مستقبل ليبيا.. في مشهد عقله السلاح وغذاؤه الدم

تتسارع أحداث المشهد العربي بشكل عام، وها هي المنطقة يعاد التشكيل فيها من جديد لتكوينات وقوى منبوذة اجتماعياً، لكنها تمتلك القوة وتجاوز الإرادات حتى ولو على مصلحة الوطن.

 

 

 

 

تتسارع أحداث المشهد العربي بشكل عام، وها هي المنطقة يعاد التشكيل فيها من جديد لتكوينات وقوى منبوذة اجتماعياً، لكنها تمتلك القوة وتجاوز الإرادات حتى ولو على مصلحة الوطن.

ليبيا الثورة، ربما تواجه أخطر تحدٍّ عرفته منذ استقلالها، بل وربما ما قبل الاستقلال والتحرر، فالمستعمر لم يكن خطره أقسى من الخطر المحدق بها الآن في ظل تفكك داخلي ونزاع فتيله يُشعَل خارجياً، ويغذى ويؤجج حتى بات حرق الأخضر واليابس ليس ببعيد.

إن أقصى المتفائلين لما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا لم يكن يستبعد تدخلاً مصرياً عاجلاً أم آجلاً، بعد أن وصلت العلاقة على المستوى الرسمي بين مصر بقيادتها الحالية المتمثلة في قائد الجيش سابقاً “عبدالفتاح السيسي”، وبين جناحي التصارع داخل المشهد الليبي (الثورة ويقودها المؤتمر الوطني وذراعها العسكرية “فجر ليبيا” – الفلول ويقودهم اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” وذراعه “قوات الصاعقة”)، وقد ظلت المناوشات والتشاورات في إطار العمل الرسمي العام، إلا أن الأخطر في الحادث الأخير هو الانزلاق باتجاه إقحام الشعبين في التصادم والصراع، وبصرف النظر عن المتسبب في ذلك، لكن في النهاية الخاسر بالتأكيد الشعبان المصري والليبي، وما ينضوي في دائرتهم من شعوب الأمة العربية.

بداية القصة:

منذ أكثر من 50 يوماً، أُعلن عن اختطاف عدد من المصريين العاملين في ليبيا والمنتمين للديانة المسيحية، وعلى ما يبدو أنهم جزء من عمالة تجاوزت المليون ونصف المليون في ليبيا، هربوا من جحيم البطالة في مصر للعمل في ليبيا التي تربطها بعمال وفلاحي وفقراء مصر علاقات قديمة وممتدة، حيث العمل والكسب وتحقيق جزء من الأماني هناك.

يظل الأمر في إطار المحاولات الدبلوماسية الباهتة للبحث عن مصير هؤلاء المختطفين، أحاديث وتطمينات من هنا وهناك، دون حلول أو حتى كلام مقنع على الأقل لأهالي المختطفين؛ وهو ما جعل الكثير منهم بعد نشر فيديو الذبح المؤلم والصادم يتساءلون: أين كانت الحكومة كل هذه المدة؟

تفاصيل أثارت تساؤلات

الموضوع هو منعطف خطير وحادث عنون لما بعده من خطر وكوارث قد لا تكون في صالح المنطقة برمتها، وهو ما جعل المراقبين والمتابعين يثيرون تساؤلات عدة بعيداً عن قسوة المشاهد ومقتل الأبرياء، تساؤلات تحتاج لأجوبة من أجل تقديم الرؤى لحلول توقف نزيف الدم والقطيعة والتعدي على الحدود بين أشقاء جمعتهم الحضارة والتاريخ والحدود والتواصل والتقارب، وربما الهموم، وفرقتهم آلة القتل والسلاح.

 تساءل البعض عما أشيع حول لقاء جمع بين رئيس أركان جيش “حفتر” في مصر منذ عدة أيام وبعض قيادات مصرية، ربما على رأسهم “عبدالفتاح السيسي”، كما تساءل آخرون عن توقيت الحادث، في ظل أن قوات مجلس شوری درنة كانت تحقق نجاحات مؤخراً في مواجهة قوات “حفتر”، وقطع الإمدادات عنه، خاصة أن البعض – وليست معلومات مؤكدة – تحدث عن أن عملية القتل حدثت بالفعل منذ أربعة أيام، وأن النظام في مصر يعلم ذلك، والسؤال الأهم الأكثر تداولاً هو: لماذا تضرب درنة على الرغم من أن عملية القتل حدثت علی ساحل طرابلس غربي ليبيا وليس عند درنة شرقي ليبيا بالقرب من بنغازي؟! ثم كيف أمكن خلال ساعات تحديد أهداف بدقة، وأخذ قرار بضربة جوية موجهة لمنطقة فيها تجمعات مدنية مع صعوبة التعامل معها خاصة أنها منطقة جبلية واستحالة دقة الأهداف فيها.

العقلية العسكرية

استعدتُ تجربة تركيا في العراق عندما تم أسر واختطاف بعض المواطنين هناك على يد متشددين، بجانب توسط قطر في عودة بعض الراهبات، ونجاح مثل هذه التجارب؛ دفع بالتساؤل: لماذا لم تتجه القيادة المصرية لهذا المسلك، واختارت الطريقة الأصعب في التعامل العسكري والاعتماد على حليف ضعيف بما على الأرض من نتائج؟ هل لأن العقلية العسكرية اختارت ما تعودت عليه وأتقنته؟

وربما الاستباق بضربة عسكرية دون مراعاة وجود مليون وستمائة ألف مصري في ليبيا، وعدم وجود خطط إجلاء لهم، يؤكد التساؤل، فالأمر بدا كما لو أن هؤلاء ليس لهم معنى، المهم أن نرد اعتبار 21 شخصاً.

مستقبل غير واضح

حين تكون اللغة مكتوبة بقلم السلاح وحبرها الدم؛ فالمستقبل يبدو بلا وضوح، فالدم عندما يسيل تكون موجات أنهاره عاتية، وفي السياسة أنت تفاوض على ما تمتلك لا ما تريد؛ وبالتالي فالمستقبل هنا يوحي بأنه يتجه نحو قطيعة وتقسيم ومساندة طرف على طرف، وتهديد مباشر للأمن القومي العربي، فالانقسام سيد الموقف، والعقل مختفٍ، وعقلاء الأمة لم يعد بمقدورهم إدارة المشهد بعد أن استتب الأمر للقوى الخارجية لتمارس ألاعيبها وحيلها لتحقيق مصالح لم تكن تحلم بها، وآخرها صفقة “الرافال” الفرنسية، ومازالت خزائن الغرب تمتلئ، ورص أموالها على جثث أبناء الأمة ومستقبلها المعتم.

على الهامش

في 18 يناير الماضي نشرت الصحف العربية ما جاء على لسان أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات المصرية الليبية السابق، والذي تربطه بالسلطة المصرية الآن علاقات ودية، عندما أعلن تأييده لتنظيم “داعش”، مؤكداً أنه كان يجب أن يتم تأسيسه منذ 50 عاماً، وصفاً الشباب الذي انضم إلى التنظيم بـ”الأنقياء”.

وأوضح قذاف الدم في حوار مع الإعلامي وائل الإبراشي في برنامج “العاشرة مساءً” على قناة “دريم 2” مساء السبت، سبب تأييده لـ”داعش”؛ أن فشل الحكومات العربية في طرح مشروع للدفاع عن كرامة الأمة، مؤكداً أن هؤلاء الشباب لم يجدوا أمامهم إلا الهروب إلى الله، واستدعوا الماضي بعد البؤس والهزيمة.

لمشاهدة الفيديو:

http://goo.gl/e7uNwr

 

 

 

 

Exit mobile version