انهيار الليرة التركية أمام الدولار.. أزمة اقتصادية أم معركة انتخابية؟

 

إبراهيم الطاهر

انشغلت الأوساط الاقتصادية والسياسية في أنقرة بانخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي وهبوطها إلى مستويات قياسية، مقابل صعود العملة الأمريكية لأعلى مستوى لها في 11 عاماً، بدعم تكهنات باقتراب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) من أول زيادة له في سعر الفائدة منذ نحو عشر سنوات هذا العام.

وسجلت الليرة التركية في آخر هبوط لها يوم الجمعة الماضي 2.6470 ليرة مقابل الدولار، بعد أسبوع من الخسائر أثار العديد من التساؤلات حول أسباب الانخفاض المدعوم ببيانات تركية تظهر أن عجز التجارة الخارجية للبلاد انخفض إلى 4.31 مليار دولار مقارنة بـ 6.89 مليار دولار في الشهر نفسه من العام الماضي.

ملامسة العملة التركية العتبة الرمزية المتمثلة في 2,6 ليرة تركية للدولار، يأتي في ظل الصراع السياسي المتنامي بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم وبين المعارضة التركية مع اقتراب الانتخابات العامة المقرر إجراؤها يونيو المقبل.

واتهم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” “جماعة ضغط أسعار الفائدة” بالوقوف خلف هبوط العملة المحلية، وهي جماعة غير محددة كان قد اتهمها بمحاولة تخريب اقتصاد تركيا عن طريق أسعار الفائدة.

ودعا “أردوغان” رجال الأعمال إلى عدم المضاربة للاستفادة من صعود الدولار قائلاً: “أخاطب جماعات المجتمع المدني ورجال الأعمال: لا تتجرؤوا على تحقيق مكاسب سريعة من شراء الدولارات.. ستصلون إلى طريق مسدود”.

وحذر الرئيس التركي من أن الدفاع عن أسعار الفائدة المرتفعة يعتبر «خيانة»، وصرح أن على محافظ البنك المركزي ونائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد أن «يطورا أداءهما» قائلاً: «إذا لم تتراجع أسعار الفائدة فإن تركيا ستعجز عن الاستثمار».

وانتعشت الليرة بعد تصريحات “أردوغان”، لكنها تراجعت فيما بعد إلى مستوى قياسي 2.6470 ليرة مقابل الدولار بعد صدور بيانات الوظائف في الولايات المتحدة.

وهبطت قيمة الليرة نحو 13% مقابل الدولار هذا العام، وهو ما يجعلها ثاني أسوأ العملات أداء بين العملات العشر الرئيسة للاقتصادات الناشئة، وفقاً لما أظهرته بيانات “رويترز تومسون”.

وقرر البنك المركزي التركي الأسبوع الماضي خفض سعر الفائدة الرئيسي من 7.75% – 7.5%، ووصف الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” حينها هذا الخفض بأنه غير كافٍ، وانتقد البنك المركزي وحثه على مواصلة خفض معدلات الفائدة بشكل يتوافق مع تراجع أسعار النفط الذي ساهم في تنمية الاقتصاد التركي.

حرب كلامية

ثمة آراء ترى أن الحرب الكلامية بين البنك المركزي والحكومة التركية التي تستعد لانتخابات عامه قريباً حول خفض سعر الفائدة هي أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى مزيد من انخفاض الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وهو ما يثير التساؤلات حول ما إذا كان قضية خفض سعر الفائدة سياسية أم اقتصادية.

ويتوقع خبراء أن تستمر حرب التصريحات وتوتر السوق حتى الانتخابات التركية المقبلة، وسط مخاوف بشأن مستقبل محافظ البنك المركزي “باسجي”، ونائب رئيس الوزراء “باباجان”؛ حيث تزايدت احتمالات إقالتهما من منصبيهما.

وأرجع وزير الاقتصاد التركي “نهاد زيبكجي” سبب تراجع سعر الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي إلى المضاربات، وقال في تصريحات للصحفيين في فرانكفورت: إنه يتفق مع الرئيس التركي “طيب أردوغان” في دعوته إلى مزيد من تخفيضات أسعار الفائدة، مؤكداً أن البنك المركزي ما زال مستقلاً.

وقال “بول راوكنس”، المحلل لدى وكالة “فيتش للتصنيف الائتماني”، والتي تعطي تركيا الدرجة الاستثمارية في تصريحات صحفية: إن هناك الكثير من المستثمرين قلقون بشأن الأخطار السياسية.

وأضاف “راوكنس” أن تركيا بحاجة إلى إعادة توازن في اقتصادها من خلال الإصلاحات الهيكلية التي تزيد من الإنتاجية والادخار، لكن “أردوغان” يبدو وكأنه يسعى لتعزيز النمو من خلال انخفاض أسعار الفائدة وضعف العملة.

وأفاد بعض المحللين أن أي زيادة في أسعار الفائدة لوقف تراجع العملة خطر كبير، وبمثابة رد فعل غاضب من “أردوغان”، وخاصة بعد استقرار صافي الاحتياطيات الأجنبية عند 40 دولار مليار.

وقال “تيموثي آش”، رئيس تحليلات الأسواق الناشئة في بنك “ستاندرد” في لندن: إن رد فعل العملة على تصريحات “أردوغان” كان مشجعاً، متمنياً أن تكون التصريحات محاولة لتخفيف التوترات مع البنك المركزي.

ضغوط سياسية

رئيس الوزراء “أحمد داود أوغلو” من ناحيته، حاول التقليل من شأن الحديث عن ضغوط سياسية عندما سئل بشأن الموضوع خلال غداء أقامته “جولدمان ساكس” في نيويورك وقال: إن دولاً أخرى تنتقد بنوكها المركزية.

في هذه الأثناء قال “عدنان أحمد يوسف”، عضو مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية: إن انخفاض قيمة الليرة يعيق استثمارات أكبر المصارف العربية في تركيا، والتي لديها رغبة كبيرة في ذلك.

وأضاف في تصريحات صحفية على هامش الحوار المصرفي العربي التركي؛ أن هذا الانخفاض يخفف من سرعة الاستثمارات في البلاد، فعندما تجلب الاستثمارات في عملة أجنبية فإنها وبشكل تلقائي تخسر 10 – 15% من قيمتها خلال سنة أو سنة ونصف.

وكشف أنه تحدث إلى المسؤولين الأتراك عن تأثير سعر الليرة التركية في مجال الاستثمار، وتحويل الأرباح وقال: إن اتحاد المصارف العربية قدم مبادرة لتشكيل فريق من المصرفيين الأتراك والعرب من أجل تفعيل آلية تطبيق التعاون التركي العربي التي قال: إنها ستخلق تطوراً في العلاقات التركية العربية.

 

Exit mobile version