تقرير: العرب وتحدي التشغيل في 2020

تعيش المنطقة العربية حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي على مدار السنوات الأربع الماضية، ولم يلُح في الأفق بعد، متى تنقشع سحابة عدم الاستقرار، وزوال أسباب التوتر القُطري والإقليمي، فحتى الدول التي لا تعيش نزاعات مسلحة أو توترات سياسية داخلية، ا

تعيش المنطقة العربية حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي على مدار السنوات الأربع الماضية، ولم يلُح في الأفق بعد، متى تنقشع سحابة عدم الاستقرار، وزوال أسباب التوتر القُطري والإقليمي، فحتى الدول التي لا تعيش نزاعات مسلحة أو توترات سياسية داخلية، استُنزفت في تهديدات محتملة، مثل وضع دول الخليج، وموقفها تجاه تخوفات “داعش”.

ومن أبرز التحديات التي تفرضها هذه الأجواء السلبية، البطالة، وحاجة الأفراد للعمل وبخاصة الشباب، وقد حدد أحد خبراء البنك الدولي– مؤيد مخلوف، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة التمويل الدولية، التابعة للبنك الدولي – حاجة المنطقة العربية إلى إيجاد 100 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020م، ومما يزيد من حجم هذا التحدي أن نحو نصف سكان المنطقة العربية من الشباب، وتدفق الداخلين الجدد لسوق العمل لكل عام مستمر بأعداد كبيرة.

مشكلة البطالة وارتفاع معدلاتها بالمنطقة العربية ليست بالجديدة، حيث وصلت إلى 17% قبل ثورات “الربيع العربي”، ولكن بعد ثورات “الربيع العربي” تجاوز معدل البطالة 20%، وهو قابل للزيادة في ظل التطورات السلبية التي تشهدها المنطقة، وكذلك في ظل أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل تستطيع المنطقة العربية توفير هذا العدد من فرص العمل في ظل التحديات التي تعيشها؟

تتوقف الإجابة بنعم أو لا على عدة عوامل، منها ما يتعلق بعوامل داخلية لكل قُطر عربي، ومنها ما يتعلق بالبيئة الإقليمية، ومنها ما يتعلق بأسباب اقتصادية، ومنها ما يتعلق بجوانب تمويلية، وهو ما سنتعرض له بالتحليل خلال السطور الآتية.

العوامل القُطرية

تعتبر البطالة في الدول العربية التحدي الجديد القديم؛ وذلك بسبب ارتفاع معدلات الزيادة السكانية في المنطقة العربية ككل، مقابل انخفاض معدلات الادخار والاستثمار، وعلى الصعيد القُطري كذلك، ولا تواجه الحكومات العربية المشكلة من خلال برامج زمنية محددة تستهدف البطالة بحيث يمكن الوقوف على نتائج ملموسة في نهاية الفترات الزمنية المحددة.

ويلاحظ أن تعامل الحكومات العربية تجاه قضية البطالة، من حيث طريقة التفكير والعلاج عادة ما تأتي في إطار توصيات وبرامج المؤسسات الدولية، مثل الدعوة للاهتمام بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، أو الاهتمام بالقطاع غير المنظم، أو مساهمات مجتمع الأعمال والمؤسسات الخيرية في دعم المشروعات الصغيرة.

ولكن الدوافع الذاتية غير موجودة، بدليل أن معظم الأسباب الناتجة عن الممارسات الحكومية المؤدية إلى زيادة عدد العاطلين لا يتم التوجه نحو إيقافها، أو الامتناع عن الاستمرار فيها، مثل تلك السياسات التعليمية التي تخرج آلاف الخريجين الذين لا يصلحون لسوق العمل، أو سوء توزيع الثروة، أو الوساطة والمحسوبية في الوظائف الحكومية، أو الإقدام على برامج خصخصة المشروعات العامة، وتسريح العمالة دون إيجاد فرص عمل بديلة.

العوامل الإقليمية:

في ظل الأحداث التي فرضتها النتائج السلبية لما آلت إليه أوضاع “الربيع العربي”، وتدخل بعض الحكومات لإفشالها، وكذلك الصراع الإيراني السعودي، أعطى المنطقة أجواء لا تساعد على الاستقرار الاقتصادي، فبدلاً من توجيه التمويل للمشروعات الاستثمارية لخلق فرص العمل الجديدة، يوجه التمويل للتسليح ولمشروعات التنازع السياسي.

مما أضاف إلى تقويم المنطقة من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية، عاملاً سلبياً وهو غياب الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي فرأس المال جبان، ويفضل المناطق الآمنة، ومن هنا يظل تحدي التشغيل المعلن عنه بحلول عام 2020م بتوفير 100 مليون فرصة عمل بعيد المنال.

يضاف إلى ذلك ما حلَّ بالمنطقة من أزمة حقيقية، وهي أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، إذ تعتمد الدول الغنية بالمنطقة على عوائد الصادرات النفطية بشكل كبير، سواء لدول الخليج أو ليبيا والجزائر، وسوف تظهر المشكلة بأبعادها الاقتصادية المتعددة بوضوح خلال عام 2015م وما بعده، بما سيحد بشكل كبير من إيجاد فرص عمل جديدة.

وقد ظهرت التداعيات السلبية لأزمة النفط على الواقع الاقتصادي للدول الغنية بالمنطقة، حيث اتجهت السعودية لخفض موازنتها العامة، مع وجود عجز بنحو 145 مليار ريال، واتجهت الجزائر لإجراءات تقشفية ووقف الوظائف العامة، وسحب ليبيا مبالغ كبيرة من احتياطي النقد الأجنبية لديها.

وبدلاً من أن تستقبل هذه الدول النفطية المزيد من العمالة خلال الفترة المقبلة، فإن المنتظر أن تتوجه للتقليل من استقبال العمالة الوافدة؛ بسبب تراجع الإنفاق العام، وكذلك قد تضطر الدول النفطية إلى تسريح جزء مما لديها من عمالة عربية وافدة خلال الفترة القادمة، إذا ما استمرت أزمة انهيار أسعار النفط، أو حتى شهدت استقراراً عند الأسعار المنخفضة حالياً لسقف أقل من 50 دولاراً للبرميل.

ففي ظل فقد الدول النفطية نحو 50% من أسعار النفط، مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في يونيو 2014م، يكون من الصعب الاستمرار في برامج الإنفاق العامة السابقة، من أجل إيجاد فرص عمل، فلا شك سوف تتأثر فرص العمل سلبياً خلال المرحلة المقبلة نتيجة لتراجع أسعار النفط بالسوق الدولية.

الأسباب التمويلية

تعد الأسباب التمويلية من أهم الأسباب التي قد تعوق نجاح المنطقة العربية في إيجاد 100 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020م، فمعظم المؤسسات التمويلية المحلية في الدول غير النفطية، منهكة في تمويل عجز الموازنات العام للدول، ولا تفضل العمل في مجال الإقراض الصغير والمتوسط، لارتفاع تكلفة إدارته من وجهة نظرها.

ويقتصر دول البنوك في عملها كوسيط بين برامج المساعدات الإقليمية والدولية الداعمة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويعد تدخل البنوك المحلية أحد أسباب رفع تكلفة التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ لأن البنوك تحصل على عمولة تتراوح ما بين 3% و5% نتيجة وساطتها المالية.

وقد أشار مخلوف في كلمته بمؤتمر “دعم فرص التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة بالمنطقة العربية” بالقاهرة اليوم 15 يناير 2015م، إلى أن البنوك العالمية لجأت للتمويل الإسلامي للتوسع في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، على عكس سلوك البنوك المحلية.

وهذا السلوك من قبل البنوك العالمية يضع البنوك العربية المحلية في حرج شديد، من الناحية الوطنية والإسلامية، فإذا كانت البنوك العالمية وجدت في التمويل الإسلامي مخرجاً وآلية للمساعدة في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، فلمَ لا تسارع البنوك المحلية للاستفادة من التجربة، وبخاصة أن هذه الآلية تتفق مع رغبة ومعتقدات النسبة الغالبة في المنطقة العربية؟

إنذارات مهملة

بعد ثورات “الربيع العربي”، توقع الجميع أن تفيق الدول التي لن تصل إليها الثورات لتعديل أوضاعها الاقتصادية لاستيعاب الشباب، والتخلي عن الإدارة السلبية في الأمور الاقتصادية، حتى لا تجتاحها ثورات مماثلة، لكن البعض اكتفى بتوظيفات جديدة بالمشروعات الحكومية والعامة، والبعض الآخر سخر موارده المالية لإسقاط الثورات العربية.

إن التحدي الذي تحدث عنه خبير البنك الدولي له دلالاته الخطيرة، فإذا حل عام 2020م ولم تنجح الدول العربية مجتمعة في توفير هذا العدد الهائل من فرص العمل، فستكون العواقب وخيمة، ولا يجدي معها شعور اللامبالاة، والاكتفاء بمشاهدة مراكب الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية، التي قد تصل لشواطئ الدول الغربية، أو تتعرض للغرق والموت وهي محملة بمئات الشباب العربي.

وكالعادة العربية المعروفة، لدينا مؤسسة العمل العربية، ولديها برامج للتشغيل العربي، تابعه باستمرار في شكل تقارير واجتماعات دورية، ولكنه حبيس الأدراج، لا يلتزم به أحد من حكام أو حكومات العرب.

 

 

Exit mobile version