استطلاع رأي: هل يصنع إعلام التسريبات وعياً؟

الإعلام هو بوتقة الوعي الذي على أساسه سيتشكل المجتمع، وقد صدق الرئيس السوداني عندما قال: “الناس أصبحوا على دين إعلامهم”، وهنا نحن معنيون بالضرورة بإعلام الوعي والتوعية الذي يصطبغ بصبغة القيم ويحترم الأسس والمهنية.

الإعلام هو بوتقة الوعي الذي على أساسه سيتشكل المجتمع، وقد صدق الرئيس السوداني عندما قال: “الناس أصبحوا على دين إعلامهم”، وهنا نحن معنيون بالضرورة بإعلام الوعي والتوعية الذي يصطبغ بصبغة القيم ويحترم الأسس والمهنية.

مكانة الإعلام التي أشرنا إليها وحالته كصناعة عابرة لكل الحدود في ظل عصر منفتح، وفي ظل سيطرة رؤية مادية أحادية لا تعترف بالقيم، وتعادي كل أصل، وتنقلب على كل انضباط؛ فإننا نلحظ أن إعلامنا ربما ينجرف بطريقة أو بأخرى باتجاه مستنقع اللاقيم واللاوعي، ويُستهلك في أساليب تنتقص منه وتقلل من هيبته وقيمته، ومع الوقت والزمن يصبح مجرد حالة واقتباس في مجمله لم يُضف جديداً، ولم يخلق حدثاً، ولم يصنع موقفاً بقدر ما كان مسايرة لركب ومحاولة للمجاراة والمواجهة الصاخبة على ما يواجهنا من إعلام مضلل فيصبح لا تفرقة بين كليهما.

طرحنا سؤالاً من واقع الصبغة الإعلامية القائمة الآن وما يسمى بـ”إعلام الكشف والتوضيح” وإحدى صوره القائمة “التسريبات”، وكان السؤال: هل يصنع الإعلام المعتمد على التسريبات وعياً؟

وقد أوضح الصحفي عبادة نوح في رده على السؤال؛ أن لا أحد ينكر أهمية التسريبات في الصحافة والإعلام كونها خبراً قد يغيِّر وضعاً ويزيل نظماً أو يمر بلا تأثير، لكنه “مانشيت” لا يجب إغفاله، إلا أن الصحفي جابر رشدي قال: بشكل عام، لا يمكن أن يشكل التسريب وعياً؛ لأن المفروض ألا يوجد تسريب، فهو استثناء وليس قاعدة، وبناء الوعي يحتاج قواعد لا استثناءات، أما في حالتنا الراهنة؛ وهي حالة متحركة بالمعني السياسي؛ أي أنها غير طبيعية ولا مستقرة، فالتسريبات لها دور كبير في فضح ما يحاول البعض إخفاءه، ويجب ملاحظة أن طرفي الصراع (النظام، والثورة) يحاولان الاستفادة منها، ويستفيدان كل بقدر ليْ عنقها وتطويعها لصالحه.

وقد اتفق مع هذه الرؤية الباحث في العلوم السياسية أحمد مصطفى قائلاً: أنا أتفق مع الأستاذ جابر رشدي من حيث أنه وبشكل عام لا يمكن أن تشكل التسريبات وعياً؛ لأن الوعي المقصود هنا هو العمق، والبناء الفكري يعتمد على عدة مقومات أساسية، أو قواعد ثابتة، منها دقة المعلومات المتداولة، وكيفية تداولها، ومدى استفادة الثورة والنظام منها، وكل منهما يستخدم التسريبات لخدمة أهدافه ومصالحه، فلا أعتقد أن التسريبات تصنع وعياً.

وربما اتفق محمد نجاح، وهو أحد الشباب المصري الذي يعمل بإحدى الدول العربية وله نشاط على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مع مبدأ أن التسريبات لا تصنع وعياً، خاصة أنها موجهة لفئة رافضة لأن تخضع لعملية الوعي بالأساس، وقال نجاح: من وجهة نظري ﻻ أرى أي وعي قائم على التسريبات، فهناك من فقد إنسانيته، إلا أنه قال: إن التسريبات قد تكون دعماً لآخرين على الطرف الآخر ورفعاً لروحهم المعنوية.

وبرغم أن السؤال استهدف البحث عن مكامن التأثير الإعلامي، والرسالة التي عليه أن يقدمها، ووسائله التي يستخدمها لتحقيق أهدافه؛ فإن بعض المستطلعين بالسؤال – إن لم يكن جلهم – ربطوا بين التسريبات التي بنتها وسائل إعلام محسوبة على المعارضة المصرية، وقد أكد عبدالعزيز الهواري، أحد المشاركين في الاستطلاع، بالقول: لن يكون هناك وعي بين كل تسريب وآخر، لكن الوعي هو نتاج سنوات من الاندماج في الحياة السياسية، وكيفية تحريك البوصلة الشخصية للفرد، وتحديد الأفضل من بين كل الخيارات المتاحة.

د. أمل شمس الدين، قالت: للأسف لأسباب كثيرة ومنذ 25 يناير سقطنا جميعاً في معادلة “الوعي”، و”اللاوعي”، حتى إن مرشح رئيس من مرشحي معركة الرئاسة بعد الثورة (د. عبدالمنعم أبو الفتوح) اعترف بالأمس باستعادة الوعي، ومن قبله اعترف البرادعي، رغم أن التسريبات موجودة وحاضرة قبل صعود “السيسي” – فعلياً – للحكم.. التسريبات هنا لا تشكل وعياً، بل هي إضافة في معركة استعادة الوعي لمن تؤثر فيهم “الميديا” الإعلامية.

بينما تناول د. سيد حجازي الرد على السؤال، وبين البيئة الفكرية للشعوب من حيث عدم الإدراك وعدم الجدية من محاولة التوعية مستشهداً بقوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ {88}‏ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ {89}) (يونس)، وبحسب حجازي، فإنه من الآية يتضح أن دعاء سيدنا موسى بأن يشد اللّه على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فهو دعاء من يئس من صلاح هذه القلوب، ومن المعلوم أن القلوب هي موضع العقل والفكر؛ ولذلك الأمل الوحيد في استفاقة عقل وفكر ووعي المغيبين هو حلول العذاب المتمثل في حرمان الأنفس البهيمية مما تعيش عليه من شهوات البطن والفرج والمال الذي تتوحش عليه الأنا وحب الذات؛ وبالتبعية غمط الناس والاغتباط بأذى الغير من أصحاب الوعي، وقتها فقط يأتي الفكر والوعي الناتج عن تجربة مريرة وعذاب شديد كحال كشف الغطاء عمن حضره الموت فيرى الحقيقة بعد فوات الأوان.

ربما بدا واضحاً من الإجابات أن فكرة التسريبات كان لها صدى، لكنه ارتبط بالموقف أكثر من ارتباطه بقضية كلية، والأصل في الوعي أن يرتبط بالأفكار والقضايا الكلية دون الاستهلاك في الجزئيات، بحيث يصبح الجزء مفهوماً ضمن الإطار العام، وهو ما يستمد من شريعة الإسلام؛ حيث عالج قضايا المجتمع وأمراضه الجزئية بربط أعضائه بالقضايا الكلية؛ فمثلاً ربط العتق من العبودية بقضية الحرية، وهي محور الشريعة وركيزتها، فكان كل تعبد لله من صوره العتق، فمن أذنب وأراد التوبة والتعبد عليه عتق رقبة دون أن يكون ذلك تفضلاً على من تعرض للعبودية، وأيضاً الخمر تحريمها ارتبط بقضية كليه وهي الوعي، وارتبط ذلك بالصلاة عماد الدين.

إن المؤسسات الإعلامية التي تستهدف صناعة وعي الأمة ومواجهة التغييب والتحقير الحضاري الذي يمارس من تلك التي تدار من الخارج بغايات تدميرية عليها أن تكون رسالتها مبنية على أصول في الطرح متغلغلة الجذور عميقة المعاني وجهتها محددة لا تنزلق إلى المعارك الجانبية ولا مستنقع الجزئيات.

 

Exit mobile version