هل يترحم العراقيون على أيام “المالكي”؟

إذا ما كان بعض العظماء من القادة والحكام قد أتعبوا من بعدهم؛ بسبب جهود مخلصة أرسوا

إذا ما كان بعض العظماء من القادة والحكام قد أتعبوا من بعدهم؛ بسبب جهود مخلصة أرسوا من خلالها قيم العدالة والنهضة في أممهم ودولهم، فإن المالكي قد أراح من بعده؛ حيث أسس لدولة الظلم والطائفية والفساد، حتى خفف الحمل على من سيخلفه، والعراقيون لم يروا الخلاص في مشروع شائك للعودة إلى دولة العدالة والمساواة، بل كل ما تمنوا زوال المالكي وأركان حكمه، وكل ما بعده جلل!

من هنا كانت ولادة العبادي العسيرة داخل الائتلاف الشيعي يسيرة عند الجميع، فقد ترقبها الأكراد باعتبارها فرصة لرئيس جديد يأتي على حزمة كبيرة من التحديات، يستطيعوا من خلال استغلالها حصد المزيد من المكتسبات وهم على ذلك سائرون.

بينما وجدت الأحزاب الشيعية ومليشياتها والمرجعية الدينية في النجف في هذا التغيير منحة ما بعدها منحة؛ من أجل غسل بعض درن الحكومات الشيعية المتتالية في حكم العراق من بعد الاحتلال، والتي أثبتت فشلها ليس في إدارة الدولة فحسب بل وحتى في صيانة كيان العراق أو الحفاظ على كرامة أهله وهم على ذلك سائرون، بينما كان غاية المظلومين من أهل السُّنة الخلاص من كابوس المالكي وزبانيته؛ ظناً منهم أن لا ظلم بعد ظلم المالكي، والقادم أفضل!

دعم مطلق لرجل مجهول

والعجيب في الأمر ذلك الدعم المتوافق عليه دولياً وإقليمياً وعربياً وعراقياً لشخص العبادي، وكأنه المُخلص للعراق من محنته!

فإيران أرادت الخروج من أزمة المالكي المرفوض على كل المستويات والصعد، والذي سيمنعها من تنفيذ مراحل مشروعها في حال تجديد الولاية الثالثة له، وأمريكا تعبت من اللعب مع مجرم مراوغ فاسد يلعب على الحبلين، ويوازن بين الاحتلالين، وكذلك الحال بالنسبة للقادة العرب الذين رحبوا بقدومه وهم يلقون سبع أحجار على حقبة المالكي، ولكنهم ربما سيضطرون إلى جمع سبعين أخرى بعد أن يتبين لهم الدور الأكثر خبثاً ومكراً للعبادي!

لقد جرى تقديم رئيس الوزراء الجديد على أنه الأكاديمي صاحب شهادة الدكتوراه وبراءات الاختراع الهندسية من الجامعات البريطانية، وابن العائلة المعروفة؛ حيث كان والده طبيباً ومفتشاً في وزارة الصحة، والبغدادي المُتمدن بن مدينة الكرادة العريقة.

كل هذا من أجل بناء صورة ذهنية جديدة عنه عند العراقيين، ومع أنه ليس كسابقه فهو أكثر تفهماً وله برنامج إصلاح وتغيير!

بينما الحقيقة غير ذلك، فالعراقيون وإن دفنوا رؤوسهم في الرمال عن سلوك العبادي خلال عمله في الدولة من بعد الاحتلال وهم يرومون الخلاص من المالكي، فإنهم يعرفونه على حقيقته من خلال نهجه ومواقفه، فهو القيادي الأصولي في حزب الدعوة، والذي لم يُعرف عنه يوماً من الأيام أنه رجل وطني أو قائد لكل العراقيين، بل كان وبشهادة جل العراقيين من أشد المدافعين عن جرائم وظلم المالكي زوراً وبهتاناً، ومن أشهر المبررين لجرائم حكومات حزب الدعوة وسعيها لاستئصال العرب السُّنة! والمكتبة الإعلامية مليئة بلقاءات تلفزيونية ولقاءات صحفية قد تكون أفصح مني في فضح حقيقة هذا الرجل!

هل ضحك العبادي على الجميع؟

لنتفق أولاً على أن العبادي ليس أكثر من حلقة من حلقات مشروع لا يمكنه التحرر من خيوطه وليس كما أثير عن تمرده على حزب الدعوة ذي النزعة الطائفية المقيتة.. ولا هو بالحريص على إعادة الحقوق المسلوبة من السُّنة العرب.. وفي الوقت ذاته لا يحمل عصا سحرية لإزالة الخلافات بين حكومة المركز الشيعية وإقليم كردستان.

لقد لعب العبادي على أهل السُّنة من خلال محورين خبيثين:

الأول: معسول الكلام والزيارات المقصودة التي أوهم بها الكثير من المُستضعفين من أهل السُّنة من أنه يحمل مفاتيح الحل والخلاص لهم من خلال معاملة العراقيين كأسنان المشط.. فخطاباته كانت خالية من النفس الطائفي، وكان أول رئيس وزراء شيعي يزور جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ومدينة الأعظمية.

الثاني: لعبه على أولوية الملفات العراقية وعدم تنفيذه لوثيقة الاتفاق التي أوصلته إلى كرسيه، وتحجج بالملف الأمني واحتلال “داعش” لأكثر من ثلث العراق، وكذلك بملف الفساد المستشري وضرورة محاربته أولاً! بينما أخّر أو حجب أهم ملف بايعه على أثره زعماء أهل السُّنة، حيث إرجاع حقوقهم المسلوبة ومعاملتهم دون تهميش أو استئصال.

وحسب المراقبين، فقد هرب العبادي بخبث عن إقرار موازين العدالة والمواساة بين العراقيين وإعادة حقوق أهل السُّنة المسلوبة من قبل الحكومات الشيعية المتتابعة من خلال تصديق النظام الدولي والإقليمي والعربي والمحلي ادعاءاته ووعوده، وهو الذي صدق فيه قول الشافعي (رحمه الله): “يعطيك من طرف اللسان حلاوة.. ويروغ عنك كما يرغ الثعلب”.

بينما غض النظر بمكر مقصود وخبث معهود لأصحاب الرايات السود من مليشيات الحشد الشعبي المدعومة من المرجعية الدينية و”خامنئي” إيران وحرسه الثوري وجميع الأحزاب الشيعية في العراق، لتعبث بأهل السُّنة ومناطق سكناهم في صفحات تغيير ديموجرافي وحملات تهجير لم يشهد لها العراق مثيلاً وليكملوا بذلك صفحات المشروع الطائفي الأصفر الذي بدأه المالكي.

واليوم نرى العبادي وقد ظهر على حقيقته رجلاً كارتونياً لا يملك نفعاً ولا ضراً، ويخدم في دولة تقودها إيران عبر المليشيات المسلحة المجرمة للأحزاب الطائفية ليس إلا.

فبعد اختطاف النائب زيد الجنابي ومقتل عمه شيخ عشيرة الجنبات وابن أخيه وحمايته من جانب مليشيات معروفة.. ثم محاولة اغتيال محافظ ديالى السابق والنائب الحالي في البرلمان عن محافظة ديالى أمام محكمة الرصافة من قبل مليشيات مسلحة ترتدي ملابس الجيش، نجد أن ردود أفعال الائتلاف الوطني الشيعي ليس أكثر من ذر للرماد في عيون مساكين العرب السُّنة من سياسيين ومستضعفين من خلال استنكارات هزيلة وقرارات مفضوحة كقرار مقتدى الصدر بإيقاف أنشطة مليشياته الإجرامية!

وعندما نبحث عن الفعل الحقيقي نراه وقد جاء قوياً من خلال الزيارة الحاسمة لنائب الرئيس الإيراني للعراق قبل أيام، حيث بلغ الساسة العراقيون أوامر المرشد من أن المليشيات المسلحة خط أحمر، ولا يجوز التعرض لها أو معاقبتها على جرائمها؛ فهي الحامي الفعلي لمصالح إيران في حديقتها الخلفية العراق.

وقد عبر العبادي عن هذا المشهد المُخزي أمام قيادات السُّنة العرب في الدولة (النجيفي، والجبوري، والمطلك) وقال لهم: إنه لا يستطيع  كبح جماح المليشيات، كما أنه غير قادر عملياً على تنفيذ وعوده بشأنهم، وأن بقية الكتل السياسية داخل الائتلاف الشيعي لا تسانده، وأنه يفكر في الاستقالة، بينما توسل به مساكين القادة السُّنة للثبات على موقفه ووعدوه بمساندته، ومن هنا يتبين الدور الحقيقي لرئيس الوزراء العبادي، وأنه ليس أكثر من جسر لعبور المشروع الشيعي نحو مرحلة قادمة تلكأت قليلاً بعد أن بلغ إجرام المالكي مبلغه.

وإذا كان المالكي مجرماً طائفياً قد انكشف جرمه بعد أن كشر عن أنيابه ليسقط في نظر الجميع وإلى الأبد، بل وكاد المشروع الشيعي أن يسقط على يديه بعد أن عرف القاصي والداني حقيقة المشروع الطائفي الذي لا يُبقي ولا يذر، وصارت وثائق جرائمه وانتهاكاته تتقدم نشرات الأخبار العالمية والعربية، وأصبح عنواناً وعاملاً مشتركاً لجل مؤتمرات حقوق الإنسان وتعاطف المجتمع الدولي “مُتأخراً مع الضحايا من العرب السُّنة في العراق، فيمكن القول، حسب المراقبين: إن العبادي أشد خطراً من المالكي وهو يمرر ذات المشروع وسط غفلة المظلومين وممثليهم.

لذلك كان على السياسيين السُّنة العرب أن يتداركوا الأمر ويفضحوا هذه اللعبة الخبيثة ورجلها الكارتوني، ولا يستسلموا لتهديدات العصابات المجرمة والمليشيات الحكومية، ويسعوا إلى تدويل القضية ونزع الشرعية التي أعطوها للعبادي باعتباره ناكث عهود لا منفذ بنود، ويسارعوا بذلك قبل أن يترحم العراقيون على أيام المالكي، والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.

 

Exit mobile version