مأساة النازحين في العراق.. إنهم أهل السُّنة!

عدد النازحين في عام 2014م تجاوز المليوني نازح

لم يكن النزوح أو التهجير الجماعي مصطلحاً جديداً يضاف إلى قاموس العراق، فقد كان واحداً من أهم العناوين التي تعبر عن مأساة عراق ما بعد الاحتلال، وإن كان شرر هذه المأساة قد أصاب جل الطوائف والقوميات والأقليات العراقية من أقصى جبال سنجار شمالاً إلى ضفاف عشّار البصرة جنوباً، إلا أن المُستهدف الأكبر والمتضرر الأعظم كان العرب من أهل السُّنة!

إن الحديث عن النزوح الطائفي في العراق يتعدى الحديث عن المأساة الإنسانية التي يعاني منها النازحون، من صراع مع الذل والعوز والمرض تحت لهيب الصيف وصقيع الشتاء، يتعداهُ إلى مشروع خارجي خبيث يراد منه إعادة رسم خارطة العراق من جديد، بل وإعادة تشكيل عقول العراقيين وبناء قناعات قسرية تجعلهم أسرى مستسلمين لواقع جديد.

ركائز التهجير الطائفي

لقد ارتكز مشروع التهجير الطائفي في العراق بعد عام 2003م على خمس ركائز:

1- المشروع الإيراني الفاعل والجاهز للتنفيذ من أجل تحويل العراق لا إلى مجرد حديقة خلفية لإيران، وإنما لجعله قاعدة انطلاق نحو الدول المحيطة لتصدير إرهابهم الفكري والإنساني.

2- الأدوار المتبادلة التي نفذتها الأحزاب والمليشيات الشيعية في تنفيذ المشروع الطائفي، وعلى رأسها الحكومات الشيعية المتتابعة (من حزب الدعوة الإسلامية)، ومن خلال استغلال الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والتي تمثل حالات دمج المليشيات الطائفية بالقوات المسلحة بعد الاحتلال، مدعومة بالعصابات الإجرامية من السراق والقتلة.

3- احتلال أمريكي خبيث كان يتعامل مع من يحقق مصالحه من العملاء، وإن كان ذلك على حساب العراق وحدة وشعباً، فلم يمانع – بل وساعد في أحيان كثيرة – على هذا التهجير القسري والتغيير الديمجرافي في مناطق أهل السُّنة.

4- حيادية الكرد (أصحاب الغنيمة الأكبر والإقليم المستقل بعد الاحتلال)، وتقديم مصلحة الإقليم على مصلحة العراق ومبادئ العدل والمساواة بين مكوناته، وإعلانهم الصريح بعدم الرغبة في التدخل في الصراعات الطائفية بين السُّنة والشيعة.

5- حالات الضعف والهوان والاستضعاف التي عاشها المكون العربي السُّني بعد الاحتلال لأسباب، لعل أهمها: الصدمة التي عاشها بعد التغيير وتحميله جرائم النظام السابق، إضافة إلى استبعادهم وإقصائهم من القوات الأمنية (الجيش والشرطة)، وغياب المشروع السياسي الواضح، والقيادة الحكيمة التي من الممكن أن تحافظ على وجودهم وتحفظ لهم حقوقهم، علاوة على غياب مشروع جاد برعاية الدول العربية يحفظ لأهل السُّنة مكانتهم.

صفحات مشروع التهجير

لقد كان لمشروع التهجير وما أعقبه من نزوح جماعي لأهل السُّنة العرب من محافظاتهم ومناطق سكناهم بعد الاحتلال ثلاث صفحات واضحة نفذها المشروع الطائفي بشكل مرحلي ومتتابع:

الصفحة الأولى: وكانت في المناطق التي يمثل فيها أهل السُّنة أقلية من حيث عدد السكان (في المحافظات الجنوبية)؛ حيث بدأ التهجير مبكراً ومنذ أيام الاحتلال الأولى.

الصفحة الثانية: وكانت في المناطق المُختلطة (سُنة وشيعة)، وهي الصفحة الدامية التي كانت ذروتها في عامي 2006 – 2007م؛ حيث الحرب الطائفية التي شهدتها محافظات بغداد وديالى والبصرة وبابل بشكل رئيس، وهي صفحة مفتوحة مستمرة ليومنا هذا وهي الأخطر.

الصفحة الثالثة: وهي الصفحة الأخيرة التي بدأت منذ نهاية العام 2013م في المناطق والمحافظات السُّنية، وكان ذروتها في العام 2014م.

النازحون عام 2014م

ما شهده العراق من حملات نزوح وتهجير في العام 2014م لم يكن – فقط – إعلاناً لبداية الصفحة الثالثة من تهجير أهل السُّنة من محافظاتهم وما رافق ذلك من مأساة إنسانية ودمار للبنية التحتية فحسب، بل كان إيذاناً بتغيير ديمجرافي جديد يهيئ لحديقة خلفية واسعة لإيران في العراق، لا يقف عند المحافظات الشيعية فحسب، بل يشمل كامل الأراضي العراقية!

وعلينا هنا أن نقف مع مجموعة من الحقائق المرافقة لجرائم التهجير القسري الجديد وما تبعه من نزوح جماعي لأهالي تلك المحافظات السُّنية:

أولاً: إن الجهات المتسببة في عمليات التهجير وما تبعه من نزوح جماعي هي “داعش” المجرمة من طرف، ومليشيات الدمج الشيعية المعبر عنها بالقوات الحكومية من الجيش والشرطة أو مليشيات وعصابات الحشد الشعبي من طرف آخر، ومن خلال عمليات مريبة من تبادل للأدوار، بل وتكامل في المهمات، وتآمر منظم؛ من أجل النيل من سكان المحافظات العربية السُّنية.

ثانياً: إن المناطق التي شهدت عمليات التهجير القسري والنزوح الجماعي في هذه الصفحة هي المحافظات السُّنية فقط (دون محافظات إقليم كردستان أو المحافظات الجنوبية الشيعية).

ثالثاً: تضم المحافظات السُّنية من حيث تركيبتها السكانية أقليات من طوائف وقوميات أخرى من غير العرب السُّنة والذين يمثلون نسيجها الاجتماعي، والذين تعرضوا أيضاً لما تعرض له العرب السُّنة.

مأساة كارثية

لقد مثلت مأساة النزوح الجماعي في العراق (وخاصة في عام 2014م) كارثة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ وأبعاد، لأسباب لعل من أهمها:

1- حجم النزوح الهائل، والذي يفوق ما وصفته منظمة الهجرة العالمية من أنه تجاوز المليوني نازح؛ لأسباب منها عدم القدرة على حصر جميع العائلات المهجرة، إضافة إلى الهجرة الداخلية والنزوح ضمن نفس المحافظات.

2- موقف الدولة البائس تجاه النازحين، وكأنه معاقبة طائفية لأهل السُّنة، وقد تمثل ذلك في سوء المعاملة، والتضييق في التحرك، والاتهامات الباطلة بأنهم حواضن للإرهاب، أضف إلى ذلك ما كان من إسناد مهمة توزيع المنح المالية للنازحين إلى شخصيات عليها علامات كثيرة.

3- مواقف المحافظات العراقية المجاورة للمحافظات السُّنية التي عانت من التهجير والنزوح، فقد كان لإقليم كردستان وقفة طيبة في استيعاب ما يقارب المليون نازح من محافظة الموصل وبقية المحافظات الأخرى، ولم تستوعب محافظات الإقليم (أربيل، ودهوك) جميع النازحين؛ مما اضطر الحكومة في كردستان إلى إنشاء مخيمات على أطراف تلك المحافظات لإيواء النازحين.

Exit mobile version