اليمن.. خيارات الحل لإنهاء فراغ استقالة الرئيس تجاوزها الواقع

تكاد حالة الفراغ السياسي التي دخلها اليمن منذ أكثر من 10 أيام بعد استقالة رئيس الدولة وحكومته, كأول فراغ تشهده حديثاً, فيما ضاعفت المليشيات الحوثية من أعمالها القمعية في مواجهة تظاهرات متصاعدة رافضة ما تعتبره انقلاباً على الشرعية واختطافاً للدولة، مع

رشاد الشرعبي

 

تكاد حالة الفراغ السياسي التي دخلها اليمن منذ أكثر من 10 أيام بعد استقالة رئيس الدولة وحكومته, كأول فراغ تشهده حديثاً, فيما ضاعفت المليشيات الحوثية من أعمالها القمعية في مواجهة تظاهرات متصاعدة رافضة ما تعتبره انقلاباً على الشرعية واختطافاً للدولة، مع جولات متكررة من المفاوضات بين الجماعة والأطراف السياسية, بحضور مبعوث الأمم المتحدة تصل إلى طريق مسدود في كل مرة.

ومع تصاعد حالة قمع مليشيات الحوثي للناشطين السياسيين والإعلاميين والمظاهرات الشبابية التي اتسعت مساحتها، وشملت أبرز مدن المحافظات الشمالية، وفي مقدمتها العاصمة صنعاء ومدينتا تعز والحديدة, استمرت الأقاليم الثلاثة في ترتيب أوضاعها بعيداً عن مركز الدولة وعاصمتها السياسية صنعاء, وأحكمت اللجان الشعبية سيطرتها على مدينة عدن (عاصمة الجنوب)، وعدد من المدن الرئيسة, وخاضت مواجهات مسلحة مع قوات الأمن الخاص هناك.

وما زالت بعض أهم محافظات الشمال (قبل توحيد الشطرين في عام 1990م) بعيدة عن سيطرة مليشيات الحوثي، ورتبت أوضاعها بشكل مختلف عبر قوات الجيش والأمن المسيطرة عليها من قبل, وهناك توجهات لدى سلطاتها المحلية إلى وقف الارتباط مع مركز الدولة الذي تعتبره مختطفاً من قبل الحوثي وحليفه الرئيس السابق, حيث تنتشر قوات الجيش والأمن في محافظة تعز التي تعد الأكبر سكانياً وتشرف على مضيق باب المندب الإستراتيجي ومحاذية للجنوب.

وأعلنت فروع عدد من الأحزاب في تلك المحافظات والأقاليم, خاصة التابعة لحزب لإصلاح والاشتراكي عدم اعترافها بشرعية السلطة المسيطرة في صنعاء, ورفضها لنتائج أي حوارات تخوضها قياداتها برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر للخروج من الفراغ السياسي، والتي قد لا تنهي حالة الاختطاف للدولة ومؤسساتها وقراراتها، وتنهي الانقلاب على شرعية الرئيس “هادي”.

ويرى كثيرون أن جماعة الحوثي وجدت نفسها في مأزق خطير عقب مفاجأة الرئيس “عبدربه منصور هادي” وحكومته بإعلان استقالتهم بعد سيطرتها على دار الرئاسة ومحاصرة رئيس الحكومة وعدد من القيادات العسكرية والأمنية ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، خاصة المنتمين منهم لمحافظات الجنوب وتعز المحاذية لهم, وهو ما رفع وتيرة الغضب تجاه الجماعة بصورة لم تكن تتوقعها بعد حالة ركود شهدتها البلاد منذ سيطرتها على صنعاء في سبتمبر الماضي.

ويؤكد البعض أن غرور وعنجهية قيادات الجماعة تدفعها نحو مزيد من المآزق الأخرى, وقد تجعلها تخسر ما حققته خلال أشهر مضت من انتصارات غير موضوعية، ومن سيطرة وتحكم بالمشهد اليمني على الأقل في العاصمة صنعاء والمحافظات المحيطة بها, رغم إعلان ترحيبها خلال الساعة الأولى على استقالة “هادي” وشروعها في تشكيل مجلس رئاسي.

وعقب وصول مبعوث الأمم المتحدة إلى صنعاء، أوفدت الجماعة ممثلين عنها لخوض حوارات ومفاوضات لم تثمر, وظلت تطرح خياراً واحداً وما زالت؛ وهو تشكيل مجلس رئاسي, وهو ما فشلت به تماماً على الصعيد العملي, لشرعنة سيطرتها على البلاد التي كان الرئيس المستقيل يمكنها منه, قبل أن تقوض شرعيته وتعتدي عليه في منزله, وتقول بعض الأنباء: إنه وصل حد الاعتداء عليه بالضرب؛ ما زاد من حالة الغضب الشعبي تجاهها.

ومنتصف الأسبوع خرج زعيم الجماعة في خطاب مفاجئ ومقتضب على غير عادته, وأعلن عن أن استقالة “هادي” مجرد مناورة وخطوة شاذة في استعارة للمصطلح الذي أطلقه في وقت سابق مستشار “هادي” د. عبدالكريم الإرياني حينما وصف حالة اليمن بعد سيطرة جماعة الحوثي على الدولة وعاصمتها بأنها حالة شاذة لا توجد في أي دولة بالعالم.

واعتبر زعيم الجماعة, عبدالملك الحوثي, منتقديه في الجنوب وإقليم سبأ خاصة محافظة مأرب النفطية وبقية المحافظات بالفوضويين، ووجه لهم التهديدات، وحاول استعطاف الولايات المتحدة والغرب بالحديث عن مكافحة الإرهاب و”القاعدة”, ودعا لمؤتمر شعبي لمناصريه هو الثاني من نوعه الذي تعقده الجماعة لاتخاذ قرارات حاسمة, لكنه اضطر إلى إعلان تمديد جلسات المؤتمر لثلاثة أيام وكان مقرراً أن ينعقد ليوم واحد الجمعة الماضية فقط, وبررت الجماعة ذلك بإتاحة مزيد من الوقت للمفاوضات والحوار بينها والأطراف السياسية.

وكانت المفاوضات الجارية خلصت إلى 3 رؤى كحلول للخروج من حالة الفراغ التي تعيشها البلاد, تفتقد لضمانات تنفيذها من قبل جماعة الحوثي أو الموافقة عليها من بقية الأطراف, ولا تتفق مع التطورات المتسارعة واقعاً, سواءً ما يتصل باستمرار مليشيات الحوثي بإحكام السيطرة وسياسة البطش ضد مخالفيه بمن فيهم الرئيس المستقيل وحكومته, أو ما يتعلق بتصاعد حجم التظاهرات الرافضة للمليشيا, ومضي 4 أقاليم في الجنوب والشرق والوسط في خطوات تدريجية للتخلي عن مركز الدولة بصنعاء.

وتركزت تلك الرؤى نحو السير نحو البرلمان لحسم موضوع استقالة “هادي”؛ وهي ما ألح عليها حزب الرئيس السابق “علي صالح” لسيطرة أحد الموالين له على البرلمان, لكنه أعلن مساء الجمعة عن انسحابه من الحوار؛ بسبب إهمال ما يعتبره إجراءات دستورية, رغم أن الواقع يؤكد عجز البرلمان الذي تسيطر عليه مليشيات الحوثي عن عقد جلسة لاتخاذ إجراءاته, ولم يتجاوب مع الدعوات لعقد الجلسة في مكان آمن خارج صنعاء, وهناك خياران؛ تعز أو عدن.

وبقيت رؤيتان تتركزان في تشكيل مجلس رئاسي برئاسة “هادي” نفسه بحسب رغبة الحوثيين، أو عدول “هادي” عن استقالته, لكن أحزاب اللقاء المشترك تشترط لأحدهما تهيئة الأجواء من قبل جماعة الحوثي، وإنهاء إجراءاتها التي تمت في يناير الماضي أو التي كانت منذ توقيعها على اتفاقية السلم والشراكة الوطنية خلال سيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر.

وبحسب آخر لقاء جمع الرئيس المستقيل ولجنة من قيادات حزبي الاشتراكي والناصري وحزب ثالث, فقد أبدى “هادي” تمسكاً باستقالته وعدم رغبة بالتراجع عنها, حيث يقيم في منزله رهن الاعتقال التام وليس مجرد إقامة جبرية, كما أعلن المبعوث الأممي بعد زيارته له, وقال: إنه يتم إخضاع زائريه للتفتيش في الدخول والخروج وتخضع اتصالاته التلفونية للرقابة التامة من الحوثيين, بصورة كشفت عن عنجهية وغرور بالقوة المسلحة لم يعهدها اليمنيون سابقاً.

ونقلت صحف إلكترونية عن رغبة “هادي” بنقل الحوار إلى مكان آمن خارج صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون, واقترح مدينة تعز, وذلك بعد أقل من يوم واحد على إعلان الحراك الجنوبي انسحابه من حوار يرعاه ممثل الأمم المتحدة، واعتبره حواراً عبثياً, وطالب بنقل إدارة الدولة مؤقتاً إلى تعز، وعقد البرلمان جلسته في ذات المدينة لقبول استقالة “هادي” أو رفضها.

تطورات الأحداث في اليمن متسارعة بشكل غير مسبوق, لكن التسريبات الأمريكية عن تنسيق مشترك بين أجهزتها المخابراتية مع جماعة الحوثيين التي ترفع شعار الموت لأمريكا, كانت مفاجئة لليمنيين, مع استمرار الطائرات الأمريكية بدون طيار في استهداف من تعتقد أنهم منتمون لـ”تنظيم القاعدة” في محافظتي مأرب وشبوة, ولم يقف التنسيق عند مكافحة الإرهاب, لكن تحدث مسؤولون أمريكيون عن تواصل بينهم والجماعة.

سيناريوهات المستقبل القريب في اليمن, تؤكد أن لا مجال للحل عبر المفاوضات التي يرعاها المبعوث الأممي, في ظل عدم قبول جماعة الحوثي بالتراجع عما أقدمت عليه خطوة واحدة, وبروز موقف خليجي قوي أعلن عن رفضه للانقلاب الذي أقدمت عليه، وتمسكه بشرعية وحيدة هي شرعية الرئيس “هادي”, ومن الصعب على بقية الأطراف قبول الحلول التي يراها الحوثيون.

والتطورات المتسارعة والمواقف المعلنة حتى الآن تؤكد انه حتى في حالة رضوخ الأطراف السياسية ومعها الرئيس المستقيل أو بدونه لرغبة الأمر الواقع التي تفرضها جماعة الحوثي, فإن هناك رفضاً لذلك من الأقاليم التي أعلنت تخليها عن صنعاء, وهي تشكل ثلثي مساحة البلاد، وتحتوي منابع النفط والغاز والكهرباء، وفيها ثلثا الشريط الساحلي لليمن في البحرين الأحمر والعربي, وهناك رفض مماثل للشباب والمكونات المجتمعية يظهر عبر المظاهرات التي لم تخمد منذ الإعلان عن استقالة “هادي”.        

 

 

Exit mobile version