عرض لورقة: اتجاهات الحرب الدولية على تنظيم “الدولة الإسلامية”

في ورقة تقدير موقف نشرت على صفحة موقع “الجزيرة للدراسات” بعنوان “اتجاهات الحرب الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية”،

 

 

 

 

 

في ورقة تقدير موقف نشرت على صفحة موقع “الجزيرة للدراسات” بعنوان “اتجاهات الحرب الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية”، استعرضت محاور الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بسلوك الرئيس الأمريكي وإدارته في التوجه نحو محاربة ما يعرف بـ”تنظيم داعش”، برغم أن ما كان يبدو على هذه الإدارة هو محاولة تجنب الانسياق باتجاه سلوك من سبقه “جورج بوش”، والذي خاض حروباً ضد تنظيمات مشابهة “القاعدة”، واستمرت لسنوات لتكتشف الولايات المتحدة أنها خسرت الكثير دون أن تحقق نتائج ملموسة.. فلماذا، إذن، قرَّر “أوباما” الذهاب لحرب جديدة في الشرق الأوسط؟ وما إستراتيجيته؟ وأي أخطار تحملها هذه الإستراتيجية؟

البداية من العراق

اعتبرت الورقة أن التطورات التي صنعت مناخ التدخل الأجنبي يوم العاشر من يونيو 2014م، عندما تعرض الجيش العراقي في محافظتي نينوى (الموصل)، وصلاح الدين (تكريت) لحالة انهيار مفاجئ، سمحت بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات متحالفة معها على مدينتي الموصل وتكريت، ومع وجود احتمالات بتدخل عناصر من قيادة النظام العراقي السابق “نظام صدام”، ثبت أن إدارة المشهد هي لتنظيم الدولة الإسلامية، ليتوسع التنظيم في السيطرة على بلدات أخرى في محافظتي صلاح الدين والتأميم (كركوك)، وبدأت محاولة السيطرة على القطاع الشمالي من محافظة ديالى، والمدخل الشمالي للعاصمة بغداد، إضافة إلى سيطرتها على مساحات واسعة من محافظة الأنبار، ثم بدا أن أربيل، عاصمة الإقليم الكردي، باتت مهددة.

ومع نهاية يوليو، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام تحوله إلى “الدولة الإسلامية”، وأعلن زعيمه أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين، وبحسب الورقة، فقد ساعد النهج الذي اختطه في التعامل بالقوة مع السكان المسيحيين واليزيديين والشيعة والأكراد في المناطق التي سيطر عليها إلى نسج الروايات التي أشعلت لهيب العالم لمواجهة هذا التنظيم، وإنقاذ الضعفاء من بين يديه، وكان ذلك هو الدافع الأول لبدء قصف أمريكي غير منتظم لمواقع تنظيم الدولة، سيما في جبل سنجار وعلى حدود إقليم كردستان.

إلا أن نشر التنظيم لفيديو قطع رؤوس رهائن أمريكيين وجد “أوباما” نفسه أمام ضغوط مضاعفة للتقدم بإستراتيجية مقنعة للتعامل مع “تنظيم الدولة”؛ وهو الأمر الذي أدى لبيان الرئيس الأمريكي في 10 سبتمبر 2014م الذي تضمَّن ما يشبه إعلان حرب على تنظيم الدولة في العراق وسورية على السواء.

إستراتيجية “أوباما”: الانتصار عن بعد

تحت العنوان أعلاه كانت تحركات “أوباما” وفقاً للورقة ومحاورها كالتالي:

1- استخدام الحاجة العراقية الملحة للدعم الأمريكي للضغط من أجل تغيير توازنات الحكم في بغداد، وقد نجحت الضغوط الأمريكية بالفعل في الإطاحة برئيس الحكومة السابق “نوري المالكي”، وبناء توافق واسع حول بديله “حيدر العبادي”.

2- تشكيل تحالف واسع النطاق من الدول الغربية وغير الغربية، وعرضت الورقة في هذا المحور لموقف السعودية الرافض لحضور إيران ومشاركتها، في حين استجاب الغرب لذلك دون عدم الموافقة على مشاركة إيران؛ وهو ما جعل المسؤولين الإيرانيين، بمن في ذلك المرشد الأعلى “علي خامنئي”، ووزير الخارجية “جواد ظريف”، ينددون بالاجتماعين وبالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة وحقيقة أهدافه، ولكن هذا لا يعني أن واشنطن وحلفاءها الغربيين لا يريدون مشاركة إيران.

كما اعتبرت الورقة أن ما يستهدفه هذا التحالف ليس حرباً بالمعنى الذي خاض به “بوش” الأب، و”بوش” الابن حربي الخليج الأولى والثانية، فقد استبعد الرئيس الأمريكي إرسال قوات أمريكية إلى أرض المعركة خلال ما تبقى من ولايته بل حملة قصف جوي، قد تستمر شهوراً أو سنوات لاستنزاف “تنظيم الدولة”.

3- إعداد معسكرات في جوار سورية لتدريب وإعداد عدة آلاف من الثوار السوريين، للمساهمة في الحرب ضد تنظيم الدولة داخل الأراضي السورية؛ إلى جانب تقديم مساعدات عسكرية إضافية لمجموعات الثوار السوريين التي توصف بالاعتدال، والتي تواجه تنظيم الدولة بالفعل.

3- عمل موازٍ للجهد العسكري الجوي وجهود إعادة بناء وتأهيل القوات العراقية وقوات البشمركة يتمثل في منع ذهاب المزيد من المتطوعين لمساندة تنظيم الدولة، وقطع حركة الأموال عنها، والمساهمة في الحرب الإعلامية والفكرية ضدها.

 4- إضعاف ملموس لتنظيم الدولة وتقويض لمقدراته العسكرية والمالية؛ مما سيوقف اندفاعه في سورية والعراق، ويسمح للقوات العراقية والكردية، ومجموعات الثوار السوريين المعارضين لها، باسترداد المناطق التي تسيطر عليها.

معضلات إستراتيجية

وجاءت بنية الورقة في جزئها الآخر بتوضيح وسرد للمعضلات والتحديات التي تكتنف الإستراتيجية الأمريكية سياسياً وعسكرياً:

على المستوى السياسي:

– معضلة المشاركة التركية؛ فبرغم اتساع عدد الدول المشاركة في التحالف، فإن تركيا تظل الأهم، وما فرضه الرئيس “أردوغان” من شروط مثل معضلة سياسية، حيث أعلن “أردوغان” (26 سبتمبر 2014م) أن بلاده تريد توافق دول التحالف على إقامة منطقة عازلة في سورية، ومنع الطيران السوري من التحليق، وتدريب وتسليح الجيش الحر لقناعة أنقرة بأن أصل المشكلة هو سورية وليس العراق، وأن تركيا لا تستطيع منفردة تحمل أعباء مليون ونصف المليون لاجئ من السوريين والأكراد واليزيديين.

– بجانب المشكلة الأخرى المتمثلة في رغب الولايات المتحدة والغرب في مشاركة إيران، في حين ترفض السعودية ذلك.

– أما المشكلة السياسية الأخرى، فتتعلق بعدم وضوح حقيقة أهداف الحرب، خاصة من هم المستهدفون؛ هل فقط تنظيم الدولة وحسب، أم أنها تشمل أيضاً تنظيمات تراها واشنطن راديكالية؟

– الوضع السياسي العراقي المعقد؛ فالإنجاز الذي تحقق باستبعاد “المالكي” وتشكيل حكومة تحالف وطني قد لا يتقدم كثيراً أبعد من ذلك، سيما في ظل المصالح المتضاربة لأطراف الحكم، وإذ يعترف الجميع بضرورة تشجيع تحرك عربي – سُني ضد تنظيم الدولة، فليس ثمة بوادر على أن سكان الأنبار والموصل وتكريت قد تخلوا بالفعل عن تنظيم الدولة.

– الإشكالية السياسية الأخرى متمثلة في نتائج العمليات العسكرية وإلحاقها الأضرار بالمدينين، حيث يصعب تعهد عملية قصف جوي واسعة النطاق، مثل تلك التي تشهدها سورية والعراق اليوم، بدون أن تُرتَكب أخطاء مميتة بحق المدنيين، أو حتى عسكريين أصدقاء؛ وهذا ما وقع بالفعل.

– أما الإشكالية الأخيرة التي طرحتها الورقة فتتمثل في جدلية قانونية الهجمة الأمريكية، فسواء استطاعت تركيا والسعودية إقناع واشنطن ببذل جهود أكثر جدية لمساعدة الثورة السورية ضد النظام، أم لا، فإن قانونية قصف طائرات التحالف لأهداف في سورية لن تظل بلا جدل في المحافل الدولية.

على المستوى العسكري:

وقد لخصتها الورقة في أمرين مهمين، وهما:

أولاً: عدم وجود يقين بنتائج الحرب وأثرها، فما زال الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون يكررون أن الحرب الجوية وحدها لن تؤدي إلى هزيمة تنظيم الدولة واستئصالها، وأن الحرب، على أية حال، قد تستمر سنوات.

ثانياً: ما يحدث من تضخيم واضح لقوة تنظيم الدولة من قبل السياسيين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية، والذي ربما يبدو أنه صُمِّم كجزء من الحرب نفسها ومن عملية حشد الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا أصبح حقيقة، فبعد أشهر من القصف، يتضح أن نفوذ تنظيم الدولة في العراق قد تراجع بصورة محدودة، بينما تحرز قوات التنظيم تقدماً مستمراً في شمالي شرق سورية.

واختصرت الورقة الأمر بأن واشنطن وحلفاءها، آجلاً أو عاجلاً، سيجدون أن لا مناص من التورط في القتال على الأرض وتعهد دور عسكري بري.

حسابات المستقبل

اختتمت الورقة بنقد لاذع لـ”أوباما” الذي يبدو أن إدارته بلا رؤية واضحة، وأن هاجس “بوش” كان محركها، لكن للأسف هذا الهاجس جعلها بلا هوية ولا رؤية واضحة، معتبرة أن لا أحد في واشنطن يعرف متى ستنتهي هذه الحرب؟ وما معايير الحكم عليها بالنجاح أو الفشل؟ وأي مدى يمكن أن تذهب إليه؟ ولا أحد يعرف ماذا سيؤول إليه مصير العراق وسوري؟ أرض العمليات الرئيسة، بعد الحرب، أو كيف ستتم الاستجابة لمطالب وهموم الأطراف المختلفة في كلا البلدين وفي الإقليم؟ لتختتم الورقة بتساؤل: كيف يمكن أن تسيطر قوة عابرة للحدود على مناطق واسعة في دولتين اعتُبرتا دائماً قاعدتي النظام الإقليمي، تعانيان من حرب أهلية متفاوتة الحدة منذ سنوات، بدون أن يعاد التفكير في النظام الإقليمي كله؟ 

 

 

 

Exit mobile version