زيارة “بوتين” لمصر.. أهداف سياسية بعيداً عن الاقتصاد

يحل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ضيفاً على القاهرة غداً الإثنين الموافق 9 فبراير في زيارة تستغرق يومين، وهي الزيارة الثانية للرئيس الروسي للقاهرة، حيث كانت الزيارة الأولى عام 2005م.

يحل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ضيفاً على القاهرة غداً الإثنين الموافق 9 فبراير في زيارة تستغرق يومين، وهي الزيارة الثانية للرئيس الروسي للقاهرة، حيث كانت الزيارة الأولى عام 2005م.

لكن الجديد هذه المرة أن كلا البلدين يعيش أزمة اقتصادية حادة بسبب تداعيات سياسية، ففي الحالة المصرية الأزمة التمويلية تتفاقم، أما الأزمة الروسية فمبعثها تداعيات التدخل الروسي في أوكرانيا، وما ترتب على هذا من عقوبات اقتصادية من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي.

ويفرض هذا اللقاء المرتقب، حسب مراقبين، الشيء ونقيضه في طبيعة العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا في ظل أزمتهما السياسية، فمصر تبحث عن مخرج لتعاون اقتصادي يساهم في خروجها من أزمتها التمويلية، وكذلك يحرك سوقها الداخلية الراكدة منذ سنوات، لكن ثمة قيوداً على توجه مصر لروسيا، منها محدودية العلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال الفترة الماضية، فالميزان التجاري بين البلدين في أحسن الأحوال يقدر بـ 3.5 مليار دولار، منها 500 مليون دولار فقط نصيب الصادرات المصرية، بينما غالب الواردات المصرية يتمثل في سلعتي القمح والأخشاب.

ولا تساهم الاستثمارات الروسية المباشرة في مصر بنصيب يذكر، فهي بحدود 60 مليون دولار، كما أن السياحة الروسية بمصر محدودة الأثر، فهي من حيث العدد تمثل رقماً مهماً، ولكن من حيث المردود السياحي المتمثل في الإيرادات السياحية فهي ضعيفة للغاية، فمصر تفضل عليها السياحة الغربية، نظراً لارتفاع حجم إنفاق السائح الغربي مقارنة بالسائح الروسي.

ومن جانب آخر، فإن انصراف مصر على مدار العقود الماضية نحو أمريكا والغرب، جعل تكنولوجيا الإنتاج والسلاح غربية بالدرجة الأولى، ومن الصعوبة بمكان تغيير هذا التوجه، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، فلذلك سيظل اعتماد مصر تكنولوجياً على أوروبا وأمريكا قائماً لفترات طويلة، بسبب طبيعة البنية الأساسية الاقتصادية لمصر، ومن جهة أخرى عامل التطور التكنولوجي الذي تتميز به أمريكا والغرب.

وحتى في مجال التسليح، فإن المعونة الأمريكية السنوية تفرض نفسها على توجهات مصر في هذا الجانب، فتبلغ المعونة الأمريكية نحو مليار دولار سنوياً، بينما الجانب الروسي يفتقد لتقديم مثل هذا العرض في الأوقات الطبيعية، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها روسيا وتحول دون تقديم أي معونات خارجية.

واقع صعب

وفي الوقت الذي يمثل فيه القمح واحدة من السلع المؤثرة في علاقات مصر وروسيا اقتصادياً، نجد أن روسيا فرضت خلال الشهور الماضية قيوداً على التصدير للخارج من أجل الوفاء باحتياجات البلاد أولاً من السلع الإستراتيجية وعلى رأسها الحبوب والغلال ومنها القمح بالطبع.

ولذلك لجأت روسيا إلى فرض رسوم على التصدير كإجراء للحد من التصدير، بينما اتجهت مصر لفرنسا لاستيفاء احتياجاتها من واردات القمح، حيث أُعلن أن مصر أصبحت أكبر مستورد للقمح الفرنسي للشهر الثاني على التوالي.

وفي ظل تراجع العملة المصرية وانهيار العملة الروسية، فإن مصالحهما متعارضة، فكلا الدولتين تسعى للاستفادة من هذه الفرصة لزيادة الصادرات، ولكن مصر مكبلة بعدم مرونة جهازها الإنتاجي، وليس لديها ما تصدره سوى المواد الخام وعلى رأسها النفط، وهي سلعة تصديرية لروسيا، كما أن روسيا ليس لديها ما تقدمه لمصر على صعيد السلع التكنولوجية والعدد والآلات.

وعلى ضوء العقوبات التي فرضتها روسيا على استيراد السلع الغذائية والزراعية من الاتحاد الأوروبي، تبقى فرصة مصر للاستفادة من هذه الفرصة بزيادة صادراتها الغذائية والزراعية لروسيا محدودة؛ لأن مصر مستورد خالص للغذاء، وأن ما تصدره من سلع زراعية وغذائية محدود، ولا يمكن أن يشكل حصة يمكن الاعتماد عليها في السوق الروسية.

وحتى ما يقال عن إحياء المشروعات القديمة التي ساهمت فيها روسيا والعمل على تغذيتها تكنولوجياً؛ نجد أن التوجهات المصرية تشير إلى تخلصها من هذه المشروعات مثل شركة الحديد والصلب التي تمثل الآن عبئاً على الحكومة المصرية، نظراً لما تحققه من خسائر متوالية، وسط سوق تنافسية لم تجد فيه مصر من سبيل لحماية إنتاجها من الحديد سوى فرض رسوم الإغراق، حسب وكالة أنباء “الأناضول”.

وعلى صعيد مشكلة البطالة التي تعاني منها مصر، لا تعد روسيا مقصداً للعمالة المصرية، سواء من خلال الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، على خلاف أوروبا، التي تستقبل الآلاف من العمالة المصرية، وتوفر مناخاً من حقوق العمال يغري العديد من الشباب المصري للحاق بسوق العمل الأوروبية.

ولا ينتظر أن تساهم روسيا باستثمارات مباشرة في مصر خلال الفترة القادمة، وخاصة بعد تداعي احتياطياتها من النقد الأجنبي بما يزيد على 100 مليار دولار، وكذلك في ظل تراجع إيراداتها النفطية بسبب أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمية.

ولم يعرف عن روسيا خلال السنوات الماضية، أنها من ضمن الدول المصدرة لرؤوس الأموال، بل إن انتعاشها الاقتصادي الأخير، يرجع للطفرة النفطية، وكذلك مواجهتها لفساد بعض رجال الأعمال، وتلك التدفقات من الاستثمارات المباشرة من قبل دول الاتحاد الأوروبي.

استبعاد ملف الطاقة

أما على صعيد الإمكانيات التي تمتلكها روسيا في مجال الطاقة، فيجري الحديث عن إمكانية مساعدتها لمصر في هذا المجال، سواء فيما يتعلق بالمجال النووي، أو الوقود الأحفوري، ولكن الملاحظ على صعيد الواقع أن مصر اتجهت لتلبية احتياجاتها من النفط والغاز بعيداً عن روسيا، فتم التوجه نحو الجزائر، ومؤخراً يجري الحديث عن تعاون مع “إسرائيل” لاستيراد الغاز والنفط، هذا بالإضافة إلى ما تحصل عليه مصر من إمدادات نفطية من دول الخليج، سواء كان عبر برامج المنح والمساعدات، أو عبر صفقات تجارية.

وحتى المعلن في مصر مؤخراً عن تواجد بعض الاستثمارات في مجال التنقيب والاستكشاف النفطي، لم يشر إلى تواجد لشركات روسية؛ وهو ما يعني أن التواجد الروسي على الأجلين القصير والمتوسط مستبعد في هذا المجال بمصر.

وتنشط مصر مؤخراً في مجال الطاقة المتجددة، بمجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وقد طرحت مناقصات خلال الفترة الماضية لمساهمة القطاع الخاص في هذا المضمار، ولم تكشف بعد نتيجة هذه المناقصات عن طبيعة الشركات المساهمة.

فضلاً عن أن مصر تلقت العديد من المساعدات الغربية في مجال الطاقة المتجددة من دول غربية، وكذلك من خلال مؤسسات التمويل الدولية، بما يجعل هذا الملف أيضاً مقصوراً على المساهمات الغربية، واستبعاد روسيا عن المشاركة فيه بمصر.

أما عن مجال التعاون النووي، فعلى ما يبدو أن مصر لم تعقد العزم بعد على خوض هذا المجال، رغم الحديث عن ضرورة بناء مفاعلها النووي في منطقة الضبعة، منذ سنوات، بسبب ما يحيط بالبرنامج من تخوفات من قبل دول خارجية، وما يعتري المشروع من تداعيات سلبية تتعلق باستخدامات الطاقة النووية بمصر، في ظل حالة التسيب وعدم الانضباط في العمل، وهو ما يتنافى ومتطلبات العمل في مجال الطاقة النووية.

 

 

Exit mobile version