تحقيق: العزوف عن الزواج.. تدمير لقطاع غزة

 

مع استمرار التضييق وشد الخناق على قطاع غزة، وسد كافة منافذ الحياة أمام المواطنين، تتكشف المعاناة بشكل كبير، وتبرز على السطح في كل فترة وجيزة أزمة جديدة لتضاف إلى قائمة الأزمات التي لن تتوقف في ظل استمرار الوضع الذي يعيشه قطاع غزة.

وجديد الأزمات التي تعصف بسكان غزة هي ما كشف عنها المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في القطاع، حيث أصدر تقريراً أوضح فيه انخفاض عدد الزيجات بنحو 1500 عقد زواج، بنسبة وصلت إلى 16.3% مقارنة بالسنوات السابقة، قابله في الوقت نفسه ارتفاع حالات الطلاق بنسبة 1%.

الحصار والحرب

وأكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي د. حسن الجوجو في تصريح لـ”المجتمع”؛ أن سبب عزوف الشباب عن الزواج يرجع إلى الحصار والحرب وبطء الإعمار في غزة، مشيراً إلى أن معدلات الزواج في عام 2014م هي الأدنى مقارنة بالأعوام السابقة.

وأضاف الجوجو في معرض حديثه عن أسباب تراجع الزواج في غزة، أن من الأسباب الأخرى التي أدت إلى زيادة الطلاق وانخفاض معدل الزواج في غزة عدم وجود مسكن مستقل للزوجة بعيداً عن العائلة؛ بسبب تدمير آلاف المساكن, وعدم دخول مواد البناء منذ عدة سنوات لغزة , إلى جانب ارتفاع أسعار شقق الإيجار إلى 300 دولار شهرياً، لافتاً إلى أن هذا المبلغ كبير للغاية بالنسبة للشباب الذي لا تتوافر لديه أي فرص للعمل.

تحذير من تفاقم الأزمة

وحذر الجوجو من انهيار عام للنسيج الاجتماعي، وانعدام الأمن في المجتمع؛ وبالتالي تأثيراته على البنية الاجتماعية بشكل خطير, حيث توقع أن يزيد معدل الطلاق لـ20% مقابل عزوف شبه تام من الشباب على الزواج, إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.

وطالب رئيس المجلس الأعلى للقضاء الجميع وخاصة الفصائل الفلسطينية بضرورة العمل الجاد للحد من تفاقم الأزمة, ووضع الخطط والإستراتيجيات لمساعدة الشباب العاطل عن العمل, وتوفير فرص الحصول على الوظائف المناسبة لهم, حتى يستطيعوا أن يوفروا متطلبات الزواج, ويعيلوا أسرهم، مضيفاً أن تهتك النسيج الاجتماعي سلاح “إسرائيلي” أخطر من الاعتداء بقنبلة نووية.

واعتبر الجوجو الزواج الفلسطيني نوعاً من المقاومة الديمجرافية للاحتلال “الإسرائيلي”، وأن أي إحصائيات تشير إلى تراجع معدلات الزواج وارتفاع الطلاق يكون بمثابة خسارة للمقاومة الفلسطيني في تحديها للاحتلال الصهيوني.

نموذج من المعاناة

“فيش مصاري”.. بهذه الكلمة العامية والنبرة العفوية أجابنا الشاب “محمد” على سؤالنا له لماذا لم يتزوج؟

ويقول الشاب الذي تعدى السابعة والعشرين من عمره: درست في الجامعة في قسم الفيزياء، وأنهيت دراستي منذ أربع سنوات, وحتى الآن لم أستفد شيئاً من الشهادة التي حصلت عليها، رغم أن التخصص الذي درسته مطلوب ومهم.

وأَضاف أنه لن يتمكن من الزواج إذا استمر الوضع على هذه الحال دون الحصول على وظيفة مناسبة, وأنهى حديثه بسؤال بريء وهو: “إذا كُنت لا أستطيع أن أوفر احتياجاتي الأساسية؛ فكيف سأوفر لزوجتي وأولادي ما يريدون من متطلبات الحياة؟!”.

وفي وصف مشابه للمأساة التي يعيشها الشاب محمد يروي لنا الشاب خالد المصري قصته حيث يقول: “إن مسألة الزواج اليوم لا تراودني, ولا أفكر فيها؛ لأنني مشغول في التفكير بما هو أولى, وهو توفير السكن والوظيفة”.

وأشار إلى أن هناك من الناس من يشترطون فيمن يتقدم لخطبة ابنتهم أن يكون لديه شقة سكنية, ووظيفة وبعض الشروط الأخرى، ولا أمتلك شيئاً من هذه المواصفات, ويدفعني هذا إلى أن أبقى على الحال التي أعيشها حتى تتيسر أموري.

وأعرب عن أمله في أن تتحسن الأوضاع وتنتهي المأساة التي يعيشونها في هذه الظروف العصيبة.

أرقام مذهلة

جدير بالذكر أن معدلات الفقر والبطالة التي طالت فئة الشباب بغزة ساعدتهم على قرار العزوف عن الزواج، حيث شهدت معدلات البطالة في القطاع ارتفاعاً ملحوظاً منذ بداية العام الماضي تجاوزت الـ55%، بواقع أكثر من 230 ألف شخص عاطل عن العمل، وفقد أكثر من 700 ألف مواطن لدخلهم اليومي في حين بلغت نسبة الفقر الـ65%.

ووفقاً لإحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة، فإن القطاع يحتاج لأكثر من 250 ألف وحدة سكنية بعد العدوان الأخير الذي شنه الاحتلال الصهيوني، ولفتت الوزارة في بيانها إلى أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة تسير بشكل بطيء، وأنها بحاجة إلى جهد أكبر.

أما وكالة المساعدات الدولية “أوكسفام”، فإنها صرحت في بيان لها أن إعادة إعمار قطاع غزة، وبناء ما خلفته الحرب “الإسرائيلية” الأخيرة على قطاع غزة، قد يستغرق مائة عام في حال لم يتم رفع الحصار، وإدخال مواد البناء.

تداعيات الأزمة

وقد تركت أزمة عزوف الشباب عن الزواج تأثيرات سلبية على سوق الذهب التي بدت علامات التأثير واضحة بعد أن أصبحت شبه خالية من قاصديها.

وقال أحد تجار الذهب في غزة: أصبحت سوق الذهب خالية من المشترين، كنا في السابق نشهد ازدحاماً من قبل المقبلين على الزواج، أما الآن فدخلنا في تراجع بشكل كبير، لافتاً إلى أن أحوال البلاد تنتقل من سيئ إلى أسوأ.

وأضاف آخر: نستقبل في اليوم الواحد عدداً لا يتعدى الخمسة عرسان يمرون على كل التجار الموجودين في السوق, بينما كنا في الماضي نتلقى أكثر من 150 عريساً في اليوم الواحد.

ويبقى المواطنون في غزة عرضة لمثل هذه الأزمات التي لن تتوقف على المدى القريب في ظل الواقع الذي يعيشونه, والتخوف السائد أن تكون الأزمات القادمة مقدمة لانعدام كافة مقومات الحياة, وتفتت الترابط الاجتماعي الذي يحاول سكان غزة المحافظة عليه رغم كل الأسباب والوسائل التي تمسه.

Exit mobile version