العثمانيون الجدد يكشفون ثمار التواصل مع القرن الأفريقي

مخطئ من يظن أن علاقة “أردوغان” بأفريقيا هي تلك المشروعات التي أعلن عن افتتاحها في الصومال منذ أسابيع في زيارته الأخيرة، والمتمثلة في “مسجد” أذن فيه الرجل بصوته، ثم وصوله للمطار الذي حدثته تركيا والشوارع والطرقات والموانئ التي تطورت باستثمار ودعم تركي

 

 

 

مخطئ من يظن أن علاقة “أردوغان” بأفريقيا هي تلك المشروعات التي أعلن عن افتتاحها في الصومال منذ أسابيع في زيارته الأخيرة، والمتمثلة في “مسجد” أذن فيه الرجل بصوته، ثم وصوله للمطار الذي حدثته تركيا والشوارع والطرقات والموانئ التي تطورت باستثمار ودعم تركي.

فعلاقة تركيا “أردوغان” مرتبطة بتوجهات حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة منذ عام 2002م والذي استلم تركيا خراباً وجسداً آيل للسقوط، حيث كان تصنيف تركيا الاقتصادي في مستويات متدنية بعد أن تربعت على عرش مستويات عدم اليقين السياسي – مصطلح استخدمته إحدى الدراسات بمجلة “رؤية” البحثية – وتسبب ذلك في ارتفاع التضخم بنسب غير مقبولة، وتراكم الدين الخارجي، وزيادة عجز الحساب الجاري.

هنا جاء العدالة والتنمية وتحمَّل ذلك العبء، وكانت رؤيته المرحلية تنويع الدعم للاقتصاد عبر جذب الاستثمارات ودعم السوق المحلية وتقويتها، فكانت أفريقيا لديها تتمثل في دول الشمال، وبالفعل حصلت تركيا على الاستثمارات التي جعلت اقتصادها وضمن عوامل أخرى يسجل نمواً بنسبة 6.2% في عام 2002م متعافياً من انكماش بلغ 5.7% في 2001م.

التوغل بحكمة

المتتبع لنهج العدالة والتنمية في التعامل مع أفريقيا يجد أن هناك تطوراً مدروساً ومحسوباً، ولا يحتوي اندفاعاً أو إهمالاً، فعودة للتاريخ سنجد أن هذه العلاقة هي امتدادات لوثيقة صادرة عن الخارجية التركية في عام 1998م بعنوان “السياسة الأفريقية”، ويعتبر “أردوغان” أول رئيس وزراء تركي يقوم بزيارة لدول أفريقيا، حيث زارها عام 2006م، وشملت زيارته إثيوبيا، وجنوب أفريقيا، وفي عام 2007م زار السودان وإثيوبيا، وسبق ذلك في عام 2005م أن أعلن “أردوغان” أنه “عام أفريقيا”، ثم حصلت تركيا في عام 2008م على عضو مراقب بالاتحاد الأفريقي، كما حصلت في عام 2008م على عضوية بنك التنمية الأفريقي، وأيضاً في عام 2008م عقد بتركيا المؤتمر الأفريقي التركي بمشاركة 1000 رجل أعمال، ثم استضافة تركيا لأول قمة للتعاون الأفريقي التركي بمشاركة عدد كبير من الرؤساء الأفريقيين في عام 2008م، وحصدت تركيا سريعاً ثمار تلك الخطوات؛ حيث بلغت صادرات تركيا لأفريقيا 10 مليارات دولار في عام 2009م في حين كانت 1,5 مليار دولار في عام 2001م.

منظِّر الحزب يعلنها

ما سبق من خطوات ظل في إطار السعي – كما أشرنا – لدعم الاقتصاد وتنويع الأسواق، وعلى ما يبدو نجحت تركيا في ذلك، إلا أنه وفي عام 2010م صدر كتاب مهم؛ وهو تأصيل للنهج التركي في التواصل والذي كتبه فيلسوف ومنظر السياسة الخارجية والذي يشغل رئيس وزرائها الآن “أحمد داود أوغلو”، وهو بعنوان “العمق الإستراتيجي” والذي وردت في مقدمته: “إن تركيا إذا أرادت ألا تبقى في ذيل الركب كقوة إقليمية تمتلك مقومات تاريخية وجغرافية مهمة، فيجب عليها أن تغير وجهة نظرها تجاه المناطق التي لم تهتم بها بشكل كافٍ في الماضي، وفي مقدمة هذه المناطق أفريقيا”.

ومن يقرأ صفحات الكتاب سيجد أن التواصل مع أفريقيا وخاصة القرن الأفريقي ليس فقط دعماً للاقتصاد، بل هو رؤية مرتبطة بحلم الإمبراطورية والسيادة وحجز المقاعد في الأماكن الأمامية لقيادة النظام الدولي.

الصومال.. البوابة والكنز

تعد الصومال محور ارتكاز رئيساً في القرن الأفريقي خاصة، وجنوب أفريقيا عامة، فهي بوابة وكنز اقتصادي وأرض بكر ذات رقعة أرضية غنية بالثروات كالحديد واليورانيوم، والغاز الطبيعي، كما تمتلك الصومال أكبر ساحل على المحيط الهندي.

ولذلك ينشغل العالم بقواه الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة باستنزاف هذا الكنز والسيطرة عليه، إلا أن تركيا والتي لم تكن بعيدة عن حلم الاستفادة من تلك الكنوز انتهجت سياسة أخرى على ما يبدو، وهي سياسة التواصل الحضاري على حساب التواصل الإمبريالي، فتركيا في الصومال تسعى بشكل رئيس لتحقيق نوع من الاستقرار؛ وهو ما يختلف عن سياسة الدول الغربية التي تؤجج الحرب ولا تريد أن تنهيها؛ ولذلك كانت الزيارة التي قام بها “أردوغان” لمقديشو يوم كان رئيساً للوزراء عام 2011م مصطحباً زوجته ليلفت أنظار العالم لمأساة الصومال التي تعرضت لها آنذاك، هذه الزيارة كانت رسالة قوية لم يقم بها سوى ذلك الرجل كمسؤول، وظلت الخطوط الجوية التركية تستأنف رحلاتها إلى مقديشو، كما استضافت إسطنبول مؤتمراً دولياً لدعم الصومال.

دلالات وأرقام سريعة

– تركيا تجد قبولاً في أفريقيا؛ لأنها إحدى الإمبراطوريات التي لم يكن لها توجه استعماري استعلائي على القارة، فبرغم تواجد الدولة العثمانية في أفريقيا منذ زمن، لا يمكن أن تجد في تركيا مواطناً ذا بشرة سوداء تعود جذوره إلى أفريقيا على خلاف الإمبراطوريات التي استعبدت أهل القارة السمراء وأخذتهم إليها عبيداً.

– لدى تركيا الآن 39 سفارة، و4 قنصليات عامة تمثلها في أفريقيا، في حين كان العدد في عام 2002م 12 سفارة.

– بلغ حجم الاستثمارات التركية بالقارة السمراء 6 مليارات دولار.

– تسير الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى 40 مدينة أفريقية، بواقع 200 ألف شخص سنوياً يزورونها للسياحة والتجارة.

– وفرت تركيا بين عام 1991 – 2013م، 3254 منحة دراسية لطلاب أفارقة في التعليم الجامعي والدراسات العليا.

– تخصيص 5 ملايين دولار من تركيا لأفريقيا للمساهمة في جهود مكافحة إيبولا.

– عام 2019م تركيا تستضيف القمة الثالثة للشراكة “التركية الأفريقية”. 

 

 

 

Exit mobile version