اللاجئون: كم شخصاً يجب أن يموت قبل أن تتحرك أوروبا؟!

الآلاف يموتون في البحر الأبيض المتوسط، والاتحاد الأوروبي وعد بأنه سيضاعف جهوده في علاقته بهذا الأمر، ولكن يبدو أن الإرادة السياسية لمساعدة هؤلاء الناس غائبة.

 

 

 

 

يوديث زوندارلاند

الآلاف يموتون في البحر الأبيض المتوسط، والاتحاد الأوروبي وعد بأنه سيضاعف جهوده في علاقته بهذا الأمر، ولكن يبدو أن الإرادة السياسية لمساعدة هؤلاء الناس غائبة.

أمان (29 عاماً)، شاب من إريتريا، حدّثني عن قصة سفره الشاقّة نحو أوروبا عندما وصلني خبر موت مئات اللاجئين في البحر الأبيض المتوسّط، في الصيف الماضي، خاطر هو ومجموعة أخرى، كنت قد تحدّثت معهم خلال الأسبوع الماضي في مدينة “درسدن”، خاطروا بحياتهم بالسفر بحراً من ليبيا التي تنهار شيئاً فشيئاً إلى إيطاليا في قوارب مزدحمة وغير صالحة للإبحار، وقد تم إنقاذهم جميعاً عبر سفن البحرية الإيطالية في إطار عملية “بحرنا” للتفتيش والإنقاذ.

وقد مات عدد كبير من المهاجرين خلال العبور عبر البحر المتوسط، الذي يمثل بدون شك طريق الهجرة الأخطر في هذا العصر؛ في 8 فبراير مثلاً مات حوالي 300 شخص بين رجال ونساء وأطفال حاولوا عبور البحر الذي غلب عليه الطقس الشتويّ العاصف، عبر قوارب مطاطية صغيرة، وقد نجا منهم 29 شخصاً من الغرق، لكنهم توفوا بسبب انخفاض شديد في درجة حرارة أجسامهم، ولا تتحمّل الطبيعة فقط، ولا المهرّبون ولا القدر مسؤولية هؤلاء، بل أوروبا كذلك تتحمل مسؤوليتهم.

وبما أن العديد من الدول يعيش أزمات، وبما أن ليبيا تغرق في الفوضى، فإنه لا شك في أن الآلاف سيركبون “قوارب الموت” في الأشهر القادمة، وبالنظر إلى ظهور مجموعات متطرّفة مثل “داعش” حتى في ليبيا وإلى زيادة الإرهاب في أوروبا، فإن الأخيرة ترى نفسها محقة فيما تفعله في إطار سياساتها الحدودية، خاصة وأن الأمن من أولويات هذه السياسة؛ ولكن ترك الناس يغرقون يُعتبر إخفاقاً أخلاقياً ولا يمكن تبريره بأي حجة كانت.

وقد تركّز ردّ فعل الاتحاد الأوروبي على هذه الهجرة الخطيرة على التدخّل الأمني والمراقبة وحماية الحدود، وهذا ما يؤكد عليه دائماً المجلس الأوروبي، في المقابل يوجد نقص مُخجل في الإرادة السياسية عندما يهم الأمر حماية هؤلاء الهاربين من التتبّعات والعنف الذي ينجر عن السفر بطريقة غير منظمة؛ كان من الأفضل إيجاد طرق شرعية وآمنة تصحبها جهود كبيرة في إنقاذ كل من لم يجد أي مخرج آخر غير هذه الطريقة. 

سياسة أوروبا الخاطئة

بعد مأساة “لامبيدوزا” في أكتوبر 2013م والتي ذهب ضحيتها 366 شخصاً على الأقل ممن حاولوا الوصول إلى أوروبا، وعد الاتحاد الأوروبي بالتحرك أكثر ضد موت الناس في البحر المتوسط، وقد ألقيت خطابات ونُظمت لقاءات وكُلّفت مجموعة عمل خاصة بتنفيذ التوصيات، ولكن المآسي التي حدثت منذ فترة غير بعيدة، بيّنت أن السياسة التي تتبعها أوروبا في هذا الشأن خاطئة؛ فبعد سنة ونصف سنة من مأساة “لامبيدوزا” وموت أكثر من 3800 شخص – حسب تقديرات الأمم المتحدة – لم يلتزم الاتحاد الأوروبي بأي تعهدات ملموسة، ولم يحرز أي تقدم فيما يخص إيجاد طرق آمنة للمهاجرين، وقد طالبت المفوضية السابقة للاتحاد الأوروبي “سيسيليا مالمستروم” بعملية تفتيش وإنقاذ أوروبية تمتد على كامل البحر الأبيض المتوسط من قبرص إلى إسبانيا، وقد تبنّى كل من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، والمدير العام للمنظمة الدولية للهجرة نفس المطلب.. في الوقت الحالي،  تتحمل كل دولة تطل على البحر الأبيض المتوسط مسؤولية الإنقاذ في منطقة معينة، رغم ذلك فإن ليبيا بالتأكيد لا تستطيع القيام بذلك كما أن الدول الأوروبية التي يهمّها الأمر مباشرة مثل إيطاليا ومالطا لا يمكنهم التعويل على دعم الاتحاد الأوروبي برمته.

وقد اتخذت إيطاليا خطوة أحادية بإطلاق عملية “بحرنا”؛ إذ بعثت سفنها البحرية إلى المياه الدولية قبالة السواحل الليبية، أين ستعمل على إنقاذ سفن الهجرة التي تستحق العون؛ وقد قامت البحرية الإيطالية بإنقاذ ما لا يقل عن نصف الذين حاولوا الوصول إلى أوروبا عام 2014م وعددهم 218 ألفاً.

وحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فقد توفي في السنة الماضية ما يقرب عن 3500 شخص في البحر الأبيض المتوسط، وهنا يمكننا أن نتخيل كم كان سيكون العدد لو لم تكن عملية “بحرنا”، وبسبب هذه الجهود المبذولة، جوبهت الحكومة الإيطالية بانتقادات داخلية وخارجية تتهمها بتشجيع الهجرة غير المنظمة، ولكن معطيات واقعية تدحض هذه الانتقادات؛ إذ إن نصف المهاجرين على قوارب الموت هاربون من انتهاكات حقوق الإنسان في إريتريا، وهاربون من الحرب في سورية، كما أن أكثر من 7 آلاف شخص حاولوا الهجرة عبر البحر منذ بداية هذه السنة، أي بعد انتهاء عملية “بحرنا”، وذلك رغم الظروف الصعبة وعدم وجود أي ضمان لوصولهم سالمين، وقد قدّرت المنظمة العالمية للهجرة عدد الذين تمكنوا من العبور بحراً منذ 13 فبراير بما يقارب 4 آلاف.  

وعندما أصبحت إيطاليا غير قادرة على تحمل مصاريف ومسؤولية الإنقاذ وحدها أنهت عملية “بحرنا” في نوفمبر الماضي، وقد كلّف الاتحاد الأوروبي في المقابل وكالة “فرونتاكس” لحماية الحدود بالقيام بعملية أصغر حجماً وبميزانية شهرية تُقدر بثلث ما كان يُرصد لعملية “بحرنا”، ورغم مشاركة سفن عملية “فرونتاكس” المسماة “تريتون” في الإنقاذ في الأشهر الماضية فإن الحكومة الإيطالية، وليست “فرونتاكس”، هي التي أنقذت أكثر من ثلثي الأشخاص الذين تم إنقاذهم منذ انطلاق العملية المذكورة والذين يُقدر عددهم بـ19 ألف شخص، وقد بيّنت حالات الوفاة الأخيرة محدودية موارد هذه العملية وامتدادها الجغرافي، فقد عجزت هذه العملية عن الاستجابة لنداءات الاستغاثة التي تصدرها قوارب المهاجرين، وقد تبيّن أن السفينة الرئيسة في أسطول “فرونتاكس” لم تكن متاحة لأنها كانت تخضع للصيانة، كما لا يتوقّف عمّال “فرونتاكس” من التّأكيد على أن أولوية الوكالة هي حماية الحدود وليس الإنقاذ.

ألمانيا هي البلد الذي يتيح أكبر عدد من الأماكن

وقد طالب المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية “ديميتريس أفراموبولوس” جميع حكومات دول الاتحاد الأوروبي بدعم مقترحات عمليّة مثل قبول اللاجئين عبر سفارات دول الاتحاد الأوروبي وقنصلياتها وتسريع إصدار التأشيرات ذات الطابع الإنساني؛ لكن طلبه هذا لم يأتِ بنتيجة، كما يبدو – في نفس السياق – الاستعداد للتخفيض من شروط جمع شمل العائلات ضعيفاً، وهو أمر من شأنه أن يسهّل على ذوي الحاجة الوصول بأمان إلى أوروبا.

كما نادت المفوضية الأوروبية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين منذ وقت طويل دول الاتحاد الأوروبي إلى فرض برامج لإعادة توطين اللاجئين، ولكن 15 دولة من بين هذه الدول لا تستطيع أن توفر حصة لمثل هذه البرامج، في المقابل تبيّن ألمانيا أنها الأكثر كرماً من خلال توفيرها لـ5 آلاف إقامة دائمة، ومن خلال عرضها لإعادة توطين 30 ألف لاجئ سوريّ إضافيّين، في حين وعدت بقية دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة بقبول 6 آلاف لاجئ سوري، ولم تقبل بريطانيا إلى الآن إلا 90 شخصاً.

وبالعودة إلى أمان، فقد هرب هذا الشاب من القمع في إريتريا ووصل إلى ألمانيا بعد المرور عبر السودان ثم مصر، وقد تم تعذيبه لمدة طويلة من قبل تجار البشر في شبه جزيرة سيناء حتى حصل على حريته بعد دفع مبلغ مالي كبير، وقد ساعدته منظمة إغاثية في الوصول إلى إثيوبيا، وانطلاقاً من هناك، عبر السودان وليبيا ثم منها بحراً نحو إيطاليا، يجب ألا نجعل من إيجاد ملاذ أمراً صعباً إلى هذه الدرجة.

 

المصدر: صحيفة “تسايت” الألمانية

 

 

 

Exit mobile version