رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا يرسم “روشتة” مواجهة اليمين المتطرف

في حوار عقلاني وهادئ، تناول فيه د. خالد حنفي، رئيس اتحاد مسلمي ألمانيا، وأحد قيادات العمل الإسلامي في أوروبا الأحداث الأخيرة التي يشهدها المسلمون في أوروبا بعد حادث “شارل إبدو”، مع إلقاء الضوء على الوضع الحالي ومآلاته، وفيما يلي نص الحوار:

 

في حوار عقلاني وهادئ، تناول فيه د. خالد حنفي، عميد الكلية الأوربية للعلوم الإنسانية بألمانيا ورئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا وعضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ، الأحداث الأخيرة التي يشهدها المسلمون في أوروبا بعد حادث “شارل إبدو”، مع إلقاء الضوء على الوضع الحالي ومآلاته، وفيما يلي نص الحوار:

كيف تقيِّم حادث “شارل إبدو”؟

– أزمة كبرى لا تقل في خطرها وآثارها عن أحداث سبتمبر، وتحدٍّ كبير لمسلمي أوروبا في سياق تاريخي صعب، وهو صعود التيار اليميني المتطرف شعبياً وسياسياً، ودليل ذلك الاعتداء على عدد من مساجد السويد العام الماضي، والسويد من أكثر الأقطار الأوروبية انفتاحاً وتعاوناً مع المسلمين، والمسلمون هناك متقدمون في مشاركتهم السياسية مقارنة بالأقطار الأخرى.

كما انطلقت الحركة الشعبية (بيجيدا) في ألمانيا وترجمتها “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة أوروبا”، قابلها تعاطف سياسي وشعبي أوروبي مع المسلمين، ورفض شديد لهذه الحركة ومطالبها، وخرج عشرة أضعاف من أيدوها يعارضون ويؤكدون أن ألمانيا للجميع، وفى السياق ذاته برز وحضر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بقوة على الساحة الأوروبية بما تتركه مشاهد الذبح والقتل من آثار سلبية على النفسية الأوروبية، مع التنبيه على الأعداد الكبيرة نسبياً بالنظر إلى الأعداد الإجمالية لمسلمي أوروبا التي سافرت من شباب أوروبا المسلم للجهاد مع تنظيم الدولة، ثم عادت أو استشهدت، والشخصية الأوروبية لا تقبل بحال المساس بأمنها أو قوانينها، ونلاحظ أن المقتولين في حادثة “شارلي إبدو” أشهر 5 رسامين في فرنسا، وعندما نقرأ الحدث أو نقيِّمه دون الانتباه إلى هذا السياق، فإننا نقع في ذات الإشكال الذي يقع فيه الأوروبيون حين لا يقدرون حجم الآثار السيئة، وردود الأفعال الغاضبة من المسلمين عندما يساء لنبيهم في رسم أو صورة.

وبوسع المسلمين أن يحولوا هذه الأزمة إلى فرصة، وأن يحصدوا منها الكثير من المكاسب، وأن يغيروا من صورتهم السلبية في الذهنية الأوروبية بفعل الإعلام، وهي فرصة ذهبية لمسلمي أوروبا للاجتماع والوحدة خلف قيادتهم ومرجعيتهم السياسية والدينية، وإكمال ما نقص في مؤسساتهم، وإطلاق عمل مؤسسي مشترك، واستمرار التواصل والتعاون مع مؤسسات الدولة والمجتمع، والخروج من رد الفعل إلى الفعل، ومن الكسل إلى العمل، ومن الدفاع إلى التأسيس.

ملابسات كثيرة صاحبت الحادث، ومغلطات في مجملها أظهرت أن هناك مؤامرة وتحفزاً تجاه المسلمين في أوروبا خاصة والإسلام عامة.. ما رأيك في هذا الطرح؟

– بالفعل، هذا الطرح موجود، وهناك تحليلات كثيرة موثقة بالفيديوهات تستنتج وجود مؤامرة، وأن الحادث مدبر، لكننا في أوروبا لم نقف طويلاً مع هذا الطرح، ولا يعنينا كثيراً، فنحن لسنا جهة تحقيق أو إصدار أحكام، والبت في مثل هذه الادعاءات يفصل فيه القضاء والنيابة العامة، فنحن نرفض الحدث وندينه أياً ما كان الفاعل، وأياً ما كان المقتول، وننطلق في رفضنا وإدانتنا من صحيح القرآن والسُّنة، ومن قراءتنا الدقيقة للواقع، والنظر في المآلات والعواقب بالتأمل في التاريخ، والماضي، واستقراء الحاضر ومعرفة دقائقه وتفاصيله.

ما تأثير هذا الحادث على وضع المسلمين في أوروبا؟

– هناك آثار ظاهرة مباشرة سلبية وقعت وما زالت مستمرة بدرجات وصور مختلفة، ونأمل في انحسارها وتوقفها كالاعتداء على المساجد من إطلاق النيران إلى وضع رؤوس الخنزير، وغيره، وهناك رسائل أرسلت إلى مؤسسات ومراكز إسلامية تحمل صوراً مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وللإسلام والمسلمين، وهناك تهديدات بالقتل وجهت إلى أشخاص وأئمة عبر رسائل واتصالات هاتفية، وهناك 3 حالات قتل وهي قيد التحقيق، وهناك اعتداءات لفظية على مسلمات محجبات في بعض المدن ومحاولة نزع حجابهن، وهناك اعتداء على إمام يعالج الآن في المستشفى في مدينة مانهايم، وقد وجهت مؤسسات مختلفة للمسلمين الحذر عند السير ليلاً بمظهر إسلامي واضح خاصة النساء المحجبات، ودعت إلى استخدام السيارات الخاصة بدلاً من الموصلات العامة.

وهناك آثار إيجابية؛ كالمساجد التي فوجئ المسلمون عند فتحها لصلاة الصبح بباقات ورود كتب عليها: “يا مسلمو فرنسا، انتبهوا نحن نحبكم”، وإن كانت هذه النماذج قليلة، كذلك تغير نبرة الإعلام في تغطية الأحداث إيجابياً لصالح المسلمين، وقد كتب كاتب مرموق في أشهر صحيفة ألمانية قائلاً: “نجح المسلمون فيما فشلت فيه الكنيسة بدليل غضبهم عند الإساءة لنبيهم، وعلى الدولة التدخل لمنع الإساءة للأنبياء إذا هددت السلام الاجتماعي للبلاد، حتى وإن كانت الإساءة وقعت ضمن قانون حرية التعبير”!

كذلك ارتفاع نسبة المعارضين لمسلك “شارلي إبدو” رغم فداحة الحدث؛ إذ رفض 42% من الفرنسيين إعادة نشر الرسوم المسيئة في “شارلي إبدو” مجدداً.

وأنا أعتبر تصريحات البابا جيدة ومسؤولة، وتعكس تغيراً إيجابياً في موقف الكنسية انعكس على رفض الأوروبيين إعادة نشر الإساءات.

كذلك تصريحات المستشارة الألمانية “ميركل” أن الإسلام جزء من ألمانيا، والوقفة التي نظمها المسلمون ودعت إليها المؤسسات الإسلامية المنضوية تحت مجلس التنسيق الإسلامي الأعلى بحضور الرئيس الألماني والتغطية الإعلامية غير المسبوقة لها.

أيضاً الاهتمام الأوروبي بالإسلام والسؤال عنه بل واعتناق الإسلام من قبل البعض كالمخرجة الفرنسية الشهيرة “إزابيل ماتيك” بعد أن قرأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد”.

ارتفاع إيجابيات الحدث وانعكاساته لصالح المسلمين أو العكس مرهونة بحكمة المسلمين وخطابهم، وعدم استجابتهم للاستفزازات من قبل المتطرفين العنصريين.

هل هناك خطوات عملية تم اتخاذها بين أبناء الجالية الإسلامية للتعامل مع الواقع الآن؟

– من أهم الخطوات العملية الإجماع المؤسسي الإسلامي الرافض لما حدث في باريس، وأخذ الأئمة زمام المبادرة بالوقفة الاحتجاجية التي نظموها أمام السفارة الفرنسية في ألمانيا وفي غيرها، والتي رفعوا فيها لافتات رفض العنف والإرهاب، والتأكيد على عصمة الدم وحرمته، وقد حظيت بتغطية إعلامية متميزة، كذلك خصص الأئمة خطبهم لتوجيه المسلمين إلى رد الفعل المناسب والتحلي بالحكمة والالتزام بقرار المرجعية الدينية والسياسية للمسلمين، كذلك الحضور الرسمي للمسلمين في البرلمانات ووسائل الإعلام لبيان خطر عدم التعامل من قبل الدولة مع تيار الاعتدال، وقصر التعامل مع المسلمين على المحور الأمني فقط، أيضاً العمل على وضع برامج لحماية الشباب المسلم من خطر الانحراف أو الذوبان، إطلاق المؤسسات الرصدية لقياس حالات الاعتداء والسب اللفظي على المسلمين وتسجيلها، والتصعيد الحقوقي والقانوني بها، فتح ملف المرجعية والعمل المشترك الجاد بين مؤسسات المسلمين في أوروبا، تفعيل دور البرامج والمؤسسات المتخصصة في التعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.

هل المقاطعة والتظاهر بالفعل سيوقفان الإساءات؟

– أنا في الحقيقة أعارض بشدة التظاهر في العالم الإسلامي، وكذا الدعوات إلى مقاطعة منتجات الدول التي صدرت أو وقعت فيها الرسوم والإساءات للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بالقراءة الدقيقة لنصوص القرآن والسُّنة، وكذا بقراءة الواقع الماثل، ومراجعة التاريخ الحافل قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ {112}) (الأنعام)، وقال تبارك اسمه: (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً {48}) (الأحزاب)، وقال: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ {94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95}) (الحجر)، وقال: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً {10}) (المزمل)، وقال: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ {10}) (الأنعام).

وإذا كان قصدنا من التظاهر والمقاطعة هو إيقاف الرسوم؛ فالواقع أنها تزيد وتتضاعف وتنتشر أكثر، وأرى قول الله تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام:108) تجسد في أزمة “شارلي إبدو”؛ فبعد أن كانت المجلة على وشك الإفلاس، وعاجزة عن توفير رواتب موظفيها، وكانت منبوذة من الفرنسيين بشكل عام، وزعت بعد الاعتداء في يوم واحد في فرنسا وحدها 7 ملايين نسخة ثمن النسخة 3 يورو وذلك في ساعات، وترجمت إلى 6 لغات من بينها العربية والتركية، كما فتحوا حساباً لجمع التبرعات جمعوا فيه حتى وقت قريب مليون يورو، وتبرعت لهم الدولة بمليون يورو وأصبحت المجلة رمز الحرية في العالم، ثم التجربة السابقة في الدنمارك بالتظاهر والمقاطعة لم تحقق أياً مما أراد المسلمون تحقيقه، وأنا هنا أطرح جملة من الأسئلة أكشف بها عن مرادي ومقصودي، وهي:

ما الذي حققناه من المقاطعة السابقة للدنمارك أو أمريكا أثناء حرب العراق؟ وهل استمرت المقاطعة؟ هل يستقيم أن يدعو المسلم كمواطن أوروبي فرنسي إلى مقاطعة منتجات بلده التي ينتمي إليها ويفيد من استقرار اقتصادها ويتضرر من تراجعه؟ ماذا إذا نشرت الرسوم في هولندا أو ألمانيا أو غيرها؟ هل سننقل المقاطعة؟ أيهما أولى بالمقاطعة من أساء لنبينا برسم أم من قتل الألوف وشرد الملايين؟ كيف نتعامل مع إساءات المسلمين في وسائل الإعلام في بلادنا الإسلامية صباح مساء؟ هل المقاطعة والتظاهر بالفعل ستوقف الإساءات؟ وإن أوقفتها في المرسوم هل توقفها في المكتوب والمرئي والمسموع؟ 60 مسجداً في فرنسا تم الاعتداء عليها وكذا على محجبات وقتل 3 حتى الآن؛ فما الذي يمكن أن تنتجه التظاهرات والمقاطعة وحرق الأعلام في ظل هذه الأجواء المشحونة، وصعود اليمين المتطرف شعبياً وسياسياً مقابل رفض أوروبي عام لمطالبه؟!

قضية الرسوم والإساءات ومنعها قضية سلطانية خالصة، وما دامت الأمة مقيدة بالاستبداد وشعوبها مسلوبة الإرادة فلن يأبه لها أحد، ولو أن علماء الأمة وقادتها هندسوا غضبة المسلمين لأجل نبيهم لتحرير الأمة من قبضة الظلم والاستبداد وملكت الأمة إرادتها ونهضت في شتى الميادين لانتهت الإساءات إلى الأبد.

فلندرك مواقعنا ولنرتب أولوياتنا ولنحذر من عواقب تصرفاتنا، ولنحافظ على وجودنا ومكتسباتنا، ولننشغل بما يفيد وينفع، ونرجو ألا يزايد علينا أحد في ادعاء محبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

لماذا يبقى الرد على الإساءة في دائرة رد الفعل؟

– طبيعتنا كأمة وشعوب عربية أنتجها الاستبداد والقهر، وخبرة خصومنا بنا جعلتنا في أغلب الأحايين في موقع رد الفعل لا الفعل، ليس في قضية الرسوم المسيئة فحسب، وإنما في غيرها من القضايا، انظر إلى الربيع العربي ومقاومة الشعوب للاستبداد بعد الانقلاب عليه، بقيت الشعوب تنتظر سقوط المنقلبين على الشرعية أو تأخذهم الأنظمة المستبدة إلى رد الفعل الذي يتقنون التعامل معه، ويجيدون التصدي له، أما إجبار الثوار هذه الأنظمة المنقلبة على ما يريدون –الثوار – وإرباك حساباتهم بفعل جديد ومختلف؛ فلم يحدث حتى الآن، وهو ما سيطيل أمد العراك بين الحرية والاستبداد،  لقد غرقت الأمة في دائرة الدفاع وغفلت عن التأسيس، فشغلنا بالدفاع الذي استهلك طاقات الأمة وأموالها وإبداعات مفكريها وعلمائها على حساب التأسيس لعمل منتظم مستمر دائم، فلم ننتبه إلى أن الغرب لا يعرف نبينا وجاهل بعالمية رسالته، وأنه نبي الرحمة إلا بعد الإساءة إليه، ولو أننا نعمل وفق منهج مؤسس ورؤية إستراتيجية لقمنا بهذا دون رسوم، ولهذا لا يستمر هذا العمل الدفاعي ولا ينجح في تحقيق القصد منه عادة، وأدل دليل على هذا عدم استمرار البرامج والمؤسسات التي انطلقت بعد الإساءة الدنماركية الشهيرة الأخيرة.

لابد من إحياء وتقوية وتنمية فقه الاستشراف المستقبلي، وضبط خارطة الأولويات خاصة لمسلمي أوروبا.

ما تأثير الحركات المعادية للمسلمين وخاصة اليمين المتطرف؟ وكيف استفادت من الأحداث الأخيرة؟

– جاءت حادثة باريس هدية لحركة “بيجيدا” الرافضة لمسلمي ألمانيا، وقالت: إن الحدث سيتكرر في ألمانيا، ألم نقل لكم؟ أما زلتم ترون في وجود المسلمين بألمانيا خيراً؟ وارتفع عدد المشاركين في تظاهراتها بدريسدن لأول مرة إلى 17 ألفاً، بحسب الإحصاءات الدقيقة، وإن كانوا هم أعلنوا أن عددهم تجاوز 25 ألفاً، ثم ألغوا تظاهراتهم في الأسبوع التالي بعد تلقي أحد قادتهم تهديداً من “داعش” حسب قولهم، لكنها إلى ضعف وانحسار، وقد فتحت هذه الحركة العنصرية بسلوكها المرفوض ألمانياً وأوروبياً باباً واسعاً للألمان لمعرفة المسلمين والإسلام على الوجه الصحيح، كما لفتت أنظار المجتمع إلى خطر هذه الحركة على السلام الاجتماعي، ولهذا فإن المعارضين لها في ألمانيا كلها خرجوا في تظاهرات بأضعاف الأعداد التي أيدتها، يتقدمهم مشاهير المجتمع من فنانين وكتَّاب وساسة.

بوصفكم أحد الرموز الإسلامية وبمكانتكم العلمية والدينية بين مسلمي الغرب ومن الواقع الذي تعيشه الآن في الغرب، كيف ترى التغير في الطرح الفقهي وفقاً للمشهد الآن بالنسبة لقضايا مسلمي الغرب، خاصة ما يتعلق بالمظاهر الإسلامية والسمت الإسلامي؟

– هناك نقلة نوعية هائلة في الطرح الفقهي على الساحة الأوروبية، تمثلت في مشاركة الأئمة وحضورهم الفاعل، وإنكارهم لما حدث وتفنيدهم لشبهات الرافضين للمشاركة، وكذا القائلين بصحة ومشروعية قتل من سبَّ النبي وإن كان كافراً، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث سينظم ندوة مهمة في باريس خلال أسابيع للحديث حول ضوابط حرية التعبير وماهية المقدس عند المسلمين، وللرد على الشبهات الفكرية والفقهية التي صاحبت الأزمة.

لكن هذا لا يكفي، فخطابنا الديني في الغرب يحتاج إلى مراجعة شاملة، وكذلك الفتاوى ولابد من العناية بفقه الواقع، والتوقع، والمآلات، والموازنات، والمقاصد.

فيما يتعلق بالمظاهر الإسلامية والهدي الظاهر، دعوت كثيراً إلى ضرورة الاقتراب من لباس الأوروبيين وهيئتهم وحياتهم ما دمنا نتحرك في الإطار الشرعي المباح، وقد وجدت أن شيخ الإسلام ابن تيمية قرر هذا بل أوجبه فقال: “إن المسلم بدار الكفر لا يؤمر بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية، من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم، لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة” (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ص 176).

وإذا كانت هذه الفتوى في الأحوال المهمة، ففي هذا الوقت آكد وأوجب.

ما “روشتتك” المقترحة للرد على الإساءة ومواجهة العقبات التي خلفتها حركات العداء للإسلام؟

– التجاهل والإعراض ورفع شعار “فذرهم وما يفترون”، لابد لمسلمي أوروبا من إطلاق المؤسسات الإعلامية الناجحة واعتبارها من أهم الأولويات، العمل على تقديم النماذج العملية التي تشعر بأهمية المسلمين في بناء وصناعة الحضارة الأوروبية، كذلك ضرورة المشاركة السياسية الفاعلة لمسلمي أوروبا، إصلاح مفهوم المواطنة، والتأكيد على أن مسلمي أوربا هم مواطنون أوروبيون لهم خصوصيتهم الدينية والعقدية، ولكنهم ينتمون لأوروبا ويجمعهم بأهلها الإخوة الوطنية، والإخوة الإنسانية، لهم حقوق وعليهم واجبات، زعزعة أمن واستقرار أوروبا هو مسؤولية المسلمين كما هو مسؤولية غيرهم، بذل الجهد لصد العدوان والأذى عن أوروبا واجب على المسلمين مثل غيرهم، ودماء وأموال وأعراض غير المسلمين مصونة بموجب العهد الذي بينهم وبين الدولة، وأخيراً لابد من الوصل بين الجيل الأول من مسلمي أوروبا والأجيال الجديدة من أبناء المسلمين، وبذل الجهود لحمايتهم من أخطار التشدد والغلو والتكفير، والتفكير الإستراتيجي لتلبية احتياجاتهم الفكرية والاجتماعية والدينية.

رسالة توجهها للمؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي؟

– لابد من العمل على هندسة غضبة المسلمين للإساءة لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وتوجيهها فيما يخدم وينفع ويحافظ على الوجود الإسلامي في الغرب وصورة الإسلام في العالم، لابد من التعرف على الواقع الأوروبي ومراجعة قادته وعلمائه قبل إصدار البيانات والقرارات، وحساب مآلاتها وتبعاتها.

إن الوجود الإسلامي في الغرب يشكل البوابة الكبرى التي يطل منها الغرب على الإسلام، وهذا الوجود الإسلامي يحتاج إلى دعمكم، وصلتكم، وواجبكم.

رسالة توجهها للمسلمين عامة؟

– نصرة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بنصرة رسالته وقيمه التي جاء بها من عند الله رحمة بالبشرية، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107}) (الأنبياء)، اغضبوا وتظاهروا لما غضب النبي صلى الله عليه وسلم له، لقد غضب صلى الله عليه وسلم عندما رأى امرأة مقتولة قائلاً: “ما كانت هذه لتقاتل”! فما بال آلاف النساء والأطفال قتلوا واغتصبوا وماتوا برداً وجوعاً فما غضبتم ولا ثرتم!

جسِّدوا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في أخلاقكم وحياتكم، فإن تظاهرتم وخرجتم فأظهروا للعالم تحضركم وتمدنكم، وتخلقكم بأخلاق صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، فلا تحرقوا، ولا تعتدوا، ولا تسبوا، واعملوا على نهضة أمتكم وإعادة هيبتها ومكانتها.

 

Exit mobile version