تقرير: استقبال سيئ للمؤتمر الاقتصادي بمصر

عولت حكومة الانقلاب العسكري بمصر كثيراً على عقد مؤتمرها الاقتصادي في مارس القادم؛ من أجل اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة، تخرجها من أزمتها التمويلية، حتى إن قائد الانقلاب العسكري سمى هذا المؤتمر بـ”ذراع مصر”.

 

 

 

 

 

عبدالحافظ الصاوي

عولت حكومة الانقلاب العسكري بمصر كثيراً على عقد مؤتمرها الاقتصادي في مارس القادم؛ من أجل اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة، تخرجها من أزمتها التمويلية، حتى إن قائد الانقلاب العسكري سمى هذا المؤتمر بـ”ذراع مصر”.

ويُصدر الإعلام الحكومي لمصر صورة وردية للمواطنين، وكأن المستثمرين الأجانب ينتظرون بفارغ الصبر عقد هذا المؤتمر لكي يصبوا استثماراتهم صباً في مصر، في حين أن واقع ومناخ الاستثمار بمصر يعكس حالة مغايرة تماماً، تتنافى وقواعد جذب الاستثمارات الأجنبية.

ولكي لا يكون كلامنا مرسلاً، فالشواهد التي تتناقلها وسائل الإعلام المصرية، تقدم ما يجعل المستثمر الأجنبي يعيد النظر في قرار الاستثمار بمصر، فالاستثمار ليس قراراً عاطفياً، ولكن المستثمر له هدف محدد، لا يعنيه أمر التنمية أو كل المبررات التي ترجوها البلد المستقبلة للاستثمار، إنما يعني المستثمر الربح بالدرجة الأولى، فهو الذي يحرك رأس ماله، وهو الدافع له باتخاذ قرار بالاستثمار في بلد ما دون الآخر.

وفيما يلي نتناول بعض الأمثلة على الاستقبال السيئ لحكومة الانقلاب لمؤتمرها الاقتصادي، المقرر عقده منتصف مارس القادم، وليس ذلك من قبيل الدعاية السياسية المضادة، ولكن من خلال شكاوى المستثمرين الحاليين بمصر، وعبر مؤسسات مجتمع الأعمال الموالية للانقلاب والمؤيدة له.

عجز الطاقة

فهل يُقْدم المستثمر الأجنبي على الاستثمار الأجنبي بمصر، وهو يعلم أن بمصر مشكلة في توفير الطاقة لما هو قائم فيها أصلاً من استثمارات؟، فأحد المواقع الإلكترونية المحسوبة على الانقلاب تنقل عن رئيس شعبة الصناعات التعدينية باتحاد الصناعات، بأن الغاز الطبيعي تم إيقافه عن مصانع الحديد منذ بداية فبراير الحالي، وأن الشركة المسؤولة عن ضخ الغاز، وعدتهم بضخه يوم 22 فبراير الحالي أيضاً، فإذا كان المصنع يتوقف لمدة 22 يوماً عن الإنتاج فضلاً عن باقي الإجازات في العام، فكم تكون أيام الإنتاج خلال السنة؟

لم يذكر رئيس شعبة الصناعات التعدينية عن كم مرة قطع عنهم الغاز منذ تفاقم أزمة الطاقة في مصر، وبخاصة بعد الانقلاب العسكري، وماذا يتوقع لإمدادات الغاز بقية عام 2015؟ على الرغم من انهيار أسعار النفط بنسبة وصلت 55% عما كانت عليه في يونيو 2014م.

وإذا كانت تقديرات نائب رئيس هيئة الطاقة النووية السابق، حول إنهاء أزمة الكهرباء بمصر، عبر المفاعلات النووية، تذهب إلى إمكانية تحقيق ذلك عام 2025م، إذا ما أقامت مصر أربع مفاعلات نووية خلال السنوات العشر القادمة.

فأي مستثمر سيأتي لمصر، وهو يعلم أن أزمة الكهرباء بها ممتدة لعشر سنوات قادمة؟ إن حكومة الانقلاب العسكري تظن أن الدعاية الإعلامية التي تضلل بها الجمهور بإمكانها إقناع مستثمر أجنبي! فالمستثمر الأجنبي يتخذ قراره بعد دراسات جدوى حقيقية، تأخذ في اعتبارها بدرجة كبيرة إمكانية البلد المستثمر فيه عن توفير الطاقة بصورة لا تؤثر على الإنتاج بأي صورة سلبية؟

شح الدولار

من الأمور التي يؤكد عليها المستثمر الأجنبي بأي سوق يتواجد بها، أن له حرية في دخول وخروج الأموال، ولكن البنك المركزي المصري في إطار سعيه للقضاء على السوق السوداء، التي اتسع نطاقها في ظل تراجع الموارد الدولارية لمصر، حدد الإيداع اليومي للأفراد والشركات بـ10 آلاف دولار، وبما لا يتجاوز 50 ألفاً في الشهر.

ولكن نفس شعبة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، وشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، تقدما بمذكرات لرئيس الوزراء، ورئيس البنك المركزي، تبين أن هذا القرار أثر بالسلب على نشاطهم، وأن عدم توافر الدولار من قبل البنوك في ظل قرار البنك المركزي، سوف يؤدي إلى توقف المصانع.

وذكرت مذكرة غرف الصناعات المعدنية، بأن 75% من مستلزمات الإنتاج بها يتم استيرادها من الخارج، وأن صادراتها تبلغ 4 مليارات دولار سنوياً، بينما وارداتها تبلغ 7 مليارات في العام، وأن الفارق بين الواردات والصادرات يمثل احتياجات السوق المحلية من منتجاتهم.

فإذا كان المستثمر المحلي على هذه الحال، من التعثر في تدبير احتياجاته من النقد الأجنبي؟ فماذا سيفعل المستثمر الأجنبي؟ ما الذي يدعوه لأن يستثمر في مصر في ظل هذه القيود، في حين أن هناك دولاً أخرى تتيح له حرية التصرف في الأموال في إطار قانوني، وبشكل أسرع.

إن أخطر ما تعكسه أزمة الدولار في مصر على الاستثمار الأجنبي المباشر، هو الشعور بعشوائية الإدارة الاقتصادية، فالبنك المركزي اتخذ هذا القرار لحماية سعر الصرف، وللقضاء على السوق السوداء، ولكنه تناسى أن مصر تعاني من عجز في ميزانها التجاري منذ أربعة عقود، حيث تبلغ الصادرات المصرية نصف الواردات، طوال هذه الفترة، فكيف يتخذ البنك المركزي هذا القرار، في ضوء معلومات يقوم هو بنشرها على موقعه الإلكتروني، وفي نشراته وتقاريره الاقتصادية؟

عشوائية المشروعات

لم تنقل جرائد المعارضة، أو مناهضو الانقلاب في مصر أي شيء عن مضمون المشروعات التي ستقدمها مصر للمستثمرين الأجانب بالمؤتمر الاقتصادي، ولكن الإعلام الحكومي المؤيد للانقلاب هو الذي نقل عن أحد المسؤولين بأن مشروعات محافظة الإسكندرية ستكون عبارة عن عربات كشري وبليلة وذرة،؛ مما عرض إدارة المؤتمر للعديد من الانتقادات، حتى من قبل المؤيدين للانقلاب.

كأن المشروعات متناهية الصغر أصبحت محل اهتمام المستثمر الأجنبي، فضلاً عن أن التنمية بمصر في حاجة شديدة لمشروعات الكشري والبليلة والذرة! هؤلاء المسؤولون يعكسون حالة من الاستخفاف بالشعب المصري واحتياجاته.

فهل ستخرج هذه المشروعات نحو 40% من الشعب المصري من تحت خط الفقر؟ أم ستنتشل 12.9% من الشعب من براثن البطالة؟ أم ستفتح آفاق العمل للداخلين الجدد لسوق العمل، والذي يصل عددهم نحو 850 ألف فرد؟

على الجانب الآخر، تشعر بحالة من الإسهاب من قبل المؤسسات والوزارات المصرية، فوزارة الإسكان أعلنت عن عرضها لمشروع عقاري بمدينة أكتوبر، يتكلف 120 مليار جنيه، أي حوالي 15 مليار دولار، بسعر 8 جنيهات للدولار.

وكذلك أعلنت باقي المؤسسات في المشروعات التي مازالت رهن التخطيط مثل محور قناة السويس، بأنها ستعرض مشروعاتها على مستثمري المؤتمر.

إشاعة جو الحرب

قبل أقل من شهر على انعقاد المؤتمر، تدخل مصر في حرب مع بعض الفصائل الليبية، لتحظى باعتراض دولي، وإقليمي وخاصة من دول شمال أفريقيا؛ وهو ما يوصل رسالة غاية في السلبية عن أوضاع الأمن في مصر، فهل إقبال دولة على حرب غير محددة – يتوقع لها البعض أن تكون مفتوحة، ما لم تسلك مصر طريقاً غير الحرب في ليبيا –  يشجع مستثمر أجنبي على القدوم إليها، وبث أمواله فيها؟

إن إشاعة أجواء الحرب هي التي تدعو الاستثمارات الأجنبية إلى الهرب، وهو واقع معاش في غير دولة، ولعل واقع الاستثمارات الأجنبية في كل من سورية واليمن خير شاهد، فلا ينتظر في هذه الأجواء أن يأتي مستثمر إلى مصر، إلا بعد أن يشعر بأن أجواء الأمن والسلام قد حلت محل تلك الأجواء السلبية، وهي حالة الحرب التي تعيشها مصر في سيناء، أو في جبهتها الجديدة التي فتحتها في ليبيا.

ومن عجب أن بعض الإعلاميين المحسوبين على الانقلاب، يعلن أن مصر بعد أن تنتهي من ليبيا ستتجه إلى تونس، التي لا يوجد بها جيش أصلاً – حسب وصفه – إن رسالة الحرب لم تعد قاصرة على مصر، ولكن يراد لها أن تعم المنطقة!

 

 

 

Exit mobile version