حرب المالكي والعبادي.. إلى أين!

إن سيطرة “داعش” على ثلث العراق أو يزيد، وجعل العراق ساحة مستباحة لتصفية الحسابات وتصارع المشاريع، وحالة النزوح الجماعي والتغيير الديمجرافي التي تشهدها المحافظات العربية السُّنية، والانهيار الأمني وسيطرة المليشيات والعصابات الإجرامية على الشارع البغدادي خاصة والعراقي عامة، كل هذا، جعل أولوية بعض الصراعات في المشهد العراقي تتأخر قليلاً ولا تكون في الواجهة الإعلامية على الأقل، ومن هذه الصراعات صراعات قيادات حزب الدعوة الإسلامية الكثيرة ومنها صراع المالكي والعبادي والذي انقسم فيه البيت الشيعي (المحلي والإقليمي) إلى قسمين، قسم يَحملُ رؤية مرحلية استغلت هذا الخلاف واعتبرته فرصه للعب على حبال الفريقين المتصارعين والحصول على مكاسب خاصة، كما هي الحال مع التيار الصدري أو حتى بعض أجنحة النظام الإيراني المتكاملة في طهران، وآخر ذو رؤية إستراتيجية يرى في مثل هذه الصراعات إضعافاً للبيت الشيعي الكبير فيسعى إلى لملمة الأمور ومنع التشرذم والتقاطع، ولعل إرسال حسن نصر الله زعيم “حزب الله” في لبنان لقيادي من حزبه إلى العراق والبقاء لثلاثة أيام للوقوف على خلاف المالكي والعبادي ومحاولة عقد مصالحة بين الإثنين خير مثال على هذا التوجه، وبالتأكيد لا يوجد ما يمنع هذين المسارين من أن يسيرا بخطين متوازيين في الساحة العراقية من أجل تكامل المشروع الأم!

ويمكننا قراءة هذا المشهد والصراع الدائر بين الإثنين من عدة أوجه منها:

1- نظرة أطراف الصراع الخارجي: فنرى الجانب الأمريكي وقد حسم أمره مُتأخراً كعادته حول ملف المالكي، واعتبره بطائفيته وفساده سبباً في كل ما حصل في العراق من مآسٍ وآخرها احتلال “داعش” لجل العراق، ومن جانب آخر نرى الطرف الإيراني لم يحسم أمره بعد تجاه المالكي (وهذه لعبته التي يمهر بها!)، فهو ما زال يعتبر المالكي جزءاً من المعادلة السياسية العراقية رغم كل الإخفاقات والسلوكيات الاستئصالية اللامقبولة التي بدرت منه والتي جعلته مرفوضاً بإجماع القريب والبعيد، ولعل هذا ما يبرر الزيارات المتبادلة بين المالكي والقيادات الإيرانية، وقد يعود هذا لأسباب، منها:

أ- إن سياسة إيران في العراق تقوم على امتلاكها لعدة أذرع ضاربة، تناور فيما بينها، وتوزع عليها الأدوار، وتحرص على أن تُملّكها عناصر القوة والجرم، وفي ذات الوقت ترهبها بعصا الطاعة للسياسة الإيرانية بين الحين والحين، لتجعلها تحت السيطرة.

ب- ما زالت إيران في ريب من قدرة العبادي على أن يكون رجل المرحلة (إن كان هذا دوره فعلاً!)، وبذلك عليها أن تجعل البديل جاهزاً لأي طارئ، فهي لا تترك حديقتها الخلفية للمفاجآت!

جـ- الملفات الخطيرة (المشتركة) بينهم والتي تحمل عناوين الاستئصال الطائفي وملفات الفساد وصفقات الأسلحة، وملفات أخرى ما زال المالكي وزبانيته يحتفظون بها كمنفذين.

د- الخشية من المشاريع المنافسة للمشروع الإيراني في العراق، مثل المشروع الكردي قناص الفرص والساعي للتمدد، وشبه المشروع السني الساعي لاسترداد الحقوق المسلوبة، وبعض المشاريع العربية والإقليمية وإن كانت تتحرك في أولوية مُتأخرة وبتردد وعلى استحياء!

هـ- دور المالكي كقائد عام للقوات المسلحة، ووزيراً للدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات بالوكالة، في مسرحية احتلال “داعش” للعراق! وخفايا وأسرار هروب الجيش العراقي بـ”الدشاديش” وإخلاء الساحة لـ”الدواعش”، والأيادي الخفية والمنفذة لهذه اللعبة، ولعل هذا ما يبرر الأوامر الإيرانية الواضحة للحكومة العراقية والجهات القضائية بل وحتى البرلمانية من اعتبار المالكي خطاً أحمر فلا يجوز تجريمه أو حتى استجوابه حول أحداث احتلال الموصل!

2- نظرة أطراف الصراع الداخلي: حيث يلعب المالكي على حبل الصدام الواقع لا محالة للعبادي مع الكرد الذين وافقوا بل ورحبوا به كرئيس جديد للوزراء باعتباره ضعيفاً غارقاً في تحديات جمّة، أملاً في تحقيق مكاسب في ملفات مثل النفط والمناطق المتنازع عليها، ومع السُّنة الذين ما زالوا يحلمون بإعادة حقوقهم المسلوبة من حكومات حزب الدعوة المتعاقبة! بينما يراهن العبادي على قصقصة أجنحة المالكي في الدولة ومحاولة إلصاق كل ما كان من فشل الحكومات الشيعية المتعاقبة ورجالات حزب الدعوة الفاسدين بشخص المالكي فقط.

3- دولة المالكي العميقة: تلك الدولة الفاسدة التي زرعها المالكي في كل مؤسسات العراق، وهي اليوم تمثل العائق الأكبر لحكومة العبادي أو حتى لشخصه! بل وتسعى في كثير من أركانها إلى إفشال حكومة العبادي وبيان عجزها وانبطاحها!

4- الحشد الشعبي: يسعى كل من المالكي والعبادي إلى تجيير مليشيات الحشد الشعبي الشيعية (التي أطلقتها مرجعية النجف) إلى صفه وبكل ما يملكان من قوة، وهما يعلمان علم اليقين ما يعني مثل هذا التجيير من ثقل، والذي قد يقلب جل الموازين! خاصة مع تبلور حقيقية تأسيس تلك المليشيات لتكون الحرس الثوري الذي يحكم المشهد الأمني العراقي (غير مؤسساته الأمنية)، فيمرر مشروع الإبادة حيث التهجير والاستئصال من جهة، ويثبت النفوذ الإيراني من جهة أخرى، فالمالكي ما فتئ يحاول في الإعلام أو في مؤتمراته نسب الحشد الشعبي إليه باعتباره هو من أنشأه ومن موَّله، بل ومن أرسله إلى المحافظات السُّنية، وهو يحاول بشتى علاقاته اليوم أن ينصب نفسه قائداً رسمياً للحشد الشعبي، بينما العبادي يتحرك ضمن صلاحيات منصبه فيزور تلك المليشيات ويبالغ في مدحها وذكر إنجازاتها، ويغض الطرف عن جرائمها ويسمح لعتاولة مجرميها بالسكن في المنطقة الخضراء (الخاصة بالمسؤولين) والظهور رسمياً في وسائل الإعلام ليهددوا ويتوعدوا! ثم كانت بالأمس واحدة من أقوى ضرباته القاضية عندما وافق على صرف مبلغ 60 مليون دولار لتلك المليشيات رغم الوضع الاقتصادي الخانق الذي يعيشه العراق اليوم! في حركة ذكية لكسب ولاء عتاولة المليشيات وضمان دعمهم له!

ورغم كل هذا، فالأخبار الأخيرة عن الوساطة الإيرانية بين الطرفين تعلن عن توصلها إلى حقيقة طلبات كل منهما، فبينما كان شرط المالكي الأول توقف العبادي عن إلغاء القرارات التي اتخذها في السنة الأخيرة من حكمه، فإن العبادي اشترط إضافة إلى إيقاف حملات المالكي لتسقيطه، الكف عن التدخل في أمور الدولة عبر أزلامه ودولته العميقة.

وأخيراً وكما ذكر المقربون من قياديي حزب الدعوة الإسلامية تحقيق لقاء مهم بين المتصارعين المالكي والعبادي! ووصف اللقاء الساخن والذي تم مساء السبت الماضي بأنه لقاء العتاب والحسرات! حيث تحدث العبادي عن دور أزلام المالكي في النيل منه، ودور قناة “آفاق” (التابعة لحزب الدعوة والتي يشرف عليها المالكي بنفسه) في تسقيطه ووصفه بالانبطاحي لتأليب الشارع الشيعي ضده، بينما اتهم المالكي خَلَفَهُ العبادي بالتآمر عليه هو وقيادات حزب الدعوة وسرقة الولاية الثالثة منه.

والعجيب، وبعد كل هذا الخصام والمناوشات بل والتسقيط المتقابل، جاء التصريح الحكومي الختامي لنتائج هذا اللقاء وهو يتحدث من أن الطرفين اتفقا على دعم الجيش ومليشيات الحشد الشعبي في حربها ضد “داعش”، والحليم تكفيه الإشارة.

 

Exit mobile version