محمد.. في نظر المفكرين الغربيين

«المعجبون بالرسول إعجاباً يفوق كل وصف، والمغرمون بحبه غراماً يتجاوز كل حد، هم المؤمنون به والتابعون لدينه.

 

 

سكينة بوشلوح

«المعجبون بالرسول إعجاباً يفوق كل وصف، والمغرمون بحبه غراماً يتجاوز كل حد، هم المؤمنون به والتابعون لدينه.

ولكن هذا الإعجاب تجاوزهم إلى أجانب لا يؤمنون به، ولا يدينون بدينه، ولا يمتون إليه إلا بصلة الإعجاب والتقدير لشخصيته العظيمة ودينه القويم، وللكتاب السماوي المنزل عليه، فترفعوا عن التعصب وكتبوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم والإسلام والمسلمين».

بهذه العبارات لخص الكاتب الصحفي محمد الصالح الصديق دافعه لتأليف كتابه «محمد صلى الله عليه وسلم في نظر المفكرين الغربيين» الذي جمع فيه تصريحات طائفة من أعلام الفكر الغربي المعجبين بالنبي عليه الصلاة والسلام، مشيراً إلى أن هؤلاء لم يكونوا من بلد واحد أو من عصر واحد ولا حتى من صنف واحد من أهل الفكر، وإنما هم من بلاد شتى وعصور متباينة يتوزعون على مختلف العلوم والفنون من فلسفة وفكر وأدب وشعر.

ما أعظم محمداً!

يرى المؤلف أن من أبرز ما أثار إعجاب المفكرين الغربيين بمحمد صلى الله عليه وسلم هو شخصيته الفذة، ففي كتابه «الأبطال» يقول الفيلسوف «توماس كارليل»: «من أكبر العار أن يصغي أي إنسان متمدن من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين بأن دين الإسلام كذب وأن محمداً لم يكن على حق».

لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات المخجلة، فالرسالة التي دعا إليها ظلت سراجاً منيراً أربعة عشر قرناً من الزمان لملايين كثيرة من الناس، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها الملايين وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع؟

أحبُّ محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، لقد كان ابن الصحراء مستقل الرأي لا يعتمد إلا على نفسه، ولا يدعي ما ليس فيه، ولم يكن متكبراً ولا ذليلاً، فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله، يخاطب بقوله الحر المبين أكاسرة العجم وقياصرة الروم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة».

أما «جوستاف لوبون» فقال: «كان محمد شديد الضبط لنفسه، كثير التفكير، صموتاً حازماً سليم الفطرة، عظيم العناية بنفسه (روحه) مواظباً على خدمتها..

وكان صبوراً قادراً على احتمال المشاق، بعيد الهمة لين الطبع وديعاً، وكان مقاتلاً ماهراً، فكان لا يهرب أمام الأخطار ولا يلقي بيديه إلى التهلكة، وكان يعمل ما في طاقته لإنماء خلق الشجاعة والإقدام في بني قومه..

وقد جمع قبل مماته كلمة العرب وخلق منهم أمة واحدة فكانت تلك آيته الكبرى، وإذا قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ».

«ما فعله القرآن الكريم في الأمم من تغيير في العقول والنفوس ونقلة من الجاهلية المظلمة إلى نور الإسلام المبين في أمد وجيز، دليل على أنه من رب العالمين».

عظمة محمد من عظمة القرآن

ويرجع هؤلاء المفكرون سر عظمة النبي الكريم إلى عظمة الكتاب الذي جاء به، فما فعله القرآن الكريم في الأمم من تغيير في العقول والنفوس في أمد وجيز، دليل على أنه من رب العالمين.

وفي هذا الإطار ذكر الكونت «هنري دي كاستري» في كتابه «الإسلام» أن النبي صلى الله عليه وسلم «ما كان يقرأ ولا يكتب، بل كان كما وصف نفسه مراراً نبياً أمياً»، وهو وصف لم يعارضه فيه أحد من معاصريه..

ومع كونه أمياً جاء ومعه قرآن يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثله لفظاً ومعنى..

أما الفيلسوف الإنجليزي الشهير «مارجليوث» فقال: «لقد ظهر محمد بكتاب غيّر به وجه البسيطة بأسرها، إذ أخرج للهيئة الاجتماعية نظاماً لا يزال مع قدمه يتجدد يوماً فيوماً، ولا تزال القوانين الطبيعية واختبارات الهيئة الاجتماعية تؤيده إلى الآن.

وهو يسير حثيثاً في الوجهة التي ابتدأها بتغيير جماعة من قبائل العرب الهمجية المبعثرة في الصحراء، فكوّن منهم أمة عظيمة من أفراد شجعان متحلين بالفضيلة القصوى، وألف من هؤلاء الأبطال دولة قوية مكينة السياسة انتفضت بشجاعتها وفضيلتها على المدنيات الفاسدة من الشرق ومن الغرب، وأقامت على أنقاضها هذه المدنية التي نفخر بها اليوم».

وعلى هذا النهج سار الكاتب الكبير «جرجس» في كتابه «مقالة في الإسلام»، والمؤلفان «هنري ودنالي توماس» في كتابهما «القادة الدينيون»، والباحثان «دوزي ولين بول»، والقس «لوزون» وكثيرون غيرهم مما لا يسع المجال لذكرهم جميعاً.

مثال القيادة ورمز السياسة

يركز الكاتب على آراء المفكرين الذين درسوا تصرفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومواقفه، وأجمعوا على أنه بما وهبه الله من كمال العقل وسداد الرأي يصل في حكمه وسياسته إلى أقصى ما تصل إليه حكمة بشر.

في مقال بعنوان «محمد صلى الله عليه وسلم مثال القيادة ورمز السياسة» يقول الدكتور «هـ. ماركوس» أستاذ الفلسفة الإسلامية بلندن: «محمد رمز السياسة الدينية بلا جدال، ومثال الرجل السياسي الديني الشريف بلا نزاع.

وإذ أقرر هذه الحقيقة الواقعية أعززها بحقيقة أخرى، وهي أن السياسة التي يمشي عليها محمد تسمو بكثير جداً عن السياسة الحزبية التي تتخبط أوروبا اليوم في لججها.. التي لا تعنَى إلا بالمنافع الذاتية والمصالح الشخصية».

وفي مقارنة واضحة يقول «ماركوس»: إن «السياسي الحزبي -ـ من طراز ساسة هذا العصر – لا يهتم إلا بشؤون الحزب الذي ينتمي إليه، ولذلك فإنه مضطر للخضوع إلى مشيئة المنتسبين إلى ذلك الحزب، ولا غنى له عن رضاهم وتأييدهم..

أما السياسي الديني فإنه على عكس ذلك يتسامى بالأهداف التي يسعى إليها عن مستوى مرامي ساسة الأحزاب، فهو يضع نصب عينيه مصلحة قومه أجمعين بل ومصلحة البشرية كلها.. ولا برنامج له إلا اتباع أمر الله الأسمى والسير بمقتضى شريعته السمحة، تلك الشريعة المغمورة بالمحبة والعطف على جميع الخلائق».

أما الكاتب الفيلسوف «برنارد شو» فقد كتب رسالة بعد سياحته في بومباي بالهند قال فيها: «لقد وضعت دائماً دين محمد موضع الاعتبار السامي بسبب حيويته، فهو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه حائز أهلية العيش لأطوار الحياة المختلفة بحيث يستطيع أن يكون جذاباً لكل زمان ومكان».

ثم يستطرد قائلاً: «إني أعتقد بأن رجلاً كمحمد لو تسلم زمام الحكم في العالم بأجمعه لنجح في حكمه ولقاده إلى الخير وحلّ مشكلاته على وجه يكفل السلام والطمأنينة».

ولما رأى الفيلسوف الروسي «تولستوي» تحامل العنصريين على الدين الإسلامي هزته الغيرة على الحق وشعر في أعماقه بأن السكوت عن ذلك ليس من سمات الكاتب الحر والمفكر الأصيل.

فتصدى لتأليف رسالة عن نبي الإسلام وجوانب من تاريخ حياته قال فيها: «لا ريب أن هذا النبي من كبار المعلمين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق وجعلها تجنح للسلام وتكف عن سفك الدماء، ويكفيه فخراً أنه فتح لها طريق الرقي والتقدم، وهذا عمل عظيم لا يفوز به إلا شخص أوتي قوة وحكمة وعلماً، ورجل مثله جدير بالإجلال والاحترام».

وهكذا راح المؤلف يورد تلك الآراء والتصريحات ويتبعها ببعض تعليقاته دون أن يضع خاتمة لكتابه، ربما لأن تلك التصريحات لا تزال تتوالى من هنا وهناك، لا من أعلام الغرب ومفكريه فحسب، وإنما أيضاً من عامته الذين بدؤوا يقبلون على دراسة حياة محمد صلى الله عليه وسلم ودراسة الدين الذي جاء به.

باختصار من “الجزيرة نت”

 

 

 

 

Exit mobile version