خضر: توصيف العرب للإرهاب سبب عداء بعض الألمان للإسلام

تُنظَّم أسبوعياً في أنحاء متعددة بألمانيا مظاهرات معادية للإسلام تدعو لإخراج المسلمين من ألمانيا، وتناهض تواجدهم بالبلاد، بقيادة حركة “بيجيدا” المتطرفة،

تُنظَّم أسبوعياً في أنحاء متعددة بألمانيا مظاهرات معادية للإسلام تدعو لإخراج المسلمين من ألمانيا، وتناهض تواجدهم بالبلاد، بقيادة حركة “بيجيدا” المتطرفة، وتطرح هذه المظاهرات تساؤلات عديدة عن مدى تقبل ألمانيا خاصة والغرب عامة للإسلام؟ وهل تمكن المسلمون هناك من إيصال الصورة الصحيحة للإسلام للمجتمعات الأوروبية والغربية؟ وأيضاً التأثير السلبي للتوصيف الخاطئ لمفهوم الإرهاب من جانب الحكومات ووسائل الإعلام العربية على الغرب.. وحول هذه الموضوعات وقضايا أخرى ذات صلة كان الحوار التالي مع خضر عبدالمعطي، إمام مركز “رسالة” الإسلامي ببرلين، والمنسق العام للتجمع الأوروبي للأئمة والمرشدين.

متى تأسس مركز “رسالة”؟ وما أهم الأنشطة التي يقدمها للمسلمين في برلين ؟

– تأسس مركز “رسالة” على مرحلتين؛ الأولى عام 1986م، وكان عبارة عن ملتقى لتحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية في غرفة بمقره السابق، والثاني في أبريل 2012م، حيث تحول إلى مؤسسة كبيرة ومركز جامع لأنشطة متعددة، وجرى تسجيله رسمياً بدستور جديد ولائحة جديدة أضافت إلى برامجه الكثير مما يحتاج إليه المجتمع الألماني بشكل عام والمسلمون بشكل خاص.

ويقدم المركز عدة أنشطة، منها التعليم ورعاية الأسرة وتوجيه الشباب وتعريف المجتمع بالإسلام وإقامة مشروعات نسائية؛ كالتطريز والخياطة والطبخ، مع الدروس الفقهية والتثقيفية والأنشطة الترفيهية.

وألحق بالمركز مدرسة كبيرة لتعليم اللغة العربية وأخرى للقرآن مع دورات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وكذلك تعليم الألمانية، وقسم أكاديمي للطلاب وأساتذة الجامعات والمبعوثين تقدم لهم برامج تربوية وتثقيفية، ويقدمون للمجتمع ما يتميزون به من خبرات.. كل ذلك، إلى جانب النشاط الديني اليومي العادي الذي يشمل إقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة كل أسبوع.

كم يبلغ عدد المسلمين في ألمانيا؟ وما أصولهم؟

– يقدر عدد المسلمين في ألمانيا بما يتراوح بين أربعة ملايين ونصف المليون إلى خمسة ملايين، ومعظمهم بما يزيد على النصف تقريباً من الأتراك، والبقية تتنوع بين العرب (منهم اللاجئون الفلسطينيون الذين هاجروا مع النكبات المتلاحقة خاصة في لبنان)، ومن البوسنة وأفغانستان وإيران، ويشكل المسلمون أكثر من 5% من تعداد ألمانيا, ويعيش 98% منهم في ما كان يعرف سابقاً بألمانيا الغربية، و2% في الشرقية.

ما أهم أعمال التجمع الأوروبي للأئمة والمرشدين؟ وكم يقدر عدد أعضائه؟

– التجمع الأوروبي يبحث في قضايا الإمام وتثقيفه وتنمية وتطوير أدائه وخطابه والتواصل بين الأئمة بعقد دورات أو إصدار نشرات، مع الحرص على إقامة المؤتمر السنوي للتوريث العلمي من علماء الأمة إلى أئمة أوروبا، ويحضره كبار العلماء من شتى بقاع الأرض مع علماء أوروبا من أجل نقل الصورة الصحيحة للإسلام إلى المؤسسات الأوروبية الفاعلة، فقد تواصلنا مع مسؤول الأديان في الاتحاد الأوروبي، ونتواصل عن طريق اتحاد المنظمات الإسلامية مع كافة المؤسسات الفاعلة من خلال أنشطة الاتحاد.

ويضم التجمع الأوروبي للأئمة والمرشدين 21 عضواً، ومجلس الإدارة يضم سبعة أعضاء، أما الجمعية العمومية فيشارك بها المئات من علماء شرق وغرب أوروبا.

كم يقدر عدد المراكز والمدارس والمساجد التابعة للمسلمين في عموم ألمانيا؟

– عدد المراكز الإسلامية يقدر بالمئات، وهناك حوالي 300 مسجد كبير، و2500 مصلى على شكل شقة صغيرة، وهناك التجمع الإسلامي في ألمانيا، وهو من أكبر المؤسسات عدداً وانتشاراً وفاعلية, وكذلك المجلس الإسلامي المسلم، علاوة على المؤسسات التركية الكثيرة والكبيرة وإن كانت مغلقة على الجالية التركية، وقريباً ستفتتح الكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية في فرانكفورت، وستساهم في تخريج علماء من أبناء المسلمين المولودين في أوروبا من الجيلين الثاني والثالث.

مناهضة الإسلام

كيف يتقبل المجتمع الألماني المسلمين خصوصاً في ظل المظاهرات الأخيرة المناهضة للإسلام؟

– المجتمع الألماني بشكل عام مجتمع راقٍ، ويتعايش مع الأجانب عموماً من خلال القانون والدستور وحقوق الإنسان، والمسلمون لا يعيشون منعزلين في المسكن أو التعليم كما في بعض البلاد، بل هم منتشرون في المجتمع الألماني، ويتعاملون كمواطنين، ولو تعلم المسلم المغترب اللغة يزيل جداراً كبيراً بينه وبين المجتمع، ويسهل عليه فهمه والتعامل معه والاندماج الفعال به.

ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت بعض دعوات عنصرية متمثلة في حزب أو حزبين، وتتخذ من رفض قبة المسجد شعاراً لها، وتطالب بألمانيا جديدة خالية من المسلمين، وهذه الأحزاب تزداد عدداً، ولكنها لم تحظَ بفوز يذكر في الانتخابات الألمانية الأخيرة، ولم تتمكن من دخول البرلمان والحمد لله.

برأيك ما سبب المظاهرات المعادية للإسلام بألمانيا؟

– لقد جد على المجتمع الألماني مظاهر جديدة حملت نظرة عدائية للإسلام وانتشاره، بل ورفض وجوده في ألمانيا، ويتبنى ذلك النازيون الجدد، وقد بدأت هذه المظاهرات في شرق ألمانيا في درسدن وما حولها بمشاركة حوالي 15000 ألماني، ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى ظهور الجماعات الإرهابية في الوطن العربي، والتوصيف الإعلامي والحكومي العربي الخاطئ لمفهوم الإرهاب ووصم الإسلام واتهامه بهذه الظاهرة دون تفريق بين الوسطية والتشدد الذي يصل إلى حد التطرف المسلح.

وأدى ذلك إلى تخويف المجتمع الألماني من الدين الإسلامي البريء من تلك الأفكار والجماعات، والبعيد كل البعد عن التوصيفات الحكومية والإعلامية لهذه الظاهرة.

تصحيح المفاهيم

وماذا قدمتم لتصحيح هذا المفهوم المغلوط عن الإسلام؟

– لقد بدأت المؤسسات الإسلامية حشد طاقاتها وعقدت لقاءات مشتركة لتوضيح تعاليم الدين الإسلامي السمحة، وعرضت بعض المؤسسات مشروعاً متكاملاً تتبناه المراكز الإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني للتعامل مع هذا الأمر ومواجهة هذه الظاهرة الدخيلة على ألمانيا.

فالمسلمون يحظون بقبول كبير في المجتمع الألماني ليس بالحديث، والإسلام متغلغل في جذور المجتمع الألماني وطبقاته ومؤسساته بفضل الوجود التاريخي الممتد للمسلمين الأتراك، ومن بعدهم من الجاليات سالفة الذكر الذين أصبحوا الآن أعضاء في الأحزاب السياسية والوزارات والمدارس، ويشغل معظمهم الوظائف المهمة والرئيسة في الدولة، وهذا بفضل الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية التي يتمتع بها الدستور الألماني.

وهل لكم من تجارب سابقة على أرض الواقع في هذا المجال؟

– خضنا تجارب متعددة في هذا الشأن مع المجتمع الألماني، ومنها الدعوة للمشاركة في يوم مفتوح للتعريف بالإسلام تُفتح فيه المساجد والمؤسسات الإسلامية للجمهور الألماني لزيارة المراكز الإسلامية، وطرح الأسئلة عن الإسلام من الصباح حتى العاشرة مساء.

ويحسن المسلمون استقبال المشاركين في هذه الفعاليات التي تشمل عرض صور وأفلام للتعريف بالإسلام وسماحته، وتقديم شرح مبسط عن العبادات وأثرها، ويتخلل ذلك تقديم مأكولات وحلوى وهدايا.

أما الأعياد والمناسبات فالزيارات للجيران تعد رسائل مهمة إلى الألمان؛ تفيد بأن المسلمين شركاء في الوطن وإخوانكم في الإنسانية والمواطنة.

وكان من نتيجة هذا النهج، حضور البعض من غير المسلمين للدروس العامة في المساجد كمستمعين ومشاركين، ويقوم هؤلاء فيما بعد بالمقارنة والتفكير مع أنفسهم في سماحة الإسلام، وغالباً ما تنتهي الزيارات بدخول هؤلاء الإسلام بعد فترة من المعايشة.

إذن، ما مدى إقبال الألمان على اعتناق الإسلام؟ وهل توجد إحصائيات بهذا الخصوص؟

– بفضل الله، الإقبال على الإسلام شديد ويومي، والإحصائيات تؤكد أن آلاف الألمان تحولوا للإسلام، ففي العام الماضي وحده اعتنق حوالي خمسة آلاف ألماني الإسلام.

صعوبات المسلمين

ما الصعوبات التي تواجه المسلمين في ألمانيا؟

– بالطبع توجد صعوبات وربما أكبرها وأهمها هو عدم الاعتراف بالدين الإسلامي كدين رسمي ينعم معتنقوه بحقوقهم العقائدية، لكن رغم ذلك، هناك بوادر طيبة تنبئ بأن القادم أفضل، فقد اعترفت ولاية هامبورج رسمياً بالإسلام، وسمحت بشكل محدود برفع الأذان، ومن الصعوبات كذلك التضييق على المرأة في بعض الأعمال كممارسة رياضة السباحة المختلطة في حصص الرياضة بالمدارس، وخصوصية الصيام والصلاة لطلاب المدارس، وكذلك قلة الموارد المالية لإقامة مشروعات تربوية وعلمية وبناء مراكز دينية جامعة كبرى مملوكة للمسلمين، وتشمل الصعوبات أيضاً قلة عدد المراكز أو انعدامها فيما كان يعرف سابقاً ببرلين الشرقية.

وعلاوة على ما سبق، تأتي العقبات الداخلية الناتجة عن تنوع مشارب المسلمين مع كثرة عددهم، فيصعب الاتحاد والانضواء تحت لواء واحد وبممثل واحد، مع أن غالبيتهم وبنسبة تصل إلى 90% من المسلمين السُّنة، وهم حتى الآن لم يتمكنوا من تأسيس كيان موحد يتحدث باسمهم أمام الدوائر الرسمية الألمانية ويطالب بحقوقهم.

هل تتمتع المرأة المسلمة بكامل حريتها بارتداء الحجاب في العمل والجامعات والمدارس؟

– هناك تضييق في العمل الحكومي على المحجبات، لكن المرأة تتمتع بحرية كاملة لارتداء الحجاب في حياتها العامة وفى المدارس والجامعات بخلاف دول أخرى، ويكفي أن تحصل على خطاب من المركز الإسلامي بوجوب الحجاب، فيسمح لها بصورة بالحجاب في الهوية الألمانية.

والمجتمع الألماني يحرم نفسه أحياناً من كفاءات مسلمة متميزة في مجالات متعددة؛ بسبب منع المحجبات، ورغم ذلك هناك متنفس للمحجبات توفره المؤسسات الإسلامية وعيادات الأطباء المسلمين، وأصبحت المرأة المسلمة أحياناً تعمل في مؤسسات ألمانية بحاجة إلى تخصصها فتفرض نفسها بتميزها.

مسلمون ومناصب

لكن، هل يواجه المسلمون عقبات في شغل مناصب أكاديمية واجتماعية مرموقة في المجتمع الألماني؟

– كلا، لا توجد عقبات في هذا المجال مطلقاً، والمسلمون منتشرون بشتى المجالات، فسياسياً هناك بعض الأعضاء المسلمين بالبرلمان، ووصل البعض إلى منصب نائب رئيس حزب، ويوجد أعضاء بالمجالس المحلية، وأكاديمياً هناك عدد من الأساتذة يصل إلى درجة الأستاذية في تخصصه ويرأس معهده في مجال الكيمياء والفيزياء في توبنجن، وأيضاً هناك كلية ألمانية لدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية يرأسها مسلم عربي.

Exit mobile version