مصر.. “السيسي” يجعل من “حماس” كبش فداء

بعد يومين من سلسلة هجمات واسعة النّطاق ومنسّقة في شبه جزيرة سيناء أدّت إلى مقتل ما لا يقلّ عن 30 شرطياً وجندياً مصرياً، أصدرت محكمة مصريّة حكماً يقضي بتصنيف الجناح العسكري لحركة “حماس” كمنظّمة إرهابيّة.

شريف نشاشيبي

 

بعد يومين من سلسلة هجمات واسعة النّطاق ومنسّقة في شبه جزيرة سيناء أدّت إلى مقتل ما لا يقلّ عن 30 شرطياً وجندياً مصرياً، أصدرت محكمة مصريّة حكماً يقضي بتصنيف الجناح العسكري لحركة “حماس” كمنظّمة إرهابيّة.

صورة لـ”السّيسي” محاطاً بأعوانه، حفنة من الدّمويين الذّين وعدوا الشّعب بالسّلام والاستقرار، ولكنّهم فعلوا العكس وتمادوا إلى حدّ مناصبة العداء للفلسطينيّين.

مثّلت “حماس” كبش فداء للنّظام المصري منذ الانقلاب على الرّئيس المدني “محمّد مرسي”؛ ولذلك يعدّ توقيت إصدار الحكم ضدّ هذه المنظمة الفلسطينيّة توقيتاً مدروساً وليس مفاجئاً بالمرّة.

هذا القرار يبدو في تناسق تامّ مع سياسة كيل الاتهامات لـ”حماس” وقطاع غزّة بالوقوف وراء العنف في شبه جزيرة سيناء، فقد قام نظام العسكر في السّابق بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع غزّة كردّ فعل على هجمات أودت بحياة ثلاثة وثلاثين رجل أمن، ولا يهمّ بالنّسبة لهذا النّظام وآلته الإعلاميّة أنّ هذه الهجمات تبنّاها تنظيم “ولاية سيناء” الذي كان يسمّى “أنصار بيت المقدس” والذي أعلن في السّنة الماضية مبايعته لـ”داعش”.

الحرب الكلاميّة

بالنّسبة للنّظام المصري وأبواق دعايته لا يهمّ أنّ “حماس” نفت بشدّة تورّطها في أي نشاط مسلّح داخل مصر، ولا يهمّ أيضاً أنّ حرباً كلاميّة اندلعت بين فصائل المقاومة الفلسطينيّة و”داعش”، ولا حتّى الاختلافات الأيديولوجيّة والمنهجيّة بين “حماس” والمتطرّفين الذين بدؤوا يشكّلون مشكلة حقيقيّة لأهالي القطاع، فقد اختار النظام المصري الحلّ الأسهل ولو كان مبنياً على الأكاذيب، وهو تحميل “حماس” مسؤوليّة العنف في سيناء بالإضافة لمجموعة أخرى من التّهم عوض الاعتراف بالمسؤوليّة عن المشكلات التي تغرق فيها مصر منذ الانقلاب؛ لأنّ هذا الأسلوب يمكّن الحكومة من كسب بعض التّأييد الشعبي في مواجهتها “للمؤامرات الخارجيّة”، ويمكّنها أيضاً من صرف الأنظار عن فشلها السّياسي وعجزها عن ضبط الأمن وتسبّبها بزيادة النّقمة والعصيان لدى الشّعب، بالإضافة لارتكابها لخروقات متعدّدة لحقوق الإنسان من بينها الإجراءات التعسفيّة ضدّ سكان سيناء؛ وهو ما مثّل ذريعة للمجموعات المسلّحة لتصعيد العنف ضدّ الدّولة وأغْرَقَ المنطقة في دوّامة من العنف المتبادل.

تمثّل الهجمات الأخيرة دليلاً جديداً على أنّ المشكل لم يأتِ من غزّة، وعلى أنّ المنطقة العازلة ليست الحلّ، بالإضافة إلى ذلك فقد كانت التّهمة في الماضي هي تزويد أهالي سيناء لـ”حماس” بالأسلحة لمقاومة الاحتلال، وعلى إثر الانقلاب على الرّئيس “مرسي”، تحولت نفس الجوقة الإعلاميّة إلى اتّهام غزّة بتزويد المتطرّفين في سيناء بالأسلحة، وهذا منافٍ للوقائع والمنطق، فالقطاع يمثّل آخر مصدر يمكنه تصدير السّلاح بالنّظر للحصار الخانق المفروض عليه لعدّة سنوات من قبل جاريه الوحيدين مصر و”إسرائيل”.

تحذيرات من كلّ جانب

أكّدت الحكومات المصريّة المتعاقبة على نجاعة الإجراءات التي اتّخذتها ضدّ أنفاق التّهريب، وصرّح عدّة مسؤولين وحتّى مهرّبين من الجانبين بأنّ حوالي 95% من الأنفاق لم تعد صالحة للاستعمال، أمّا الأنفاق القليلة التّي نجت من القصف المصري و”الإسرائيلي” فهي ضيّقة وغير آمنة وتقع على عاتقها مهمّة تزويد 1.8 مليون ساكن المحاصرين في القطاع بحاجياتهم الأساسيّة، كما أن تمرير الأسلحة عبرها صعب وخطير.

إذاً ما الذي يمكن أن يجعل المقاومة في غزة تفرّط في أسلحة حصلت عليها بصعوبة وتحتاجها بشدّة في مواجهة “إسرائيل”؟ فمخزون الأسلحة لديها تناقص كثيراً خلال العدوان “الإسرائيلي” الأخير، وهناك تحذيرات من عدّة أطراف من أنّ اندلاع مواجهة أخرى بات قريباً، وفي هذا السّياق أيضاً يبدو فتح المقاومة الفلسطينيّة لجبهة جديدة مع الجيش المصري أمراً غير منطقيّ؛ لأنّ ذلك يزيد من عزلتها ويستنفذ طاقاتها البشريّة المنهمكة في إدارة القطاع وضبط الأمن فيه.

لهذا سيكون من المنطقيّ أكثر التفكير في أنّ السّلاح قد دخل عبر طرق إمداد أكثر سهولة وسلاسة، إذ تمتلك مصر حدوداً طويلة وسهلة الاختراق مع جارتيها ليبيا والسّودان، وشواطئ ممتدّة من جهتي البحر الأبيض المتوسّط والبحر الأحمر، حتّى إنّ حدودها مع قطاع غزّة البالغة 13 كيلومتراً فقط لا تمثّل سوى 0.2% من إجمالي الحدود المصريّة، كما تحيط بمصر بلدان تمّ إغراقها بالسّلاح يمكن من خلالها أن تحصل المجموعات المتطرّفة على احتياجاتها بثمن زهيد وبشكل أسهل من إحضاره من غزّة، ومن بين هذه الدّول التي تمثّل مصدر إمداد لمجموعات سيناء هنالك ليبيا، السّودان، اليمن، الصّومال، إريتريا، إثيوبيا، لبنان، سورية، إيران.

من الواضح أنّ التّوسيع المستمرّ للمنطقة العازلة في سيناء وما ينجرّ عنه من تهجير لآلاف المدنيّين وتدمير لكامل مدينة رفح؛ سيؤدي بالتأكيد لتعزيز المجموعات المسلّحة، خاصّة بعد أن تمّ في ديسمبر الماضي الإعلان عن مضاعفة عرض الشّريط العازل ليبلغ عشرة أضعاف مساحته الأصلية التي كانت تبلغ 500 متر.

سوء تشخيص المشكل

عبّرت منظّمة العفو الدوليّة في نوفمبر الماضي عن صدمتها من “عمليّات التهجير القسري التيّ تمّت على نطاق واسع”، واتهمت هذه المنظمة الحقوقية السلطات المصرية بالتجاهل التّام لأبسط التدابير والإجراءات التي ينص عليها القانون الدّولي والتي تقضي باستشارة المتساكنين ومنحهم المهلة الكافية قبل التّنفيذ، وتعويضهم على الخسائر الماديّة، وضمان سكن بديل لغير القادرين على تدبر أمورهم، كلّ هذه الخروقات جعلت العمليّة غير قانونيّة تماماً.. كما يسبّب الحصار الدّائم الذي يفرضه النّظام المصري على غزّة سخطاً شديداً لدى أهالي سيناء الذين تربطهم علاقات اقتصادية واجتماعية وطيدة بالفلسطينيين، وعلاوة على ذلك أدّى الحصار لتعطيل الأنشطة التّجاريّة التي تمثّل المورد الوحيد لهؤلاء الأهالي المفقّرين.

وعِوض تشجيع نظريّات “المؤامرة الأجنبيّة” كان على النّظام الإدراك بأنّ أحداث سيناء لها أسباب عميقة متعلّقة بمشكلات السكّان ومعاناتهم من عنف الدّولة، والتّهميش الاقتصادي والسّياسي والاجتماعي، وحاجتهم لمزيد من الحريّة والمشاركة في تسيير محافظتهم.

ولهذا فإن اعتماد الحلّ الأمني سيزيد من تعقيد الأمور، وهو خطأ وقعت فيه الحكومات السّابقة، وهذه الحكومة التّي أقرّت مؤخّراً إنشاء وحدة جديدة لمكافحة الإرهاب في سيناء.

إنّ التّفكير في المشكل على أنّه مواجهة مع تنظيم متشدّد مدعوم من “حماس” في غزّة عوض التّسليم بأنّه مشكل داخلي ناجم عن غضب دفين ضدّ الدّولة؛ هو تفكير بسيط وغير واقعي يؤدّي للتّضليل وسوء تقدير المشكل، سيكتشف الشّعب في النّهاية بعد وقوع الضّحايا والخسائر أنّ المنطقة العازلة في سيناء لم تحسّن الوضع، ولكن عندها ما الحجّة الجديدة التي ستتذرّع بها الحكومة عندما يصبح من غير الممكن تقديم “حماس” وغزّة ككبش فداء؟

 

المصدر: مجلّة “ألتر إنفو”

http://www.alterinfo.net/Egypte-faire-jouer-au-Hamas-le-role-de-bouc-emissaire_a110662.html

Exit mobile version