فرص ماليزيا بعد رئاسة الآسيان لتفعيل المصرفية الإسلامية

مع بداية عام 2015 تولت ماليزيا رئاسة مجموعة الآسيان، وهو منصب تنظمه لوائح التجمع، بحيث تتولى الرئاسة دولة كل عام حسب الترتيب الهجائي للدول العشر الأعضاء. وقد شهدت ولاية صباح الماليزية على مدار يومي 27 و28 يناير 2015، اجتماع وزراء الخارجية للتجمع، وهو

 

عبدالحافظ الصاوي

مع بداية عام 2015م تولت ماليزيا رئاسة مجموعة الآسيان، وهو منصب تنظمه لوائح التجمع، بحيث تتولى الرئاسة دولة كل عام حسب الترتيب الهجائي للدول العشر الأعضاء، وقد شهدت ولاية صباح الماليزية على مدار يومي 27 و28 يناير 2015م، اجتماع وزراء الخارجية للتجمع، وهو اجتماع دوري يعقد كل عام، وكانت الأجندة الرئيسة للاجتماع ترتيبات اجتماع القمة المقرر عقده في أبريل 2015م، بالعاصمة الماليزية كوالمبور.

ويضم الآسيان عشر دول: إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، بروناي، فيتنام، لاوس، ميانمار، كمبوديا.

وقد طرحت ماليزيا على اجتماع وزراء الخارجية مجموعة من الموضوعات المهمة، منها وضع رؤية مستقبلية لتجمع الآسيان، ودعم وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة حجم المعاملات الاقتصادية بين دول التجمع، ومستقبل الدور الإقليمي والدولي للآسيان.

ويعد الآسيان أحد التجارب الإقليمية الناجحة، حيث انطلق من المصالح الاقتصادية، وبدأ بما يمكن تحقيقه، فكان الهدف عند الإنشاء تحقيق التعاون الاقتصادي، وليس التكامل الاقتصادي، وإن كانت النتائج الإيجابية لتجمع الآسيان شجعت على عقد منطقة تجارة حرة في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، باعتبارها الخطوة الأولى على طريق تحقيق التكامل الاقتصادي.

ثم انطلقت التجربة لعقد مناطق تجارة حرة بين تجمع الآسيان وكل من الصين وكوريا الجنوبية، وهو ما سهل على أرض الواقع الوصول للتوحيد النسبي للتعريفة الجمركية لدول الآسيان تجاه الدول الأخرى، وبلغت التجارة البينية بين التجمع والصين نحو 500 مليار دولار، ويخطط لأن يصل حجم التجارة للآسيان مع الصين لنحو تريليون دولار خلال السنوات القليلة القادمة، وهو ما يمهد لمزيد من العلاقات التكاملية بين دول الآسيان، أو بين الآسيان وكيانات اقتصادية أخرى.

ويصل الناتج المحلي للآسيان إلى 2.3 تريليون دولار في عام 2013م، كما يبلغ متوسط معدل النمو 5.1%، وتبلغ حصة التجارة الخارجية للآسيان 2.5 تريليون دولار، نصيب التجارة البينية منها 608.6 مليار دولار، وبما يعادل نسبة 25%، ويستحوذ التجمع على 122.3 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

إلا أن اللافت للنظر أن التجارة البينية للآسيان في مجال الخدمات تعتبر محدودة، حيث تبلغ 48.9 مليار دولار، وذلك بسبب تنافسية المنتجات الخدمية لدول المجموعة، فكل دول الآسيان تراهن على السياحة كمصدر للدخل القومي، وتسعى غالبيتها لتكون أحد مقاصد السياحة الأولى عالمياً، فماليزيا مثلاً تعد المقصد السادس عالمياً في مجال السياحة.

وقد حافظ الآسيان خلال مسيرته في مجال التعاون الاقتصادي منذ عام 1976م على المبادئ التي قام عليها، وهي حل النزاعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، واحترام الاستقلال والسلامة الإقليمية، وعدم دعوة القوى الخارجية للتدخل في صراعات المنطقة وحلها في إطار التجمع.

وتعد تجربة الآسيان تكراراً للتجربة الأوروبية، حيث جنبت الخلافات السياسية، وبدأت بالتعاون الاقتصادي، ثم خطوات بطيئة جداً نحو التكامل الاقتصادي، وكذلك رسم الوحدة الاقتصادية للآسيان يأخذ نفس المنحى الهادئ، فمن الموضوعات المهمة التي ناقشها مؤتمر وزراء خارجية الآسيان بولاية صباح بماليزيا، الرؤية الاقتصادية المستقبلية للآسيان، وسوف تناقش بشكل موسع خلال قمة الآسيان في أبريل القادم بالعاصمة كوالالمبور.

وضع ماليزيا بين دول الآسيان

تعد ماليزيا من الخمس دول الأولى المؤسسة لتجمع الآسيان، وتحتل ماليزيا مراكز متقدمة على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية بين دول تجمع الآسيان، ففيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي تحقق ماليزيا 312 مليار دولار، وبما يجعلها بالمرتبة الثالثة، بعد إندونيسيا وتايلاند، أما ما يتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي فتحقق ماليزيا 4.7%، وبما يجعلها في المرتبة السابعة، ويعود ذلك إلى استيفاء ماليزيا لجزء كبير من البنية الأساسية، وتركيزها على الاقتصاديات عالية التكنولوجيا.

والمعروف أن ماليزيا في بداية تجربتها التنموية كانت تحقق معدلات نمو متقدمة وصلت إلى 12%، ولكن طبيعة كافة البلدان التي تصل فيها البنية الأساسية لمعدلات كبيرة أن يتزايد معدل نموها بمعدلات أقل فيما بعد.

لكن الشيء الإيجابي في معدلات النمو التي تحققها ماليزيا حتى الآن، أنها ثلاثة أضعاف معدل الزيادة السكانية، حيث يبلغ معدل الزيادة السكانية في ماليزيا 1.5%، وكون معدل النمو ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني؛ فإن ذلك يعني أن الأداء التنموي إيجابياً، وأنه قادة على استيعاب الداخلين الجدد في كل عام لسوق العمل، والجدير بالذكر أن ماليزيا منذ نهاية التسعينيات أصبحت من الدول المستوردة للعمالة، حيث تمثل العمالة الأجنبية جزء الوظائف الدنيا سواء في الخدمات العامة، أو في المصانع الماليزية.

وتستحوذ ماليزيا كذلك على المرتبة الثالثة بين دول الآسيان من حيث قيمة الصادرات بنحو 228.2 مليار دولار، ويتقدم ماليزيا في هذا المؤشر كل من سنغافورة وتايلاند، وهي نفس المرتبة على صعيد التجارة الخارجية الإجمالية، حيث تحقق ماليزيا 434 مليار دولار، ويتقدمها أيضاً كل من سنغافورة وتايلاند.

ويتوقع أن تستفيد ماليزيا بشكل كبير من فرصة انخفاض قيمة عملتها المحلية حالياً، في زيادة صادراتها خلال المرحلة المقبلة، ولماليزيا تجربة سابقة في هذا الشأن، انتشلتها من أزمة عامة 1997م.

فرص المصرفية الإسلامية

تعد ماليزيا واحدة من أكبر أسواق المالية الإسلامية في العالم، وفي إطار سعي التجمع لوضع رؤية مستقبلية لعلاقاته التجارية والاقتصادية، تكون أمام ماليزيا فرصة كبيرة لتفعيل المالية الإسلامية، للاستفادة من مجالات التعاون الرئيسة بين دول التجمع، وعلى رأسها المالية والبنوك، والغذاء والزراعة، والصناعات والمعادن والطاقة، والنقل والاتصالات، والتجارة والسياحة.

وهذه المجالات الخمس تمتلك فيها ماليزيا مزايا تنافسية، وبخاصة أنه على صعيد المالية والبنوك، قد خطت ماليزيا خطوات متقدمة فيما يتعلق باستخدامات متعددة للصكوك الإسلامية، مما سيفتح لها الباب للدخول في تنفيذ مشروعات بدول التجمع أو خارجه، حيث تسعى اليابان حالياً لإقامة منطقة تجارة حرة مع التجمع، وتحرص اليابان مؤخراً للاستفادة من آليات التمويل الإسلامي.

وما يزيد من فرص ماليزيا في مجال المالية الإسلامية، أن تجمع الآسيان قد أزال العديد من العوائق والإجراءات من أمام حركة رؤوس الأموال بين دوله، وبذلك سيكون من السهل على البنوك الإسلامية الماليزية التمدد بنشاطها في باقي دول الآسيان.

وتتمتع البنوك الإسلامية بماليزيا بتجارب سابقة في مجالات الشراكة والاستحواذ في المجال المصرفي، وهي خاصية يتطلبها العمل وسط هذا التجمع الذي يصل عدد سكانه إلى 625 مليون نسمة.

ومنذ فترة ركزت ماليزيا على مجال صناعة الغذاء الحلال، وهي قضية تلقى اهتمامًا واسعًا في ظل انفتاح دول الشرق الأوسط على منطقة الآسيان، فضلًا عن تواجد المسلمين بنسب لا يستهان بها في دول الآسيان نفسها، وهو ما يعني مزيد من التمويل الإسلامي لمشروعات الغذاء الحلال خلال الفترة المقبلة.

إلا أن الأمر المهم في مجال المصرفية الإسلامية، والذي يمثل تحدياً وفرصة في نفس الوقت، أن اجتماع وزراء خارجية الآسيان الذي استضافته ماليزيا بولاية صباح يوم 28 يناير الحالي، وضع ضمن أجندة موضوعاته، دعم وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

 وهو مجال رائد في دول الآسيان، ويستلزم تواجد المصرفية الإسلامية، للخروج من شرنقة تمويل المرابحة، لرحابة باقي صيغ الاستثمار الإسلامي من استصناع ومشاركة ومرابحة وإيجارة، وبما يتناسب مع متطلبات هذه المشروعات من وسائل تمويلية تلائم ظروف عملها، وتساعدها على النمو والتطوير.

 

 

 

Exit mobile version