تقرير: أمريكا أنفقت 1600 مليار دولار على “الإرهاب”.. وتجار الحروب المستفيد

 

كشف تقرير للكونجرس؛ أن الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م ما لا يقل عن 1600 مليار دولار في حربها على الإرهاب في مناطق الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وأفريقيا، بالإضافة لسقوط 350 ألف قتيل خلال غزو أفغانستان والعراق، وهي تعد كلفة مرتفعة جداً، كما كشف التقرير أن المستفيد من هذه المئات من مليارات الدولارات هو صناعة السلاح والشركات العسكرية الخاصة، دون تحقيق الفائدة المرجوة، على اعتبار أن الشرق الأوسط مثلاً مازال يعاني من الحروب والإرهاب والفقر.

تعتبر فاتورة 1600 مليار دولار فاتورة ضخمة جداً لمصاريف الولايات المتحدة خلال 13 عاماً من الحروب التي شنتها، والتي كانت أهمها حرب العراق، وحرب أفغانستان، فهذه الكلفة تعادل ضعف كلفة برنامج التغطية الاجتماعية Obamacare الذي يستفيد منه حوالي 20 مليون أمريكي، بكلفة 900 مليار دولار خلال 10 أعوام، وتعادل الناتج السنوي الخام للهند ذات 1.2 مليار نسمة، وما يؤكد صحة هذه التقديرات هو أنها لم تقدم من قبل منظمات معارضة للنظام العالمي أو جمعيات مدافعة عن السلام، بل قدمها هيكل تابع لبرلمان شمال أمريكا الذي يضم الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وهو مجلس البحوث الذي نشر هذا التقرير في ديسمبر الماضي تحت عنوان “تكلفة الحرب في العراق وأفغانستان والحرب العالمية ضد الإرهاب منذ 11سبتمبر”.

ورغم ضخامة هذه التقديرات، فإن العديد من الدراسات الأكاديمية اعتبرتها أقل من الواقع، حيث صرح العالم الحائز على جائزة “نوبل” “جوزيف ستيجليز”، والباحثة الأكاديمية “ليندا بيلمس” في كتابهما “حرب الثلاثة تريليونات دولار”؛ أنهما يقدران الكلفة الحقيقية بثلاثة آلاف مليار دولار! وبالإضافة للكلفة المادية يقول الكثيرون: إن الكلفة البشرية لهذه الحرب لا تقدر بثمن، وإن الحساب الحقيقي لثمن الحرب لا يمكن وصفه أو حصره في أي كتاب محاسبات.

الملايين تذهب في جيوب الشركات متعددة الجنسيات والشركات الأمنية الخاصة.

يوجد مستفيد من هذه المصاريف الهائلة وهو المجمعات الصناعية العسكرية، هذه الشركات كانت أول مستفيد من حقيبة أموال الحرب على الإرهاب، وعلى رأسها شركة “لوكهيد مارتن” متعددة الجنسيات بمجموع ربح بلغ 45 ملياراً، بفضل بيعها لكل ما تحتاجه الحرب من الشاحنات المصفحة وطائرات القتال والنقل وصواريخ الباتريوت والهالفاير.

كما أن هذه الشركة التي تعد من أكبر شركات تصنيع السلاح في العالم لا تبيع للولايات المتحدة فقط بل أيضاً للعراق وأفغانستان و”إسرائيل”، بالإضافة لشركة “بوينج” الشهيرة بصناعة الطائرات والتي تصنع أيضاً الصواريخ، وشركات Raytheon وNorthrop Grumman وGeneral Dynamics  التي استفادت من العشرية الماضية المليئة بالحروب، حيث تؤمن هذه الشركات الخمس أكثر من ثلث مشتريات الجيش الأمريكي.

وتدرك أسواق المال هذا جيداً؛ لذلك ارتفعت قيمة أسهم هذه الشركات مع بداية الضربات ضد “داعش”، فقد ارتفعت القيمة السوقية لأهم 4 شركات مزودة للجيش الأمريكي خلال شهر سبتمبر 2014م بنسبة 19% متخطية بذلك توقعات وكالة التصنيف Standard &  Poor.

وتستفيد تجارة الحرب والعنف هي أيضاً من الخصخصة، فقد اقترح العديد من المسؤولين الأمريكيين أن يتم خصخصة بعض الأنشطة العسكرية، وتخصيص ميزانية خاصة بهذه الأنشطة المتنوعة من القتال الميداني إلى حماية السفارات والشخصيات المهمة والأجنبية مروراً بجمع المعلومات، وقامت الولايات المتحدة بتشريع الاستنجاد بشركات المرتزقة التي تسمى شركات الأمن الخاصة PMS.. ففي العراق مثلاً، عندما كان الحضور الأمريكي والبريطاني في أوجه، تشير التقديرات إلى أن 50 شركة عسكرية خاصة كانت تنشط هناك، وتشغل حوالي ثلاثين ألف شخص ينحدرون من بلدان عديدة من أمريكا الشمالية وبريطانيا ودول أخرى كالنيبال والبوسنة.

استعانت البنتاجون ووزارة الشؤون الخارجية بحوالي 20 من هذه الشركات الخاصة التي تشغل بدورها حوالي 10 آلاف شخص، كما قدرت الوكالة الفيدرالية للموازنات أن الحكومة صرفت بين عامي 2003 و2007م مبلغاً يتراوح بين 3 و6 مليارات دولار لفائدة هذه الشركات.

وتفرض الولايات المتحدة على الحكومات العراقية والأفغانية أيضاً إنفاق جزء من الميزانية المرصودة لإعادة الإعمار على عقود مبرمة مع شركات خاصة أغلبها أمريكية، وفي عام 2007م، صرح السيناتور “هنري وكسمان” أن قرابة الـ4 مليارات دولار من الأموال المخصصة لإعادة الإعمار تم صرفها على المرتزقة المأجورين.

وهذا هو سر الربح الخيالي الذي حققته شركات المرتزقة؛ مثل شركة “بلاك ووتر” Blackwater سيئة الذكر التي حققت الثراء على ظهر حكومتي العراق وأفغانستان، وازداد هذا الثراء إثارة للسخط مع تورط “بلاك ووتر” في ارتكاب جرائم في هذين البلدين، فقد تورط هؤلاء المرتزقة في العراق في أكثر من مائتي عملية قتل لمدنيين، وتتمتع هذه الشركات بوضع قانوني غامض في القانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان، كما تستفيد من علاقاتها القوية مع الإدارة الأمريكية لتفلت من أي تبعات قانونية أو عقوبات على خلفية ممارساتها غير الإنسانية في مناطق نشاطها.

لم يحقق بائعو السلاح فقط الثراء من هذه الحرب؛ إذ تمثل شركة KBR inc أكثر شركة غير مقاتلة استفادت من الحرب في العشرية الأخيرة، فهذه الشركة المعروفة أكثر باسمها القديم “هاليبرتون” تصنع المعدات النفطية المتعلقة بالتنقيب عن الذهب الأسود واستخراجه، وظلت هذه الشركة لسنوات تحت إدارة “ديك تشيني”، وزير الدفاع السابق في عهد “جورج بوش” الأب، ونائب الرئيس في عهد “بوش” الابن، واستفادت هذه الشركة المقربة من المحافظين الجدد من عقد لإعادة إعمار العراق دون الدخول في إجراءات طلب العروض والمنافسة مع الشركات الأخرى وحتى قبل انطلاق الحرب في عام 2003م وهو ما مكنها من الحصول على مبلغ 39.5 مليار دولار.

إلى حد اليوم لم يتم تعقّب هذه السرقات ومراقبتها، وقدرت لجنة مراقبة عقود الحرب في الكونجرس عام 2011م أن ما بين 30 و60 مليار دولار تبخرت بسبب فساد وعمليات تحيل مختلفة، والأسوأ من ذلك أن حوالي 6 مليارات دولار اختفت تماماً، وبالإضافة لضحايا الحرب، ساهم هذا التسيب المالي الغامض في زعزعة الدول التي تدخلت فيها أمريكا، كما عمق الفساد الانقسامات المحلية والجهوية في أفغانستان بين البشتون والهزارة والأوزبك، وعمق الطائفية في العراق بين الشيعة والسُّنة، وبين الأغلبية المسلمة والأقليات المسيحية واليزيدية.

يكمن المشكل، حسب منظمة الشفافية الدولية، في أن تجار الحرب وزعماء القبائل وكبار المسؤولين يعتمدون على الفساد كوسيلة تعامل.

فقد صرحت هذه المنظمة أن أفغانستان في عهد الرئيس السابق “كرزاي”، ورغم الحضور الدولي المطول في البلاد، تم تصنيفها عام 2013م في رتبة سيئة جداً على سلم مؤشرات الفساد، حيث حلت في المرتبة 140 على 177 دولة معنية بالتصنيف، ويعيش فيها ثلث السكان تحت خط الفقر.. أما العراق، فقد حل في المرتبة 170 في عهد “نوري المالكي”، حيث يعيش ربع العراقيين في فقر مدقع، ويصرفون أقل من 2.2 دولار في اليوم، رغم أن الأرض تحت أقدامهم تسبح فوق مدخرات نفطية تعد من بين الأضخم في العالم.

واليوم بعد صرف أكثر من 1600 مليار دولار، ومقتل 350 ألف شخص، يبدو أن لا شيء تحقق من الأهداف المرسومة، فأفغانستان لا تزال فريسة العنف والفوضى، وتنظيم “داعش” الذي ظهر في سورية والعراق أصبح يشكل تهديداً جديداً للمنطقة، والسؤال المطروح الآن: من سيدفع فاتورة الحرب في السنوات القادمة؟

 

المصدر: موقع “ويكيسترايك”

الرابط: http://www.wikistrike.com/2015/03/la-guerre-contre-le-terrorisme-un-cout-de-1-600-milliards-de-dollars-depuis-le-11-septembre.html

Exit mobile version