أسباب تزايد الهجرة العربية غير الشرعية لأوروبا

أخبار أفواج الهجرة غير الشرعية لأوروبا من العالم العربي لا تنقطع، ولم تعد البلاد العربية محطة ترانزيت للمهاجرين الأفارقة للوصول إلى أوروبا كما كان من قبل، ولكن العرب أنفسهم هم من يسعون للهجرة غير الشرعية، عبر سواحل ليبيا والمغرب، ومما سجلته وسائل الإ

عبد الحافظ الصاوي

أخبار أفواج الهجرة غير الشرعية لأوروبا من العالم العربي لا تنقطع، ولم تعد البلاد العربية محطة ترانزيت للمهاجرين الأفارقة للوصول إلى أوروبا كما كان من قبل، ولكن العرب أنفسهم هم من يسعون للهجرة غير الشرعية، عبر سواحل ليبيا والمغرب، ومما سجلته وسائل الإعلام الغربية مؤخراً أن شرطة السواحل الإيطالية تمكنت من إنقاذ ألفي مهاجر غير شرعي قبالة السواحل الليبية أتوا على متن 12 قارباً.

ألفا مهاجر دفعة واحدة! لم يفصّل الخبر في جنسية هؤلاء المهاجرين، ولكن الأجواء السياسية والاقتصادية بالعالم العربي تلقي بظلالها على أنهم أو غالبيتهم من العرب، وبخاصة من تلك البلدان التي تعيش حالة من الحرب الأهلية مثل ليبيا وسورية والعراق واليمن، وكانت مصر ومازالت مصدراً للهجرة غير الشرعية عبر العديد من شواطئها، وبخاصة الشباب المصري من محافظات الوجه البحري.

إن دلالات هذا العدد الكبير من المهاجرين مرة واحدة، كثيرة، وبخاصة أنهم خرجوا من ليبيا، وعلى رأس هذه الدلالات، غياب الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا؛ مما مكن عصابات الاتجار بالبشر من الانطلاق من السواحل الليبية، كما أن الخروج بـ12 قارباً دفعة واحدة يدل على أن هذه العصابات أصبحت تمتلك موارد مالية تمكنها من ممارسة نشاطها بشكل كبير.

ولكن الأهم في هذا الموضوع؛ لماذا يتجه العرب وبخاصة الشباب منهم لخوض تجربة الهجرة غير الشرعية على الرغم مما يحيط بها من مخاطر، أبرزها الموت غرقاً كما حدث في كثير من الحالات التي شهدتها العديد من السواحل العربية على مدار السنوات الماضية؟

هناك الكثير من العوامل التي تدفع الشباب للهجرة سواء الشرعية أو غير الشرعية، كانت هذه العوامل قبل ثورات “الربيع العربي” ترجع لأسباب اقتصادية واجتماعية، ولكن بعد ثورات “الربيع العربي” وانهيارها أُضيفت دواعٍ سياسية وأمنية تدفع بالشباب للرغبة في الهجرة بأي ثمن، وفيما يلي نلقي الضوء على بعض هذه الأسباب.

فشل ثورات “الربيع العربي”:

عوَّل الشباب الذين كانوا وقود ثورات “الربيع العربي” كثيراً من آمالهم على نجاح تلك الثورات، وقدراتها على إحداث تغيير اقتصادي واجتماعي يمكنهم من معيشة كريمة في أوطانهم، وبخاصة أن مؤشر الولاء للوطن كان في قمة معدلاته، بعد سقوط رموز النظم العربية الدكتاتورية، وشعور الشباب بأن بلادهم أولى بجهودهم، وأنهم بلا شك سوف يجنون ثمار عطائهم لأوطانهم ولو بعد حين.

ولكن بعد ما تعرضت له ثورات “الربيع العربي” من تآمر الثورات المضادة، ورغبة بعض القوى الإقليمية في إجهاض هذه الثورات؛ فقَدَ الشباب ذلك الأمل، ولم يجدوا ما كانوا يحلمون به من شعار براق “عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية”.

 ووجدوا الاعتقال والقتل، وحالة الفوضى السياسية والأمنية تعم بلدانهم، وعودة النظم القديمة سواء جبراً عبر الانقلابات العسكرية، أو من خلال صناديق انتخابية، بعد تغييب وعي الشارع، من خلال رغبته في الاستقرار والتضحية بمبادئ الثورات العربية.

ترسيخ الرأسمالية الفاسدة:

لم يكن الشباب العربي يتخيل أن تكون السياسات الرأسمالية الفاسدة هي ما سيسود اقتصاديات الدول العربية بعد ثورات “الربيع العربي”، حيث عاد رموز الفساد الاقتصادي إلى مواقعهم، بل وتتبع الحكومات نفس السياسات الاقتصادية التي تمكن لهؤلاء الفاسدين، وتعمل على تركز الثروة في أيدي رجال الأعمال منهم، وعودتهم للبرلمانات، وأصبح حلم العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر سراباً، فالحكومات بعد ثورات “الربيع العربي” لم تسعَ للحصول على أموال الفساد من الخارج، ولم تصادر أموالاً نهبها رجال الأعمال في الداخل، وأتت المؤسسات الدولية لتطل برأسها ثانية لتفرض أجندتها على الاقتصاديات العربية، لتوصي برفع الدعم، وتخفيض العملات الوطنية، وفتح الأسواق للمنتجات الغربية، فأين يعمل الشباب؟

لقد وجد الشباب أن الرأسمالية المحلية عادت بفسادها ومحسوبيتها، التي لا تعمل حساب لفقير في فرصة عمل شريفة، أو الحصول على تعليم مناسب، أو الكسب بعيداً عن شباكها العفنة من فاسد وإفساد ومحسوبية، وإهدار لموارد المجتمع وكرامته، بل والقضاء على مستقبله، أو الحلم بأن يكون وطناً للشرفاء.

شبح البطالة:

من عجب أنه منذ سنوات يتم الحديث عن البطالة في المنطقة العربية، وأنها من أعلى المعدلات بين أقاليم العالم، ومع ذلك لم تعلن حكومة عربية واحدة عن برنامج لمواجهة البطالة يرتبط بمعدلات زمنية، يمكن محاسبتها عليه.

سواء كان ذلك في دول الفائض المالي من خلال العوائد النفطية، أو دول العجز المالي التي أغرقت البلاد في دوامة من الديون المحلية والخارجية، لا مفر من تحميل الأجيال القادمة بأعبائها.

لا شك أن العمل قيمة إنسانية وحضارية يسعى إليها كل فرد، وفي حالة غياب فرص العمل الكريمة، لا يجد الإنسان مفراً من الخروج من تلك البيئة الكئيبة التي تجعل منه عاطلاً لأمد غير معلوم، ليبحث عن فرص أخرى تستغل طاقته وتصنع فيه الأمل فيحقق حلمه بالزواج وتكوين أسرة، والخروج من عتق مسؤولية الأسرة عنه مالياً على الرغم من امتلاكه كل مقومات الدخول لسوق العمل.

إن نسبة 18% بطالة في المنطقة العربية، أصبحت معدلات محل شك في ظل حالة الصراع المسلح التي تكتنف نحو 5 دول عربية، ونحسب أن المعدلات الحقيقية لا تقل بحال عن 25%، ومع ارتفاع هذه المعدلات لا تحرص الحكومات بالدول العربية على تنمية استثمارات، ولا بإتاحة فرص العمل، بقدر حرصها على حماية كراسي النظم الدكتاتورية.

فالإحصاء العالمية تحمل إلينا أن المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم من حيث حجم الإنفاق على التسليح، على الرغم من أن هذا التسليح إنما هو من أجل القضاء على حرية وكرامة الشعوب، أو لتقاتل الجيوش العربية به بعضها بعضاً.

اتساع رقعة الفقر:

لا يغيب الفقر عن مجتمعات تفشت فيها البطالة، ومما يؤسف له أن فقر الدخل بالعالم العربي عند حجم إنفاق 1.25 دولار يومياً قد زادت رقعته ليشمل 7.5% من سكان العالم العربي في عام 2012م، وذلك حسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014م.

وإذا كان التقرير يرصد هذه المعدلات المرتفعة من الفقر في عام 2012م، فإنه بلا شك ستكون المعدلات أعلى بكثير بعد أن دخلت دول “الربيع العربي” إلى مرحلة النزاع المسلح، ومن نجا منها لا يزال يتعثر في أجندة صندوق النقد الدولي، وعودة الرأسمالية المحلية الفاسدة.

البيئة المحفزة:

هناك حالات تمكنت من خلال الهجرة غير الشرعية من الإقامة بالدول الغربية؛ مما سمح لها بالحصول على فرص عمل في الأعمال الدنيا، ولكنها في كل حال أفضل من حيث العائد المادي من العمل في الدول العربية، وهذه الحالات تمثل نموذجاً ناجحاً لمن يعاني شظف العيش والبطالة والفقر في العالم العربي، ولذلك يتشجع البعض لخوض التجربة لعله يحظى بما حظي به الآخرون.

وعلى جانب آخر، فإن عصابات الاتجار بالبشر أصبحت لديهم إمكانيات أفضل، في ظل حالة غياب الاستقرار السياسي والأمني، في الدول التي تمتلك سواحل مقابلة للدول الغربية؛ مما مكن لهم لمزاولة نشاطهم بشكل أكبر مما كان عليه الأمر من قبل.

آفاق سلبية:

لا يحمل الأفق القريب شيئاً من المبشرات للشباب في العالم العربي من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن الواقع السياسي الذي رسخ لدكتاتوريات جديدة قد تستمر ردحاً من الزمن، لن يعنيها التنمية الشاملة والمستدامة، بقدر حرصها على تثبيت أركان حكمها.

ولذلك ستشهد الأيام القادمة المزيد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بما تحمله من مخاطر حول مستقبل هؤلاء الشباب المهاجرين. 

Exit mobile version