بورتريه: جمال بن عمر المبعوث الأممي.. سيرة إسقاط دول

 

جمال بن  عمر اسم أصبح ذا سلطة ودلالة.. الوساطة أحياناً والمؤتمرات كثيراً والاتفاقيات أيضاً، هو جزء من صناعتها في الشرق الأوسط حتى أصبح رجل اليمن اللامع.

الكثير ربما لا يعرفون سيرته ومسيرته وربما احتار فيه الناس لتقلب صنيعه وبما اتهمه البعض بدعم الطغاة والمستبدين كمشهد اليمن والحوثيين وصالح، عبر هذه السطور نستعرض سيرة الرجل وما قيل عنه وفيه، علّنا نأخذ من سيرته ومسيرته ما يعين على فهم سيرورته.

الفتى  السجين:

عام 1976م في المغرب وفي ولاية الحسن الثاني، عجت تلك البلد بالانتهاكات والسجون والمعتقلات وجه شبابها بالسوط والجلاد، ولم يكن بن عمر سوى واحد من المئات، وربما الآلاف الذين ذاقوا قسوة تلك البلد التي ولودوا فيها وأرادوا لها الحرية، وأن يكون لهم موضع قدم في نهضتها وقد أبت، حيث اعتقل  الفتى الذي لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره، وكان حينها في مرحلة التعليم الثانوي، جمال الدين بن عمر  وضع في سجن مدينة الدار البيضاء الذي اشتهر بالخوف والقسوة لما كان يمارس فيه من تعذيب ليظل في السجن ويتنقل بين السجون حتى عام 1983م أي بعد ما يقرب من ثماني سنوات، وقد قيل إن اعتقال الرجل في بداية حياته كان لانتمائه لحركة سرية تؤيد انفصال الصحراء المغربية عن المملكة المغربية، وهي منظمة ‏‏”إلى الأمام” اليسارية التي أسسها اليهودي المغربي ابراهام السرفاتي والمرتبطة بجبهة ‏البوليساريو الانفصالية”.

خرج الفتى بأعجوبة، بعد أن حصل على الثانوية، ثم الجامعة، وهو في السجن ليلتحق بالماجستير بإحدى الجامعات الفرنسية، ويلحظ أستاذه المشرف عليه ذكاءه وفطنته، فيسعى ليقدم له خدمة أغمي على بن عمر عندما علمها، وهي أن يتوسط لينال حريته، حيث كان هذا الأستاذ قدراً هو ميشيل روسي، أستاذ القانون الذي كان بمثابة مستشار دستوري للحسن الثاني، وقد دعاه الحسن في عام 1983م لحضور مناسبة ملكية، وقد انتهزاها فرصة ليطلب من الملك الإفراج عن تلميذه، وما كان من الملك إلا أن يستجيب، وقد نقل بعض الرواة عن صديق رفاق بن عمر في السجن، أن جمال عندما علم الخبر أغشي عليه.

الهروب وليس غيره:

ظن الفتى أن هذه بداية وأنه حر طليق، وأخذ يتجول في شوارع  المغرب التي لم يكن يعرفها جيداً، ولا يعرف فيها أحداً بعد كل تلك السنوات من الاعتقال ثم الخروج وحيداً تاركاً خلفه الأصدقاء والرفقاء، وسعى الرجل ليحصل على جواز سفر كي يغادر تلك البلد التي شعر تجاهها على ما يبدو بالظلم والمهانة، وفي أثناء بحثه عن طريقة للهروب وقع مرة أخرى في الاعتقال لمدة أشهر، لكنه خرج بعدها وهرب عن طريق البحر بطريقة غير شرعية ليتجه فوراً إلى بريطانيا ويتنقل بعدها من دولة أوروبية لأخرى.

برغم كل ما سبق من تاريخ الرجل الذي لم يكن مختلفاً عن الكثير من أبناء جيله، فحتى سجنه، هناك من سُجن أكثر منه وعُذب أكثر منه، ولم يحظ بما حظي به الرجل الذي أصبح بين عشية وضحاها أحد أعضاء منظمة “أمنستي أنترناسيونال” الحقوقية، لينتقل بعدها إلى جينيف، ويتقلد المناصب ليصل إلى أعلاها في المنظمة الأممية للأمم المتحدة، وكان ذلك بفضل الرجل الذي يوصف بأنه أحد أتباعه، وهو الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، والذي يعمل بن  عمر مديراً لمؤسسته التي أنشئت على ما يبدو لتفتيت الدول العربية والإسلامية وفقط .

السودان واليمن وأفغانستان قصة تفتيت دول:

ربما يعرض البعض سيرة الرجل في صورة من البطولة للألم الذي تعرض له وحياة السجن وويلاته التي ذاقها مبكراً، لكن لا أحد يستطيع أن يتجاهل صفحات الرجل المليئة بالكوارث على تلك الدول التي كان له فيها تواجد من خلال تمثيله في بعثات ووفود شاركت في معالجة انقسامات داخل تلك الدول، لكن هذه المعالجة كانت دائماً ضدها ومن ذلك:

السودان : في 10 فبراير الماضي، شن الرئيس السوداني عمر البشير، هجوماً على جمال بن  عمر، وذلك في كلمة له أمام البرلمان بثتها الفضائية السودانية الرسمية، متهماً إياه بأنه من أضاع اليمن، والمتتبع لتاريخ الرجل سيعرف أن ما فعله في اليمن لم يكن ببعيد عن السودان التي كان مسؤولاً عن ملفها وممثلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة، حيث كانت التقارير تدين السودان وتضغط باتجاه تشويه سمعتها وصورتها حتى وصل الأمر للانفصال وتقسيمها بعد ما كانت تقارير المنظمة الدولية تصب وتدعم المتمردين، وربما لم ينس البشير ذلك، ولم يستطع قول ذلك فاتهم بن  عمر بتضييع اليمن في إشارة للسودان.

أفغانستان : ‏في عام 2001 تم تمثيل بن  عمر في  الفريق الأممي المكلف بإعادة تأسيس الوضع السياسي في  أفغانستان، ويكفي أن نعرف ما عليه أفغانستان الآن لنعرف دور الرجل الذي لم يكن على ما يبدو إيجابياً.

العراق: بعد أن فرغ الرجل على ما يبدو من مهمته في أفغانستان وعلى ما يبدو أيضاً أنه أداها بنجاح جعلته المنظمة الأممية ضمن فريق العراق في 2003م، حيث كان الرجل ضمن الفريق الذي نصب إياد علاوي رئيساً للحكومة، وأقر الأمر على ما هو عليه، لتصل العراق إلى ما هي فيه الآن وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد كانت مخرجات العراق من رحم “مؤتمر الحوار الوطني العراقي” وهي هي مخرجات “الحوار الوطني اليمني”!

في اليمن: وهي الصورة الحية الآن لدور بن  عمر في ترسيخ انقسام اليمن واستتباب الأمر للحوثيين بعد أن هرب  علي عبد الله صالح بجرائمه ومليارته من أن يعاقب، أو حتى يخرج من المشهد ووصل الأمر ببن عمر أن يطرح حل الدولتين في لقائه بالرئيس هادي، وفقاً لما أوردته صحيفة «العرب اللندنية”.

وقد كتب الإعلامي محمد كريشان منتقداً دور جمال بن  عمر في اليمن قائلاً: دور بن  عمر تحول صراحة الآن إلى «شرعنة الانقلاب» وفق كثير من اليمنيين، فهو لم يفعل طوال الفترة الأخيرة سوى ما يؤدي إلى «ترسيخ حكم الحوثيين»، ويكفي هنا مقارنة الخط البياني لأدائه مع خطوات الأمر الواقع الحوثية.  ليؤكد كرشان بالقول: “في كل خطوات الحوثيين كان بن  عمر يتكلم بلغة مائعة لا تعني شيئاً، شجعتهم على التجرؤ أكثر فأكثر حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. كل ذلك يجعل من جمال بن  عمر أكثر من مجرد شاهد زور”.

وعلى ما يبدو كان الكاتب الصحفي والمفكر الإسلامي محمد المختار الشنقيطي على درب كريشان، حيث تسائل الشنقيطي عبر حسابه قائلاً: “هل يقود مبعوث الأمم المتحدة جمال بن  عمر  اليمن إلى الهاوية؟!” وفيما يبدو أن الجواب قد ظهر جلياً.

 

Exit mobile version