مبادرة السعودية لحل الأزمة المصرية.. هل تلحق بسابقاتها؟

 

 

 

 

الكلمة النهائية في المصالحة رهن بقادة الحراك الميداني

 

سؤال الثورة أم السياسة يحسمه توافق قوى عديدة وإلا فـ”الإخوان” عليهم الذهاب للتفاوض

 

ياسر سليم

 

“الطريق لرفض شيء قد يبدأ بقبوله”.. مقولة لـ”علي عزت بيجوفيتش”، الرئيس البوسني الأسبق.

هناك استقطاب حاد بين دول المنطقة؛ بسبب الموقف من مصر، حيث تجري على قدم وساق عملية رسم خرائط سياسية جديدة في المنطقة؛ لذلك يسعى الجميع لحل الخلافات، فالتحديات الإقليمية تفرض على الجميع تجاوز ملف الخلاف على مصر، للتفرغ لما هو أخطر على الجميع، وربما يكون هناك حل وسطي للأزمة المصرية، ممثلاً في المبادرة السعودية التي يتردد أنها تحاول جمع شتات الفرقاء مؤخراً.

في المملكة ترتفع وتيرة الزيارات للعاصمة من قبل شخصيات سياسية ورؤساء دول قامت بزيارة العاصمة “الرياض” في وقت متزامن، بما يشير لوجود مبادرة خليجية ربما تجمع الفرقاء الإقليميين.

 من السذاجة السياسية استبعاد وجود مبادرة في الوقت الذي أتى فيه ملك الأردن للقاهرة في زيارة استغرقت ساعتين، ويسافر فيه “عبدالفتاح السيسي” إلى الرياض في زيارة لعدة ساعات، في نفس الوقت الذي تواجد فيه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بالرياض.

من واقع التصريحات والتحركات، يتضح أن المبادرة مطروحة برعاية سعودية، وأطراف إقليميين هم نظام “السيسي” وتركيا وقطر، والإخوان.

 يرى البعض أن المبادرة السعودية ستكون بديلاً لخيار الملك الراحل “عبدالله بن عبدالعزيز” الذي كان يركز على دعم نظام “السيسي” لأبعد مدى، وهو ما لن يكون مقبولاً عند “أردوغان”، أما موقف الإمارات فيتحدد بموقف الدول الكبرى في المنطقة.

ومؤخراً برزت تصريحات على الجانبين يمكن من خلالها استجلاء الوقائع خلف الكواليس، ففي مجمل تصريحات “السيسي” لجريدة “الشرق الأوسط” المقربة من الملك “سلمان بن عبدالعزيز”، خفّت اللهجة الاستعلائية الإقصائية الرافضة لكل حل، وبدرت منه محاولة لأن يقول للمملكة: إنه لا يقف عقبة في طريق تهدئة الأمور في مصر.

الظروف العامة للحوار الصحفي المنشور بالجريدة تشير –  بالإضافة لما تكشفه عن رغبة في المصالحة – لأزمة تحيط بعلاقات السلطة المصرية بعدد من الدوائر المحيطة به، وتشي بمحاولة منه لترميم الشروخ في العلاقات، بعد التسريبات التي توالت وكشفت عما تفكر به قيادات السلطة الحالية بمصر، واستوجبت تقديم اعتذارات ضمنية لشعوب الخليج من ضمنها الخطاب الرسمي المسجل والممنتج بطريقة غير معهودة في الخطابات الرسمية بالبلاد، ومنها إنتاج الأوبريت الغنائي السياحي الذي يقول للخليجيين: إن مصر قريبة، وفي الحوار أيضاً محاولة حثيثة لتوضيح أوجه إنفاق الأموال التي حصل عليها “السيسي” من الخليج.

ولأول مرة منذ الانقلاب توجه صحيفة سعودية سؤالاً لمسؤول في نظام “السيسي” حول الإخوان وإمكانية عودتهم للحياة السياسية، ولأول مرة يرد “السيسي” بردود دبلوماسية لطيفة، مؤكداً أنهم يمكن أن يعودوا للممارسة السياسة بموافقة الشعب المصري، وهي إجابة في حقيقتها هروب من مواجهة السؤال وإلقاء للكرة في ملعب الشعب بدون أي آليات لقياس رؤية الشعب المصري.

وفي محاولة لقطع الطريق على التعاون التركي الخليجي في مواجهة التهديدات، واستمراراً للتعاون مع كل عدو لتركيا (كما تعاون مع اليونان)، أو تفويت الفرصة عليها في لعب أي دور في المنطقة، أكد “السيسي” مفهوم “مسافة السكة”، باعتبارها رداً للجميل للخليج، فهو يريد أن يكون رأس قوة تدخل عسكري عربية، ضد جيوب “تنظيم الدولة الإسلامية” في المنطقة، ومنافسة الرئيس في ذلك الدور هو تركيا.

على الجانب الآخر، بدت تصريحات الرئيس التركي حازمة حينما سأله محرر صحيفة “الصباح” التركية حول إمكانية لقائه بـ”السيسي”؛ فرد “أردوغان” ساخراً: هل تمزح معي؟! مضيفاً: لا يمكن أن ألتقي بـ”السيسي”، وإذا قدر أن أقابله، فيجب عليه أن يتخذ الكثير من الخطوات قبل إتمام اللقاء، وفق ما بثته وكالة “الأناضول”.

الأرجح أن المبادرة لم تتبلور بعد في شكل نهائي، هي تفاهمات أولية ربما على لقاءات أو مباحثات غير مباشرة، لكن التأكيد على وجود مبادرة كاملة وجاهزة للتوقيع والتنفيذ الفوري هو من قبيل التمنيات لا الواقعية السياسية، فالمصالحات التي ترتطم بعقبات كبرى – لاسيما وإن كانت العقبات بلون الدماء وبطعم الأشلاء – لا تتم بهذه الخفة والسهولة.

أقصي ما ترمي إليه أي مبادرة في الوقت الراهن هو إيجاد أرضية للمصالحة، لكن المصالحة لا تتم بشكل عاجل، لا تتم قبل طرح أفكار من المؤكد أنها ستصب في طريق التفاهمات بين الطرفين.

وإذا جاز لنا أن نحاول استشراف المستقبل بناء على قراءة المواقف الثابت والراسخة للدول، فيمكننا القول: إن تركيا لن تقيم أي علاقة سياسية مع “السيسي”، ولن تعترف به رئيساً تحت أي ظرف، فقبول تركيا للتفاهمات يستهدف رعاية المصالح لا تحقيق المصالحة، فمصالح تركيا السياسية والاقتصادية لدى المنطقة ولدى مصر موجودة وتحتاج لجسر من التفاهم، والمصالحة لا تعنيها إلا بقدر ما ترضى بها الأطراف المعنية وصاحبة الحق الأصيل فيها، ولكن ماذا هناك لتقدمه تركيا لنظام “السيسي”؟

تركيا لاعب إقليمي قوي، يردع أي أطماع إقليمية غير عربية، لاسيما وأنها سُنية الهوى والهوية، تحمل حكومتها توجهات إسلامية معتدلة، مطلوب منها أن تواجه تهديدات لجماعات متطرفة، لذلك فقيامها بممارسة دور أكبر مطلوب ليس فقط خليجياً ولكن إقليمياً ودولياً، وهو ما يجعل لها وزناً إقليميا وكلمة مسموعة وطلباً مجاباً.

هنا يمكن فهم تصريحات “أردوغان” التي يقول فيها: إن على “السيسي” ما يجب عمله قبل أن يطلب “السيسي” لقاءه، وربما كان يقصد مثلاً إخراج السجناء.

أما الطرف الفاعل في المعادلة فهم الإخوان الذين لا يوافقون على أي شكل من أشكال المشاركة السياسية في ظل نظام “السيسي”، واضعين شرط عودة الرئيس “مرسي” للحكم قبل أي كلام.

وللحقيقة فالكلام عن عودة الرئيس “مرسي” للحكم ليس خطاباً سياسياً بالمرة، بل هو خطاب ثوري في الأساس، أما باقي المطالب كمحاكمة المجرمين الذين ارتكبوا المجازر بحق المصريين، فهو كلام يدخل في بند التفاصيل أكثر من كونه في صلب الخطاب السياسي الراهن.

لذلك فكل المبادرات التي تأتي من السلطة أو من وسطاء، يرفضها الإخوان رفضاً قاطعاً بدون الدخول في التفاصيل، ذلك لأنها لا تضع عودة الرئيس “مرسي” للحكم كما كان على رأس جدول المبادرات.

المبادرة الوحيدة المعتبرة التي يمكن البناء عليها، لابد وأن تأتي من الإخوان أنفسهم وتقدم إلى وسطاء دوليين، أو شخصيات وسيطة مثل راشد الغنوشي (الذي دعا السعودية للوساطة وقال: إنها تستطيع، وربما تحركت بناء على دعوته) وهو عموماً شخصية مقبولة عند معظم الأطراف.

وهل تملك تركيا وقطر الضغط على الإخوان لفرض أي حلول أو مبادرات؟

ولكن لماذا لا يحاول الإخوان إقناع قواعدهم في الشارع بتقديم مبادرة تخرج السجناء وتعوض الضحايا وذويهم، وتفتح الأفق السياسي للحل؟

هناك عقبتان في طريق ذلك، ألا وهما:

أن الجماعة وكوادرها دفعت – ولا تزال تدفع – ثمناً باهظاً من أعمار أبنائها من أجل عودة الشرعية المنتخبة، فكيف بعد كل ما جرى يمكن أن تقبل بحل سياسي يتجاهل الهدف الذي دُفع فيه ثمن غالٍ؟

إن الشهداء الذين سقطوا والسجناء الذين اعتقلوا، لم يُقدموا على التضحية بأنفسهم وبأعمارهم من أجل تعويض مادي، بل من أجل ما يعتقدونه هدفاً أسمى، فكيف يقتنعون بعد كل تلك التضحيات ببعض المال قلَّ أو كثر؟

أيضاً، فإن هناك عدداً من الأسئلة المطلوب الإجابة عنها وهي:

ما مصير السلطات المنتخبة انتخاباً حراً بمن فيها الرئيس والمجالس التشريعية؟ ما وضع الدستور المستفتى عليه (دستور 2012)؟ ما التوصيف الذي سيتفق عليه الجميع لحركة 3 يوليو؟ ما الوضع القانوني للمعتقلين والمطاردين والمحكوم عليهم؟ كيف سيتم وقف حملات الكراهية والتحريض؟ ما مصير الأموال التي تم الحصول عليها من الخليج عقب الانقلاب؛ هل ستعتبر ديوناً على الدولة أم على آخذيها؟ ما حدود سلطات العسكريين في الدولة؟ ما شكل ومضمون التصور للخروج النهائي من الأزمة برمتها؟

في إجابات كل ما سبق، يبدو “السيسي” جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، وهو ما يفاقم مسألة الوصول إلى حل للأزمة.

يبقي القول: إنه سواء نجحت المبادرة السعودية الأخيرة أو لم تنجح، تبقى حقيقة أن الصراع طويل، وهو في جوهره صراع إرادات، الكفة ترجح فيه للإرادة الأقوى.

 

 

 

 

 

Exit mobile version