حكومات ووسائل إعلام أوروبيّة تنشر “الإسلاموفوبيا”

المسلمون يتمّ إقحامهم في نظريّة صراع الحضارات، وتصويرهم على أنّهم يمثّلون التخلّف والخطر في مقابل الحضارة الغربيّة التي تمثّل المُنقذ.

 

 

 

 

لينساي جرمان

المسلمون يتمّ إقحامهم في نظريّة صراع الحضارات، وتصويرهم على أنّهم يمثّلون التخلّف والخطر في مقابل الحضارة الغربيّة التي تمثّل المُنقذ.

قامت الحكومات ووسائل الإعلام الأوروبية على إثر هجمات باريس ببثّ رسائل تحمّل المسلمين مسؤوليّة العنف والإرهاب، بالنّسبة لها ليس فقط القلّة القليلة من المسلمين التي قامت بالهجمات، بل كلّ المسلمين يتحمّلون المسؤوليّة، تدّعي هذه الحكومات والوسائل الإعلاميّة أنّ الإسلام ديانة تشجّع على الأفكار الإرهابيّة، وأنّ المسلمين لا يشجبون هذه العمليّات ولا يندّدون بتصرّفات أبناء ديانتهم حتى إن كانت خاطئة، كما يُقال لنا الآن: إنّ أعداد الشّبان المسلمين الذين ينضمّون للجيش البريطاني أقل من أعداد الشّبان الذين يلتحقون بالدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام، وأصبحت طريقة لباس المسلمين وأكلهم ومحافظتهم على أوقات الصّلاة محلّ شك وريبة من قِبلهم، والرّسالة التي يريد هؤلاء إيصالها واضحة: الجالية المسلمة في أوروبا هي عدوّ مندسّ داخل المجتمع الغربي، وإذا كان البعض يلمّح بذلك فإنّ البعض الآخر وصل به الأمر لحدّ التّصريح به، على غرار حركة “بيجيدا” العنصريّة الألمانيّة التي تخطّط للامتداد نحو بريطانيا من خلال تنظيم مظاهرة قريباً في نيوكاستل شمال إنجلترا.

بهذه الطّريقة حتّى المسلمون الذين يرفضون استعمال العنف لتحقيق أغراض سياسيّة لا يستطيعون النّأي بأنفسهم عن اللّوم، كما يقول الإعلام الغربي أيضاً أنّ التّحركات الشبابيّة المطالبة بالتّغيير في العالم العربي تحوّلت إلى حركات متطرّفة وعنيفة؛ وهو ما ادّعاه الصّحفي “جون وار” في إحدى حلقات البرنامج الاستقصائي “بانوراما” على قناة “بي بي سي”.

ويشعر المسلمون اليوم أنّ هذه الممارسات تبيّن ازدواجيّة المعايير المعتمدة في أوروبا، إذ إنّ أغلب العمليّات الإرهابيّة التي تتمّ لا يرتكبها إرهابيّون مسلمون، بل تقوم بها حركات انفصاليّة أو من اليمين المتطرّف، وكمثال على ذلك فإنّ أكبر هجوم دموي حصل في السّنة الأخيرة كان في النّرويج على يد أحد أتباع الفكر اليميني المتطرّف ضدّ تجمّع شبابي لأحد الأحزاب اليساريّة. 

كما حصلت خلال الأسبوع الماضي عمليّة إطلاق نار على ثلاثة شبّان مسلمين في شمال كارولينا وادّعت الشّرطة أنّ الجريمة سببها خلاف على مكان في موقف السّيارات، لكن الكثيرين يعتقدون أنّ الأمر ليس كذلك؛ لأنّ القاتل ينتمي لمجموعة من الملحدين المتطرّفين، ولكن رغم ذلك لم تلق الجريمة أي استنكار جدّي أو حملة تنديد بما أنّ هذه المجموعة المسلّحة تتكوّن من ملحدين، ولم يتمّ اتهام الفكر الإلحادي بأنه يشجّع على الإرهاب ولم يتمّ التعرّض لاجتماعات الملحدين.

الأخيار في مقابل الأشرار

لماذا يتمّ التّعامل مع المجموعات الإرهابيّة بطرق مختلفة؟ جزء من الإجابة هي العنصريّة؛ إذ يتمّ تصوير المسلمين على أنّهم متعصّبون ومتطرّفون، وعلى أنهم طرف في صراع الحضارات بين الأشخاص الصالحين الذّين يمثّلهم الغرب بالطّبع والأشرار المتخلّفين الهمجيّين الذّين يؤمنون بالخرافات.

ولكنّ هذا التّقسيم يغضُّ النّظر على المناسبات التي أثبت فيها الغرب عدم تحضّره سواءً خلال الحربين العالميّتين أو “الهولوكوست” أو تأسيس الإمبراطوريّات التي استعمرت شعوباً توجد من بينها الشّعوب التي يحاولون الآن شيطنتها، كما يتناسى هذا التّقسيم أيضاً التّاريخ الحافل بالإنجازات والحضارة العريقة التي بناها المسلمون.

يتجاهل هؤلاء النّاس الحروب التي شنّوها ضدّ الشرق الأوسط خلال العقد ونصف الأخيرين، ويرفضون ربط الإرهاب بالغضب النّاتج عن التعرّض للغزو الأجنبي، وهذا التّجاهل هو سبب من أسباب “الإسلاموفوبيا”؛ لأن الناس لا يفهمون سبب غضب هؤلاء المتطرّفين الذين يناصبون العالم الغربي العداء.

كما نلاحظ أيضاً أنّه كلّما تورّطت بريطانيا والولايات المتحدة أكثر في الحرب، وتأكدت من فشلها؛ تركّز السّياسات الحكوميّة أكثر على الحدّ من الحريات العامّة، ويتمّ توجيه الرّأي العام نحو خلق مزيد من “الإسلاموفوبيا”.

فعندما انطلقت الحرب على الإرهاب في أكتوبر 2001م؛ توقّع معارضوها أن تنجم عنها مضاعفات خطيرة ليس فقط في شكل سلسلة من الحروب، بل أيضاً التّضييق على الحريات المدنيّة، وتصاعد العنصريّة ضدّ المسلمين، ولم يتوقّع أيٌ من مناصري الحرب أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه بعد أربعة عشر عاماً، فقد تعهّدوا بأنّ هذه الحرب ستقتلع الإرهاب من جذوره، وتشجّع على الدّيمقراطيّة، وتحمي حقوق الإنسان.. ولكنّ النتائج كما نرى الآن جاءت معاكسة تماماً وأدّت لموجة كبيرة من الإرهاب.

الهدف الأساسي للحرب كان اجتثاث الإرهاب من أفغانستان وباكستان وتدمير “طالبان”، و”القاعدة”، ورغم كلّ الأقاويل التي تدور حول النّجاح في التخلّص من “أسامة بن لادن”، فإن كلا التّنظيمين مازالا موجودين وبقوّة هناك، كما أنّ ورم الإرهاب امتد نحو الشّرق الأوسط وأفريقيا، وقد تمّ إغلاق السفارات الغربيّة في اليمن وليبيا التي تعاني من الحرب الأهليّة والانقسامات بعد أربع سنوات من القصف الغربي لها، ودولة “داعش” تسيطر على أجزاء كبيرة من سورية والعراق.

ورغم ذلك تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها اعتماد نفس الطّريقة التي أثبتت فشلها وهي قصف سورية والعراق، كما أعلنت بريطانيا هذا الأسبوع إرسال ألفي جندي للأُردن.

الحلقة المُفرغة

نحن ندور الآن في حلقة مُفرغة؛ المزيد من الهجمات الإرهابيّة تقابلها المزيد من الحملات، ثمّ المزيد من الحروب والعنصريّة، ويبدو أنّ المناخ العامّ السّائد بعد الهجمات ضدّ “شارلي إبدو” يُنذر بالمزيد من هذا؛ فقد خفتت المسيرات المساندة للصّحيفة ولحريّة التّعبير، وأخذت مكانها الأحكام القاسية ضدّ كلّ من تسوّل له نفسه الخروج عن خطّ التفكير السّائد.

وفي بريطانيا، تتمّ معاقبة العائدين من معسكرات “داعش” بالسّجن لاثنتي عشرة سنة حتّى لو لم يتورّطوا مباشرةً في القتال، ومهما كانت درجة غضبنا على ما قاموا به، علينا أن نعلم أن هذا الحُكم يُحدث فعلاً عكسياً؛ لأن هؤلاء المغرّر بهم قرّرُوا العودة؛ لأنهم اكتشفوا حقيقة هذا التّنظيم، وأرادوا الخروج منه، فكيف نستقبلهم بأحكام مطوّلة بالسّجن.

هذه الموجة الهستيريّة من العنصريّة ضدّ المسلمين تتمّ تغذيتها من قبل الحكومة والإعلام، حيث يتمّ تضخيم القصص التي تسيء لسمعة المسلمين وتجاهل التصريحات والوقائع التّي تدحض عنهم التّهمة وتبرز حقيقة دينهم، كما أنّ السياسة الوقائيّة التي تدّعي الحكومة البريطانيّة اعتمادها لمنع التطرّف والعنف تستهدف في الحقيقة المدارس والمعاهد والجمعيّات الإسلاميّة، وتضيّق عليهم وتحاصر كلّ خطاباتهم وأنشطتهم، وهذا يُعدّ انتهاكاً لحريّة التّعبير والحريّات المدنيّة وحقّ التفكير الذي يضمن لنا حرية طرح أفكارنا حتى لو كانت لا تحظى بإعجاب الأغلبيّة.

لماذا يُطالَبُ المسلمون بالاعتذار مِراراً وتِكراراً؟ وعلى ماذا سيعتذرون؟ فالجالية المسلمة في بريطانيا منخرطة تماماً في العمل السّلمي المدني، وشاركت في عدّة حملات وتحركات سياسيّة خلال هذه السّنوات آخرها المشاركة في المظاهرات الحاشدة ضدّ العدوان “الإسرائيلي” على غزّة في الصّيف الماضي، وقبلها في التحرّكات المطالِبة بإيقاف الحرب في أفغانستان والعراق وتغيير السّياسة الخارجيّة، والواضح الآن أنه لو نجحت تلك التحرّكات حينها في وقف الحرب لكانت بريطانيا الآن بلداً أكثر أمناً بالتّأكيد.

 

المصدر: مجلة “ميدل إيست آي”

الرّابط: http://www.middleeasteye.net/columns/blame-muslims-islamophobia-fuelled-government-and-media-877365179

 

 

 

Exit mobile version