراء المرتبطين ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، سنجد أن نسبتهم 60%، وهي خمس وزارات من ثمانٍ جرى تغييرها أو استحداثها.

التعديلات خطوة رآها الكثيرون أقرب للمغامرة ؛ لأنه سيحدث ارتباكاً في ملفات مهمة مطروحة على جدول أعمال المؤتمر، وإقالة الوزراء المختصين بها وتعيين آخرين لا يزالون في مرحلة دراستها سوف يقلق المستثمرين الأجانب، ويعطي صورة عن عدم استقرار الأوضاع في هذه الملفات، لاسيما وأن الوزراء الجدد لن يكونوا ملمين بالشكل الكافي بها، فكيف يستطيعون إقناع المستثمرين بالاستثمار فيما لم يستوعبوا جوانبه، لاسيما وأن بعض الوزراء المقالين كان يمارس مهام عمله في مكتبه أو بالخارج وعلم بقرار الإقالة من التلفيزيون، فلملم حاجياته ومضى؟

ولكن المستثمر الأجنبي، لا يبني قراره على قراءته اللحظية، بل ينظر للتاريخ القريب للبلد المستهدف بالاستثمار، كما ينظر لأوضاعه الحالية، وتشريعاته المستقرة المحددة للعلاقات بين مختلف الأطراف في المستقبل المنظور.

لذلك كان مهماً أن تسعى الدولة لإجراء الانتخابات البرلمانية قبل انطلاق المؤتمر، وهي رسالة الطمأنة الأولى والرئيسة التي تقول للجميع: إن البلد فيه مؤسسات مختلفة حاكمة وليست مؤسسة واحدة تقبض على كافة الصلاحيات والقرارات وهي مؤسسة الرئاسة.

ولكن العكس هو ما حدث، فقد أجلوا الانتخابات البرلمانية، وعجلوا بالتعديلات الوزارية.

الشيخ صالح كامل، رجل الأعمال السعودي الأشهر والذي يعد أحد أكبر المستثمرين الخليجيين في مصر أطلق عام 1990م نذير التحذير في الملتقى الأول لرجال الأعمال المصريين السعوديين عندما تحدث عن معوقات الاستثمار في مصر بصراحة وجرأة، ومنذ شهرين كرر تحذيراته وطالب حكومة محلب بثورة شاملة قبل مؤتمر شرم الشيخ ولم يستجب له أحد.

تهيئة المناخ

المناخ المطلوب لكي يحقق مؤتمر شرم الشيخ هدفه يتطلب في الأساس استقراراً سياسياً، بينما الحراك الثوري في الشارع يجعل من قضية مشروعية النظام نفسه محل تساؤل.

وجاءت خطوة إقالة وزير الداخلية لتعطي انطباعاً متعاكساً بعدم وجود استقرار أمني، وإن كان اتخاذ الخطوة نفسه يستهدف طمأنة الجميع بسياسة شرطية جديدة تسعى لتحقيق ذلك الهدف.

أيضاً فوجود مؤسسات رسمية تابعة للدولة تنافس الاستثمارات المحلية والأجنبية، هو أمر غير مطمئن للكثيرين ممن يريدون مناخاً عاماً من النزاهة والشفافية، لاسيما وأن بعض التقديرات تذهب إلى أن 60% من اقتصاد مصر في أيدي مؤسسات تابعة للدولة، وتتمتع بميزة تنافسية هائلة في الحصول على المواد الخام وغيرها من مستلزمات التشغيل.

هناك محاولات حثيثة لضبط سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، ولكن ثمار تلك الجهود غير واضحة إلى جانب أسعار الطاقة في مصر المتذبذبة ما بين شائعات عن ارتفاعها خلال شهور؛ مما يعني عدم قدرة المستثمر على وضع خطة طويلة الأجل مبنية على دراسة جدوى واقعية.

ويأتي الإعلام التحريضي غير المنضبط ليزيد من الصورة الشائهة، حيث يتصور من يشاهد الإعلام المصري أن حالة التعبئة العامة معلنة، وأن الحرب الأهلية على الأبواب.

أيضاً فالصفحة الرسمية للمؤتمر الاقتصادي نفسها طاردة للاستثمار، فهي عندما تعلن عن وجود خمسين ألف رجل أمن، تعطي مؤشراً وكأن الدولة مقبلة على حرب وليس على مؤتمر.

والمثير أن منير فخري عبدالنور، وزير التجارة والصناعة نفسه قال: إن قانون الاستثمار الذي وافق عليه مجلس الوزراء خرج بعد ولادة متعثرة، والجميع شارك في إعداده، ونناشد وسائل الإعلام عدم رفع سقف التوقعات للمشروعات التي سيتم طرحها في المؤتمر الاقتصادي.

عوامل ورؤى خارجية

لا يرتبط نجاح أو فشل مؤتمر شرم الشيخ بالعوامل الداخلية فقط، فالعوامل الخارجية نفسها لها دور مهم، لاسيما ما يتعلق منها بموقف الداعمين الخليجيين، وسعر النفط، ويجب ألا ننسي هنا أن مؤتمر شرم الشيخ نفسه هو فكرة ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز؛ الأمر الذي دفع يبدو معه المؤتمر وكأنه مولد وصاحبه “ميت”.

الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد كتب في صحيفة “الشرق الأوسط “المقربة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، محدداً شروط الدعم والتعاون بالقول:

مفهوم العلاقة والتعاون مع مصر واسع، يفترض أن يعاد النظر في مفاهيمه وأساليبه، والخروج من الصندوق القديم الذي فشل في عهد “مبارك”، فالمصريون ليسوا بحاجة إلى داعمين وأعمال خيرية، بل إلى شركاء، ومن الأفضل للخليجيين أن يشتركوا مع المصريين في بناء شركات عملاقة من القطاع الخاص، تدعمها الحكومات، ويتم تمليكها تدريجياً للقطاع الخاص المصري مستقبلاً.. واللافت للنظر أن الجيش المصري هو أفضل المؤسسات في مصر، أكثرها فاعلية وانضباطاً، ويمكن أن يكون شريكاً في عدد من المشاريع التنموية العملاقة، بصفته التنفيذية لا السياسية أو العسكرية.

 

 

Exit mobile version