صالح والحوثي .. “زواج عرفي” على وشك الانهيار

يرى مراقبون ومحللون سياسيون وخبراء في الشأن اليمني ثمة مؤشرات ودلائل عديدة على تحالف “غير معلن” بين جماعة أنصار الله (الحوثي)، والرئيس اليمني السابق “علي عبدالله صالح”.

يرى مراقبون ومحللون سياسيون وخبراء في الشأن اليمني ثمة مؤشرات ودلائل عديدة على تحالف “غير معلن” بين جماعة أنصار الله (الحوثي)، والرئيس اليمني السابق “علي عبدالله صالح”.

وبحسب هؤلاء، فإن هذا التحالف غير المعلن ساهم في سيطرة الجماعة خلال الأشهر القليلة الماضية على العاصمة صنعاء، وتمددت الجماعة بشكل سريع في محافظات أخرى.

ويبدو أن هذا التحالف أو “الزواج العرفي”، كما فضل بعض الخبراء تسميته، لن يستمر طويلاً لطبيعة مثل هذا النوع من الزواج، لاسيما وأن بعض الخلافات بدأت تظهر بين الطرفين تهدد بالانفصال، والعودة إلى حالة العداء التاريخي السابقة و”انهيار الزواج”.

صراع مختلف

وفي هذا السياق، توقع رشاد الشرعبي، المحلل السياسي والكاتب في عدة صحف ومواقع إخبارية يمنية، أن تكشف الأيام القادمة من هذا العام عن صراع مختلف عما كان في العام السابق له، فقد خاض الحوثي صراعه مع خصوم في الجيش والقبائل والساحة السياسية بتواطؤ ودعم من الرئيسين الحالي (عبد ربه منصور هادي)، والسابق (علي عبد الله صالح).

لكن هذا العام سيتصارع فيه ثلاثتهم (الحوثي، وهادي، وصالح)، لكن بعد حسم موضوع (المعارك) في مأرب وتعز بالتأكيد.

وأوضح الشرعبي، لوكالة “الأناضول”، أن “هناك تحالفاً ثلاثياً محوره الحوثي، وينضوي في إطاره الرئيسان السابق والحالي؛ فرغم تصارع الأخيرين معاً فإنهما يعملان لصالح الحوثي؛ أحدهما (أي: هادي) بشرعية الدولة وقراراتها، والآخر (أي: صالح) بالولاءات التابعة له في الجيش ومؤسسات الدولة وحزب المؤتمر الشعبي ومشايخ القبائل.

وأضاف أن الصراع بين هادي وصالح وجماعة الحوثي (المحسوبة على التيار الشيعي) سيستمر، لكن حال استقرار الأمر للحوثي ستبدأ عمليات الصراع تأخذ شكلا آخر بين الأطراف الثلاثة، فكل واحد منهم يستطيع إيذاء الآخر، لا القضاء عليه.

ومؤخراً، تحدثت صحيفة “الهوية”، المقربة من جماعة الحوثي، في سياق الاعتراف بأخطاء بعض لجانها الشعبية، عن من أسمتهم بـ”حوثيي صالح” أي المنتمين للجماعة من أنصار الرئيس السابق، الذين لحقوا بها بعد اجتياح مسلحيها لصنعاء في سبتمبر 2014م، ما يعد بمثابة مؤشر أولي على بدء الخلاف بين صالح وجماعة الحوثي.

هل بدأ الصراع؟

وفي الأسابيع الأخيرة، اشتعل جدل في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية بشأن الأخطاء التي ترتكبها مليشيات الحوثي والتي تتعلق أغلبها بالحريات الشخصية، وحريات التفكير والرأي والتعبير، حيث يرى مراقبون مستقلون أن هناك من يريد الإيقاع بجماعة الحوثي من القوى السياسية المتحالفة معها، في إشارة إلى صالح.

وأكدت معلومات متطابقة محاصرة مسلحي الجماعة لمنزل صالح لساعات، قبل أسابيع، وعلمت “الأناضول” من مصدر خاص أن الجماعة حصلت على معلومات أمنية تفيد بأن صالح متورط في محاولة تصفية القيادي الميداني للجماعة “أبو علي الحاكم” من خلال تفجير مقر لأنصار الله كان يتواجد فيه الرجل مطلع ديسمبر الماضي.

وفي المقابل، قلل مهتمون من مخاوف تحول الصراع في اليمن إلى صراع متجدد بين صالح والحوثي؛ وبالتالي استمرار حالة العنف والاقتتال اليومي في البلاد، منوهين إلى أن الحديث عن صراع مسلح بين صالح والحوثي أمر سابق لأوانه.

وقال المحلل السياسي، عبدالكريم سلام: في الظرف الراهن، مازال الطرفان صالح، والحوثي منهكين ويحتاجان لبعضهما البعض، على الأقل خلال مرحلة الاستفتاء على الدستور والانتخابات.

وأرجع ذلك إلى أنهما رغم الهيمنة على بعض مصادر القوة والمال العام والوظيفة العامة، فإنهما يسعيان لإتمام عملية إقصاء خصومهما “تجمع أحزاب اللقاء المشترك” (معارضو صالح الذين دعوا للثورة ضده)، و”حزب الإصلاح” (المحسوب على تيار الإخوان المسلمين) وحلفائهم القبليين والدينيين.

ولفت سلام إلى أن هذا الأمر قد يمدد فترة ما أسماها بـ”الزواج العرفي” بين صالح والحوثي، حتى اجتياز الاحتياج المتبادل، عندها ستتضح الصورة لكليهما وللمتابعين وستبدأ عملية الصراع بينهما، على حد قوله.

وبين أن أمر المستقبل مرتبط بأطراف أخرى وأين ستكون؟ خصوصاً “الحراك الجنوبي” (المطالب بالانفصال) والرئيس هادي والإصلاح وبقية الأحزاب النشطة، كما أن الأمر مرتبط أيضاً بمدى شفافية ونزاهة الانتخابات إن تمت.

من سيبتلع الآخر؛ صالح أم الحوثي؟

وتتزايد التكهنات أخيراً بشأن من سيبتلع الآخر؛ صالح أم الحوثي أولاً، فبينما يرجح البعض قوة صالح وإمكاناته، لا يجد نشطاء من شباب الثورة حرجاً في عودة نظامه كونه في نظرهم، أرحم من قوة مليشيات الحوثي التي جاءت لتتصدر بأخطائها المتعددة.

وتستفيد مليشيات الحوثي من إصرار البعض من النشطاء السياسيين والشباب على ضرورة التصدي للثورة المضادة التي يقودها سراً صالح ونجله.

وللجماعة موالون كثر ممن وجدوا أنفسهم مهمشين أو مطاردين إبان نظام صالح، وهم حريصون اليوم على بقائها في الواجهة بما يمنحهم ذلك من فرص للنفوذ والسيطرة والانتقام لمآسيهم الشخصية، وفقاً للمراقبين.

وعبر الناشط في الثورة الشبابية، إبراهيم دبوان، عن اعتقاده بأن صالح مازال يمتلك أوراقاً محلية وإقليمية كثيرة يستطيع من خلالها الإيقاع بمليشيات الحوثي.

وأوضح أن موجة رفض المجتمع اليمني بمختلف توجهاته وفئاته، لممارسات وأنشطة وأفكار “الحوثي”، باتت تتزايد يوماً بعد آخر في صنعاء وغيرها من المحافظات، مشيراً إلى أن صالح هو المستفيد الأول من أخطاء الحوثيين وخصوصاً تلك المتعلقة بحياة الناس اليومية وبأفكارهم، وحرياتهم الشخصية في التحرك، وفي اللبس والأكل والشرب.

 مصالح مشتركة

ويشير المراقبون إلى أن المتابع للشأن اليمني يجد تحالفات علنية تعمل بشكل مغاير على الأرض، بحيث يعتقد الغالبية أن حزب صالح غير متحالف رسمياً مع الحوثيين؛ وبالتالي من غير المعقول انتقاده.

لكن الواقع يؤكد عكس ذلك؛ إذ تجلت نقاط الالتقاء بين صالح والحوثي العام المنصرم بوضوح، لكن تحقيق بعض ما يعتقد أنها “أهداف مشتركة على الأرض” رسخ في أذهان كثيرين، فكرة التحالف غير المعلن بين الطرفين.

وبرز هذا التحالف جلياً مع بدء تحرك جماعة الحوثي المسلحة باتجاه عمران وسيطرتها على المحافظة أغسطس 2014م بعد خوض معارك عنيفة مع أتباع الشيخ الأحمر وقوى عسكرية تتبع اللواء على محسن الأحمر، حيث ذهب مراقبون إلى أن صالح يحاول عبر الجماعة “الانتقام” من تلك القوى القبلية والعسكرية التي ساندت ثورة الشباب اليمني، وأسهمت في إزاحته من كرسي الحكم، وتسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي في انتخابات “شكلية” جرت في فبراير 2012م.

وفي سبتمبر الماضي، اجتاحت جماعة الحوثي المسلحة العاصمة صنعاء، واستولت على معسكرات وشركات ومنازل بعض خصوم صالح الأساسيين، فيما ظلت مليشياتها منتشرة في مختلف مؤسسات ومرافق الدولة المدنية والعسكرية، فضلاً عن توسع الجماعة باتجاه محافظات وسط وغرب وشرق اليمن.

عندئذ، كان للمهتمين أن يصفوا ما حدث بـ”ثورة مضادة”، لاسيما وأن التحرك الحوثي المسلح باتجاه المحافظات وجد تصدياً متقطعاً من قبل بعض رجال القبائل وعناصر ما يسمى بـ”أنصار الشريعة” (التابع لتنظيم القاعدة).

لكن أغلب تلك المواجهات كانت تنتهي لصالح جماعة الحوثي الذين ظلوا يسقطون المناطق واحدة تلو الأخرى، بمؤازرة أنصار حزب صالح “المؤتمر الشعبي العام”، وتحت غطاء قوات من الحرس الجمهوري التي كان يرأسها أحمد نجل الرئيس السابق، ومازالت غالبية القيادات موالية له ويحركها متى أراد.

وفي هذا السياق، يستبعد متابعون أن يكون ما حدث أخيراً بالعاصمة اليمنية صنعاء وبقية المحافظات هو من فعل الحوثي فقط، في إشارة واضحة إلى أن علي صالح هو من خطط وأنصاره من نفذوا، وأنهم معاً مستعدون لانتزاع ذلك من جماعة الحوثي في أية لحظة.

وقال مصدر قبلي محافظة إب: إن بعض الذين خاضوا معارك مع الحوثيين في محافظته هم رجال قبائل معروفون بموالاتهم لصالح منذ سنوات؛ الأمر الذي يؤكد إلى جانب طبيعة هذه المواجهات، أن الطرفين “أنصار الله” و “أنصار الشريعة” يحركهما صالح في محاولة لإعادة إنتاج نظامه بطريقة مغايرة.

 إقصاء

ومؤخراً تزايدت عملية الإقصاء في الوظائف القيادية والوسطى وحتى العادية لمن هم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين في المؤسسات، وباتت ما تسمى “لجان الثورة” الحوثية في هيئات ومؤسسات الدولة تتحكم بكل شيء.

لكن المعلومات تشير إلى أن غالبية قياداتها هذه اللجان هم من الموالين لصالح ولحزبه؛ الأمر الذي يؤكد أن صالح يمهد الطريق لعودة نظامه إما من خلال نجله أو من خلال أحد رجالات حزبه المقربين.

وكانت وسائل إعلام محلية تناولت مؤخراً تقارير تفيد بأن من يقومون على رأس لجان الحوثي الشعبية في بعض مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية هم من الموالين لصالح ونجله.

ودفع هذا الأمر بجماعة الحوثي لتغيير بعض القيادات الميدانية لأسباب لم يتم الإعلان عنها، لكن مراقبين أكدوا أنها “موالية لصالح”.

وأثير أخيراً الجدل بشأن أحمد نجل علي صالح الذي يعمل كسفير لليمن في الإمارات، وتحدث البعض عن إمكانية تنسيق الإمارات والسعودية معه لدعم أنصار والده في الحرب ضد جماعة “الإخوان المسلمين” في اليمن.

غير أن تمدد جماعة الحوثي التي أسهمت في القضاء على قوى قبلية وعسكرية متحالفة مع جماعة الإخوان، وتوسعها اللاحق في المحافظات، وتمكنها من مفاصل الدولة، ستغير من النظرة الإقليمية للأزمة اليمنية.

إيران والسعودية

وأعلنت إيران عدة مرات أنها تدعم جماعة الحوثي بالمال والسلاح، وباتت اليوم تفاخر بإنجازها في اليمن كما هو في سورية ولبنان والعراق، ويثير هذا الأمر غضب السعودية والإمارات ويشعل مخاوفهما من عواقب انتقال الخصم السياسي الدائم في المنطقة إلى الجوار.

ويرى مراقبون أن هذا التطور قد يدفع، على الأرجح، لاتخاذ إجراءات كثيرة من بينها محاولة دعم صالح ونجله ومن معهم، لكونهم القوة التي مازالت قادرة على إزاحة مليشيات الحوثي، المدعومة إيرانياً، من الواجهة.

 

Exit mobile version