الاستخبارات الألمانية تخزّن يومياً 220 مليون معلومة للمخابرات الأمريكية

ملخص: علمت صحيفة “تسايت أونلاين” الألمانية أن وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية تقوم بتجميع بيانات وصفية (بيانات حول البيانات) بكمية كبيرة، وتعطيها لوكالة الأمن القومي الأمريكية، لتستعملها أمريكا في حربها على “الإرهاب” التي تؤدي إلى قتل كثيرين.

 

 

 

 

كاي بيرمان

 

ملخص: علمت صحيفة “تسايت أونلاين” الألمانية أن وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية تقوم بتجميع بيانات وصفية (بيانات حول البيانات) بكمية كبيرة، وتعطيها لوكالة الأمن القومي الأمريكية، لتستعملها أمريكا في حربها على “الإرهاب” التي تؤدي إلى قتل كثيرين.

تساعد دائرةُ الاستخبارات الاتحادية الألمانية وكالةُ الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكيتين في تجميع هذه البيانات بدقة، ولا تقوم بذلك بطريقة انتقائية إنما تجمّعها كما هي؛ إذ تجمع دائرة الاستخبارات الألمانية ملايين البيانات الوصفية، وبالضبط 220 مليون معلومة يومياً، وترسلها للجهات الأمريكية المعنية.

وتعيش وكالة الاستخبارات الألمانية تغيراً نوعياً، إذ إنها أصبحت تعتمد على المراقبة الكمّية عوضاً عن مراقبة الأفراد المشتبه فيهم، وقد بينت الأبحاث التي قامت بها “تسايت أونلاين” (صحيفة ألمانية) حجم هذا التحوّل وحجم المشكلات المصاحبة له.

في السابق، كان الجواسيس يقومون بالتجسس على الناس فينسخون بعض الرسائل خلسة أو يتجسسون على المكالمات الهاتفية ليعرفوا ماذا يقول الناس لبعضهم، وماذا يخططون، وعلى ماذا يتواعدون، هذه الصورة، صورة الجاسوس الذي يستعمل سماعات ليستمع إلى المكالمات الهاتفية، هي التي تطغى على تصور عموم الناس لعملية التجسس، ولكن الواقع تغير وأصبح كل هذا ماضياً، فجواسيس الحاضر باتوا يحترفون طرقاً أخرى للتعقّب، إنها البيانات الوصفية، اعتماداً على هذه البيانات، يمكن للمخابرات أن تعرف من تحدث مع من، وكم، وأين، ومتى دار الحوار؛ كل رسالة إلكترونية وكل إرسالية قصيرة وكل صورة رقمية وكل رسالة على تطبيق “واتس آب” لها بيانات وصفية، والذي يقدر على تفسيرها لا يعرف فقط ماذا تحدث الناس مع بعضهم، بل يعرف أكثر من ذلك، لأن البيانات الوصفية تسمح بذلك: فهي تجعلك تعرف مكان الشخص، ومن أين أتى، وماذا يفعل الآن، وتمكنك حتى من معرفة ماذا يخطط؛ إنها تفضح أي مكان للاختباء وأي تواصل سري.

ويقول “مايكل هايدن”، الرئيس الأسبق لوكالة الأمن القومي، ووكالة المخابرات المركزية في هذا السياق: “نحن نقتل الناس اعتماداً على البيانات الوصفية”، فالذي يعرف البيانات الوصفية المناسبة يعرف جيداً أين يبعث الطائرة بدون طيار القاتلة، وهذا تحديداً ما تفعله وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية: فالأهداف البشرية التي ترميها الطائرات بدون طيار الأمريكية بصواريخها النارية في اليمن والصومال وأفغانستان يتم تحديدها من خلال بيانات مماثلة، من خلال تحديد الإحداثيات عبر نظام التموضع العالمي “جي بي آس”، ومن خلال أنماط للخطاب ومن خلال التعرف على البيانات الوصفية، وبمثل هذه المعلومات يتم التعرف على أنماط خطاب أشخاص معنيين، ويتم إعداد ملفات شخصية خاصة بهم؛ وبهذه الطريقة يمكن للاستخبارات التنبؤ وبشكل شبه مؤكد ماذا ينوي شخص ما القيام به في المرة المقبلة، وأين سيكون موجوداً في وقت ما محدد، ولذلك فإن البيانات الوصفية مصدر معلومات مهم جداً بالنسبة لوكالة الأمن القومي.

وكذلك العاملون في دائرة الاستخبارات الألمانية يعرفون جيداً السلطة التي تمنحها البيانات الوصفية، وبعد أحداث 11 سبتمبر نودي هناك – أي في دائرة الاستخبارات الألمانية – بمزيد تركيز العمل على مثل هذه البيانات، وقد بينت المذكرات أن هذه المقترحات بدأت تتبلور منذ عام 2002م، كما بينت أن دائرة الاستخبارات الألمانية أصبحت تعمل على تحليل جزء مهم من البيانات التي تجمعها.

وقد علمت “تسايت أونلاين” من خلال وثائق سرية لدائرة الاستخبارات الألمانية أن خمسة أقسام خارجية تابعة لها تعمل على جمع البيانات الوصفية بكمية كبيرة، ومنها الموجودة في مدن “شونينجن” و”راينهاوزن” وباد آبلينغ” و”جابلينجن”، وهي تستقبل بيانات بحجم 220 مليوناً منها يومياً من كل أنحاء العالم، هناك يتم تخزين البيانات التي يتم تجميعها في فترة تمتد بين أسبوع وستة أشهر، ويتم فرزها وفق معايير معروفة مسبقاً، ولا يتوقف الأمر عند تجميع البيانات، بل يتم استخدامها لمراقبة المشبوهين ومتابعتهم.

ويبقى السؤال “من أين تتحصل دائرة الاستخبارات الألمانية على البيانات؟” بلا إجابة واضحة، غير أن لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الألماني والمختصة في الأمن وقضايا الجوسسة اكتشفت أن أجهزة المخابرات هذه تتجسس على الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وحتى على كابلات (أسلاك) الإنترنت، وتَبين أن الـ220 مليوناً من البيانات الوصفية لا يمثلون إلا جزءاً مما تتحصل عليه الاستخبارات في عمليات التنصت التي تقوم بها، ومن المؤكد أن مصدر البيانات الوصفية “اتصالات هاتفية خارجية”؛ أي مكالمات وإرساليات قصيرة تتنقل عبر شبكة الجوال والأقمار الصناعية.

ويتم تخزين جزء من البيانات الـ220 مليوناً التي تُستقبل يومياً بصفة مستمرة، حيث يتم في كل قسم من أقسام الخارجية لدائرة الاستخبارات تخزين مليونين من البيانات الوصفية لمدة عشر سنوات في بنك معلومات مخصص “للتحليل على المدى البعيد”، ولا تحتوي هذه البنوك المخصصة لتخزين البيانات على مدى بعيد على محادثات عبر الإنترنت، ولا بيانات من شبكات التواصل الاجتماعي ولا رسائل إلكترونية، فهي تحتوي فقط على بيانات المكالمات الهاتفية بحجم “يقارب 11 مليار تسجيل في السنة الواحدة”.  

ومن الواضح أن هذا لا يكفي دائرة الاستخبارات الألمانية، إذ إن “تسايت أونلاين” تحصلت على وثائق سرية تُثبت رغبة هذه الأخيرة في الحصول على المزيد من هذه البيانات، ولذلك طلبت دائرة الاستخبارات الألمانية من البرلمان من أن ترفع ميزانيتها بقيمة 300 مليون يورو، هذه الأموال سيتم إنفاقها في تحسين التجهيزات الإلكترونية؛ وذلك في إطار مشروع اسمه “المبادرة الإستراتيجية التقنية” والذي يحوي ضمنه مشروعاً اسمه “التحليل الأوتوماتيكي الآني للمعلومات المتدفقة”، وتبين الوثائق أن دائرة الاستخبارات تريد استثمار ما يقارب 700 ألف يورو لتثبيت برنامج خاص لقواعد البيانات اسمه “هانا”، يتم تصنيعه من قبل الشركة الألمانية المصنعة للبرامج “ساب إيه جي”.

ويُعتبر برنامج “هانا” قاعدة بيانات للذاكرة الداخلية، إذ لا يتم فيه تخزين المعلومات على قرص صلب، وإنما على ما يسمى “ذاكرة الوصول العشوائي”؛ أي الذاكرة الرئيسة والتي يمكن الوصول إليها في جزء من الألف من الثانية؛ ولذلك فإن “هانا” يستطيع في ثانية واحدة الإجابة عن بحث قد يتطلب البحث عنه نصف يوم في البرنامج الذي يعتمد على الأقراص الصلبة، وهكذا فإن المستخدم إذا بحث عن الأماكن التي ظهر فيها أحد الإرهابيين سيتحصل على الإجابة مباشرة؛ والأهم من هذا هي قدرة برنامج “هانا” على التفاعل مع الطلبات المعقّدة بسرعة مماثلة، وهذا يعني أن البرنامج قادر على ربط الصلة بين العديد من البيانات المختلفة ليستخرج منها أنماط خطاب معينة، وهذه التقنية يتم استخدامها عندما يتم تحليل كميات كبيرة من البيانات الوصفية.

الإخفاء من خلال التشبيه بالحركات الروتينية

الكثير من الناس لا يعرفون المغزى من البيانات الوصفية، وهذا ما تريده دائرة الاستخبارات الاتحادية، وفي جلسة استماع أمام لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الألماني والمختصة في الأمن وقضايا الجوسسة يتحدث العاملون المسؤولون عن الجوسسة دائماً عن “حركات روتينية” ويقصدون بها البيانات الوصفية، هذه الكلمة التي توحي بموضوع حساس يُراد بها إخفاء حقيقة أنهم يقومون برصد غير مبرر وواسع وشامل لكل الناس.

ويقول مسؤولو المخابرات: إن هذه الحركات الروتينية يمكن الحصول عليها بدون أي قيد، والتصرف فيها حسب ما يقدّرون من مصلحة، في حين يرى “باتر شار” المكلّف بحماية المعطيات في ألمانيا البيانات الوصفية محمية من قبل قانون حماية سرّيّة الرسائل والبريد، ولكن عندما لا تكون البيانات الوصفية محمية من قبل الدستور الألماني، فإن على دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية أن تطلب موافقة مكتب المستشارة في الإبقاء على قاعدة بيانات على مدى بعيد، والتي لابد أن تكون – حسب القانون – رقمية، كما يجب إعلام المسؤول عن حماية المعطيات بكل معطى رقمي يتم تخزينه لمدة أكثر من 6 أشهر، ولكن للأسف لا يمكن التأكد من حصول هذا من عدمه.

وفيما يخص عملية تنظيم المعطيات السرية، فإن المسؤول عن حماية المعطيات في ألمانيا يجيب عادة – إذا سئل – بأنه أمر سرّي، وأنه لا يمكن له الإدلاء بأي معلومات ولا يمكنه لا تكذيب ولا تأكيد هذه العملية أصلاً، ويبقى الأمل قائماً ولو قليلاً في أن العملية لا تصير إلا بعد الحصول على الموافقة اللازمة؛ إذ إن دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية تشتغل على قواعد بيانات منذ سنوات عديدة دون طلب الموافقة القانونية.

“آلة الضباب” التي تملكها دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية عمِلت بكل وضوح وجهاً لوجه مع الحكومة الألمانية، هذا ما اكتُشف عام 2013م عندما طفت فيه تسريبات “إدوارد سنودن” إلى السطح؛ ففي شهري يونيو ويوليو من نفس السنة أكد العديد من أعضاء الحكومة ومن بينهم الوزير المكلف بمكتب المستشارة “رونالد بفولا” مرات عديدة أن وكالة الأمن القومي ودائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية عليهما الالتزام بالقانون الألماني.

تجدر الإشارة إلى أن عمل دائرة الاستخبارات الألمانية كان منحصراً في بيانات المحتويات، أي بيانات محتويات المكالمات ومحتويات الفاكس والرسائل الإلكترونية، لم يكن هناك حديث عن البيانات الوصفية، إلى أن تحدّث النائب عن حزب الخضر “هانز كريستيان” منتصف أغسطس 2013م عن ضرورة وجود مراقبة على مستوى ثانٍ، وبعد جلسة من جلسات الهيئة البرلمانية للمراقبة قال “هانز”: إنه علم بأن دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية خزّنت “مئات ملايين المعلومات ومن الاتصالات” عبر استخباراتها وأعطتها للولايات المتّحدة الأمريكية؛ ولم يكن “هانز” يعلم سابقاً حجم المشكلة.

في الجهة الأخرى، تبدو دائرة الاستخبارات الألمانية راضية عن عدم اهتمام عموم الناس بها وإنهاكهم في النقاش في مواضيع أخرى، وتعمل على ألا يتغير هذا الوضع، وكمثال على ذلك علِمت “تسايت أونلاين” بوجود وثائق تثبت أن دائرة الاستخبارات الاتحادية قامت بتجميع المعلومات حول عدد البيانات الوصفية التي تم تحضيرها للجنة البرلمانية للمراقبة يوم 26 يونيو 2013م، وحتى أمام لجنة المراقبة التي تلتئم في السرّية لم تُرد الدائرة التصريح بنشاطاتها، إذ لابد من “تنسيب” المعلومات حسب ما هو مُشار إليه على الملف، إلا إذا تقدّم أحد أعضاء البرلمان بسؤال موجه.      

المراقبون يتحصلون على معلومات يعرفونها مسبقاً

هذا ما يقوله مسؤولو الاستخبارات، وهم بذلك يعيقون البرلمانيين عن القيام بدورهم في الرقابة، وهم بهذه الطريقة لن يكونوا مجبرين على الإقرار إلا بما يعرفه البرلمانيون مسبقاً، ولن يزيدوهم شيئاً جديداً، وفي هذا السياق قالت “غيزيلا بليتز”: “لا يمكنهم إلا السؤال عن أشياء عملية عندما يكون لهم علم مسبق بها”، “غيزيلا” كانت نائبة في البرلمان عن الحزب الديمقراطي الحر، ثم أصبحت عضواً في اللجنة البرلمانية للمراقبة، وأضافت: “لقد كان من الصعب الحصول على معلومات جامعة، فوكالات الاستخبارات ليس لها ثقة لا متناهية في البرلمانيين.

الشيء نفسه يحصل الآن في لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الألماني والمختصة في الأمن وقضايا الجوسسة، إذ إن رئيس أحد أقسام دائرة الاستخبارات الاتحادية واسمه “ف. ك.” قام في شهر نوفمبر 2014م، ولأول مرة بذكر عدد في اللّجنة: 500 مليون، وهو حجم البيانات الوصفية التي تعطيها دائرة الاستخبارات شهرياً لوكالة الأمن القومي الأمريكية، هذا الحجم الكبير من البيانات يعود إلى أن المكالمة الهاتفية الواحدة تحتوي العديد من البيانات الوصفية؛ ويُراد بذلك القول أن هذا الرقم لا يُعتبر كبيراً، وفي الحقيقة تعادل هذه الـ500 مليون بيانات وصفية ملايين المكالمات والإرساليات القصيرة؛ وكل هذا ليس إلا جزءاً من الحجم الحقيقي للبيانات الوصفية الموجودة، لأن الـ500 مليون تهم قسم الاستخبارات الموجود في “باد إيبلينج” والمعروف بـ”آيكونال”، وفي المقابل لم يعطِ “ف. ك.” أي معلومة عن نسبة البيانات من بين الـ220 مليوناً التي يتم تجميعها يومياً والتي يتم إرسالها إلى الولايات المتحدة.

وتبعاً لذلك، طالبت النائبة في البرلمان عن الحزب الديمقراطي الحر “غيزيلا” ومعها نواب آخرون في لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الألماني والمختصة في الأمن وقضايا الجوسسة منذ فترة بمراجعة مراقبة كل ما يهم مراقبة الاستخبارات؛ هم يريدون الزيادة في العدد وفي الكفاءة، ويريدون قبل كل شيء الحق في مزيد من الوصول إلى حيثيات عمل العاملين في الاستخبارات.

 

المصدر: “تسايت أونلاين” الألمانية

 

http://www.zeit.de/digital/datenschutz/2015-01/bnd-nsa-metadaten-ueberwachung/komplettansicht

 

 

 

 

 

Exit mobile version