“حماس” وإيران.. بين الثابت والمتغيّر والمتأرجح

انشغلت معظم وسائل الإعلام في الأشهر القليلة الماضية بمتابعة تطورات العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإيران، وتناولت تلك الوسائل هذه العلاقة بالكثير من التركيز والقليل من المعطيات الحقيقية، في ظل نقص كبير في المعلومات.

انشغلت معظم وسائل الإعلام في الأشهر القليلة الماضية بمتابعة تطورات العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإيران، وتناولت تلك الوسائل هذه العلاقة بالكثير من التركيز والقليل من المعطيات الحقيقية، في ظل نقص كبير في المعلومات.

ولجأ عدد من وسائل الإعلام إلى النقل عن بعضه بعضاً، أو عن مصادر مجهولة، أو إلى تفسير مواقف وأحداث في غير موضعها الحقيقي، لدرجة حلّت الاجتهادات والآراء الخاصة مكان الموقف الصحيح.

ويعود انشغال الإعلام ومعظم الرأي العام في المنطقة بمسألة العلاقة بين “حماس” وإيران إلى مكانة كل من “حماس” وإيران في المنطقة، وتصاعد التطورات والأحداث في العالم العربي، وبروز مواقف في المنطقة شديدة العداء لإيران، بسبب مواقفها وبسبب ما اتُهمت به من تدخّل في العراق واليمن ولبنان، ومساندتها للنظام في سورية، وشعور جزء كبير من العالم الإسلامي أن إيران شريكة في ضرب المجتمعات السُّنية، ومحاربة القوى الإسلامية السُّنية.

ويحرص معظم العالم الإسلامي اليوم على حركة “حماس”، ويؤيدون مشروعها المقاوم، ويساندون صمودها في وجه الاحتلال، ويمثّل الأداء السياسي والعسكري لـ”حماس” مكانة تفتخر بها الكثير من مجتمعات وشعوب المنطقة؛ وبالتالي فإن هؤلاء يريدون من “حماس” أن تحافظ على مكانتها واستقلاليتها، وألا تميل إلى جانب دولة تُتهم من قبلهم باتهامات كثيرة.

ولا شكّ أن العلاقة بين “حماس” وإيران كانت في مرحلة متقدمة من التعاون والدعم، فـ”حماس” حركة إسلامية فلسطينية مقاومة للاحتلال، لها مكانتها القوية في فلسطين، وضربت الاحتلال في أكثر من مكان، وانتصرت عليه في حروب عدة، ولها سجل مشرف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، ولها مكانتها في إطار الصراع مع الاحتلال، وواجهت مشروع التسوية، ولها وزنها السياسي والشعبي في الأمّة.

كما أن إيران دولة إقليمية فاعلة، لها وزنها السياسي وعلاقاتها وتحالفاتها، وتمتلك أرضية من العمل في أكثر من دولة، ونسجت تحالفات إقليمية ومحلية مهمة.

واستفادت كل من “حماس” وإيران في وقت سابق من علاقاتهما المشتركة، وكما استفادت إيران من قوة “حماس” السياسية والشعبية والعسكرية ومكانتها في مشروع المقاومة والتصدي للاحتلال في عنوان اسمه فلسطين أهم قضايا العالم، فإن “حماس” حصلت من إيران على دعم عسكري ومالي وسياسي لا يمكن إنكاره.

لكن منذ عام 2011م تراجعت العلاقة بين “حماس” وإيران للأسباب الآتية:

1- المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي حصلت في العالم العربي.

2- اضطراب الوضع الأمني في سورية، وبروز محاولات لإشراك “حماس” في صراع داخلي بعيد عن نهجها.

3- بروز قوى إسلامية سُنية في المنطقة، وحصول هذه القوى على مكانة سياسية وشعبية وانتخابية، ووصولها إلى السلطة أحياناً.

4- اتساع دائرة الصراع الطائفي والانقسام المذهبي في المنطقة.

5- توتّر العلاقات بين الدول الإقليمية على خلفية المتغيرات في المنطقة.

6- استهداف الوجود الفلسطيني في المنطقة بالعنف والحصار دون مبررات قوية.

هذه التطورات وغيرها انعكست سلباً على العلاقة بين “حماس” وإيران، فقد رأت إيران وحلفاؤها، عبر قنواتهم في المنطقة، أن “حماس” تخلّت عن المقاومة واختارت التحالف مع حلفاء واشنطن، وتنكرت للدعم السوري لها حين جاء وقت تسديد فاتورة الاستضافة، وراهنت على متغيرات في العالم الإسلامي، ويقصد به صعود الإخوان المسلمين.

لكن “حماس” اعتبرت أنها ترفض التدخّل في الصراعات المحلية، وترفض العنف، وتنبذ الصراعات الطائفية والمذهبية، وأنها على مسافة واحدة من جميع الدول العربية والإسلامية، وأن التحالف مع أي طرف يكون من أجل فلسطين والقدس والمقاومة ووحدة الأمّة ومواجهة التسوية، وليس من أجل صراعات محلية، وهي ضدّ الوقوف مع أي نظام ضدّ شعبه، وأنها (حماس) مستمرة في الصمود ومواجهة الاحتلال، ومقاومة العدو الصهيوني.

واعتبرت “حماس” أنها تمثّل قاسماً مشتركاً لكل المنطقة، ولكل مكوّنات الأمّة من أجل فلسطين والمقاومة؛ وبالتالي فهي تقدّر أي جهد سياسي أو أي دعم مادي للمقاومة ولفلسطين، لكنها لا تفرض واجب الدعم على أحد، ولا تعيب على من يتردّد أو يتأخّر في دعم صمود الشعب الفلسطيني.

وحرصت “حماس” على أن تكون أهدافها جامعة للأمّة ولقواها تحت عنوان مقاومة الاحتلال، لذلك ركّزت في السنوات الأربع الماضية على مجموعة أولويات، هي: استمرار المقاومة، الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، الصمود في قطاع غزة، تعزيز عمل المقاومة في الضفة، الدفاع عن الأسرى والمعتقلين، حماية الوجود الفلسطيني في لبنان وسورية وإبعاده عن الصراعات.

وخاضت “حماس” حربين في عامي 2012 و2014م، وصمدت خلالهما، دون أن يتوافر أي دعم.

وخلال سنوات الاضطراب الماضية في المنطقة، حرصت “حماس” على استمرار الحوار مع الجميع، والبحث عن قواسم مشتركة تحت عناوين فلسطين والمقاومة والأمّة، ومنع العنف وحرمة الصراعات المحلية والمذهبية.

وحاورت “حماس” كل قيادات المنطقة تحت هذه العناوين، ومن بينهم القيادة الإيرانية، خاصة أن “حماس” تستشعر الخطر الناشئ من انقسام الأمّة وتمزّق دولها، وانهيار مؤسساتها ونظمها، وانتشار العنف والدمار في بنيتها، وتراجعها اقتصادياً وتنموياً.

وتدرك “حماس” أن الخاسر الأكبر من انهيار الأوضاع في المنطقة سيكون فلسطين، والثمن الأكبر سيدفعه الشعب الفلسطيني، كما أن الرابح سيكون الاحتلال الصهيوني.

واليوم، تبدي “حماس” حرصها على ضرورة وقف العنف في المجتمعات، والإسراع في الإنقاذ، ووقف الصراعات المذهبية، ووقف التدخّل في الشؤون الداخلية للمجتمعات والدول.

هذه المواقف هي سياسات ثابتة اعتمدتها “حماس”، وهي ناتجة عن فكر ووعي ورؤية إستراتيجية، وهي ليست نتاج تجربة أو مراجعة أو تصحيح لأخطاء كما يحاول البعض أن يصوّرها.

و”حماس” تدرك أن كل الغضب عليها ناتج عن عدم تدخّلها في الصراع المحلي، لذلك عملت على إبقاء التعاون في نقاط الالتقاء – وهي كثيرة – وتجنّب نقاط الخلاف الصعبة، على قاعدة العودة للجذور.

إن أي حوار تجريه “حماس” مع إيران وغيرها من الدول يقوم على هذه القواعد؛ وبالتالي فإن الحركة ترى أن هذه القواعد هي نفسها التي تحكم علاقة “حماس” بأي دولة في المنطقة.

كل اللقاءات التي جمعت قيادات من “حماس” بقيادات من إيران كانت تركّز على توحيد الجهود في دعم المقاومة، ومواجهة الاحتلال؛ وبالتالي فإن أي محاولة لتصوير الأمور بغير ذلك هي محاولة تفتقد للمصداقية.

تدرك “حماس” المتغيرات التي تعيشها إيران ودول المنطقة، واختلال الأولويات وتداخل المصالح، واختلال التحالفات والأنظمة، وتأثير الحركات الإسلامية في معارك المنطقة وما يتركه من حساسيات.

وبالتالي على جميع دول المنطقة وقواها أن يتفهموا خصوصية “حماس” وخصوصية القضية الفلسطينية.

إن محاولة بعض وسائل الإعلام القريبة من سورية وإيران تركيز الهجمة على خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، أو التركيز على الأزمات المتلاحقة التي تعيشها الحركة، أو إظهار “حماس” بأنها “عادت” و”تراجعت” هي محاولة تدل على “خداع الذات” أو “خداع الجمهور”.

فالتركيز على الأخ خالد مشعل يدلّ على أن هدف ذلك هو الانتقام، والانتقام فقط من قائد الحركة الذي حافظ على مشروعها ومكانتها واستقلاليتها، ورفض الضغوط والمحاور، وتعامل بمسؤولية تاريخية لمصلحة فلسطين والأمّة وجميع أقطارها.

إن خالد مشعل رفض توظيف “حماس” في صراعات خاطئة وتحالفات في غير مكانها، ورفض توريط “حماس” في دماء الشعوب والحكام والحكومات وتغذية القتل والاقتتال.

نداء خالد مشعل كان ولا يزال: تعالوا إلى الوحدة من أجل القدس وفلسطين، وتخلّوا عن العنف.

هذه هي “حماس”، وهذه أولوياتها، وعلى جميع القوى الرسمية والحزبية، السُّنية والشيعية، في المنطقة، أن تدرك أن “حماس” ثابتة على نهج مقاومة الاحتلال، وتحرير القدس، وهي غير قابلة للتوظيف أو للابتزاز، وما محاولات تشويه صورة “حماس” ومواقفها إلا تعبير عن “الغضب”.

 

 

 

Exit mobile version